تحت عنوان "جراثيم، أهرام طائرة وأبطال خارقون بالعربية. مغامرات لورنس العربي في المريخ تقترب"، نشر موقع "بوشام" الإسرائيلي تقريراً أعده جياجي فنكلشتاين عن أدب الخيال العلمي في اللغة العربية، وأجري فيه حواراً مع عصام عساقلة، أستاذ الأدب العربي في جامعة حيفا. التقرير يحوي بعضاً من عدم الدقة، ولكن قراءته واجبة لفهم النظرة الإسرائيلية التقليدية للأدب العربي فيما يخص جنساً "مستقبلياً" مثل الخيال العلمي، وربطه بالتراث العربي وقصص السحر والجن، كما يشير التقرير إلي المفارقة اللافتة بين أدب الخيال العلمي المكتوب باللغة العربية في البلدان العربية ونفس الأدب بين "فلسطينيي 48" ، أي، بوصف التقرير، في "الدولة شرق الأوسطية الأكثر انفتاحاً علي الغرب"، والتي لا تحوي أي أدب خيال علمي باللغة العربية. من ه. ج. ويلز و"آلة الزمن" في القرن التاسع عشر، مروراً ب"أنا، روبوت"، لعظيموف في القرن العشرين، وحتي كتًاب الخيال العلمي الجدد في أيامنا، كان حضور الجنس الذهني في الغرب حقيقة صلبة وقائمة. بإمكان المريدين العودة حتي القرن السادس عشر، وتحديد تاريخ لولادة النوع في 1516، مع "يوتوبيا" توماس مور. ولكن العالم ليس فقط الغرب، برغم أن الغرب نفسه لا يفهم هذا. في العالم العربي فإن جنس الخيال العلمي كان في مهده بعد أن تنفس أنفاسه الأولي في أربعينيات القرن الماضي. وأيضاً بعد أن اجتاح هذا الجنس هواء العالم كان تطوره وتسيده بطيئين بشكل مذهل. اليوم، بعد سبعين سنة من هذا، لا يوجد في الحيز الهائل للعالم العربي إلا حوالي عشرين من كتاب الخيال العلمي. في السنة الماضية حدثت نقطة تحول مثيرة، عندما منحت "الجائزة العالمية للأدب العربي ذ البوكر"، للأديب العراقي أحمد سعداوي، علي كتاب الخيال العلمي الذي ألفه "فرنكشتاين في بغداد"، مما يشكل شهادة ذات معني لعلو أسهم أجناس أدبية كانت تعد خارج الكلاسيكيات في العالم العربي، ومن بينها أيضاً أدب الرعب والتشويق. ولكن، باستثناء ازدهاره المتأخر، فهذا الأدب الذهني العربي له سمات خاصة به. يقول د. عصام عساقلة، أستاذ الأب العربي في جامعة حيفا، والمتخصص في الخيال العلمي العربي: "في الخيال العلمي بالعربي تجري مناقشة معضلات العالم العربي ذاته بالأساس... الانشغال بمعضلات أخري أمر موجود، ولكن ظواهره نادرة". علي سبيل المثال ،ف"السيد من حقل السبانخ"، وهي رواية خيال علمي كتبها الأديب المصري صبري موسي، تنشغل بالعالم الذي تحكمه الروبوتات في القرن الرابع والعشرين. في المجتمع الموصوف في الكتاب، نجد نظام الماكينات يحول الإنسان لرقم ويبرمجه. "هذا أمر فريد جداً في العالم العربي"، يشرح الدكتور عساقلة، وبين الظواهر الفريدة يعد أيضاً رواية تدور حول تطويل حياة الإنسان بواسطة التجميد، وأخري تنشغل بموضوع الولادة عن طريق الأنابيب. وفق كلام د. عساقلة، فالخيال العلمي العربي يستلهم عدة مصادر. يتضح به تأثير التراث العربي الشعبي، بخصوص قصص السحر والجن والعفاريت التي تظهر في "ألف ليلة وليلة"، أو الأدب العربي الكلاسيكي، الذي تتواجد به إبداعات من نتاج خيال ثري. في التراث العربي هذا هناك الكثير من وصف الظواهر فوق الطبيعية، مثل الاختفاء المفاجئ، العظام التي تطير والحركة بسرعة متطرفة. بجانب هذا، فقد كان للثورة الصناعية-التكنولوجية أيضاً تأثير في ظهور الخيال العلمي العربي. بداية من الخمسينيات أدت هذه الثورة لبروز اهتمام كبير في العالم العربي بكل ما يتصل بالفضاء الخارجي، وبظواهر "خارقة" أخري أيضاً. التأثير الحاسم في نمو الجنس الأدبي في العربية كان لترجمات أدب هذا النوع من الغرب. في الواقع فهذه الترجمات سبقت كتابة النصوص الأصلية للخيال العلمي بالعربية. وتضمنت أدباء مثل عظيموف وويلز وراي برادبري، وكانت بعيدة عن الالتزام بالأصل. بالإضافة لهذا، جرت أيضاً ترجمة مجموعات وسير ذاتية، بينما لم يدخل الأدباء العرب الأوائل إلي الساحة إلا في السبعينيات والثمانينيات. ولكن تأثير هؤلاء كان أيضاً بمثابة سلاح ذي حدين، فحتي هذا اليوم تري مؤسسات الثقافة العربية الرسمية في الخيال العلمي دخيلاً يمثل ثقافة الغرب. هذا الدخيل، وفق نظرتها، يهدد أسس الإسلام وثقافته، ويخلخل تطور الهوية العربية المنفصلة عن الغرب. وسوياً مع هذا، فرغم الاستخفاف بالجنس الأدبي في العالم العربي مازال باقياً وموجوداً، ومازال يمكن تشمم شكل التغيير في الهواء. "فجأة زاد تقدير المؤسسات الثقافية في العالم العربي لنوع الخيال العلمي، وبدأت تتعامل معه كأنما تتعامل مع أدب جاد ومحترم"، يشرح الدكتور عساقلة. وصحيح، ففي إطار التحولات الحالية في المجال يبرز صعود واضح سواء في عدد الكتاب أو عدد القراء. صدرت في مصر في التسعينيات سلسلتا خيال علمي للمراهقين. ومن 2008 تصدر في سوريا مجلة حول هذا الموضوع، تضمنت أيضاً مقالات عن مواضيع أخري، مثل الطب والاقتصاد والفلسفة. وللأسف ففي أعقاب الأحداث القاسية في سوريا بدا أنها توقفت عن الصدور. وفق دكتور عساقلة، فهناك عدد من الأدباء الذين يكتبون في المغرب ومصر، وواحد يكتب في الكويت وواحد في الجزائر. مع هذا، يؤكد علي أن التعامل مع العالم العربي قاس، وأنه لأجل الحصول علي معلومات من هذا النوع ينبغي الذهاب لأماكن أكثر حرية، مثل الأردن. من البيانات التي نجح في الحصول عليها اتضح أنه في العالم العربي هناك ثقافة فاعلة من محبي هذا الجنس الأدبي، يتم التعبير عنها في إقامة مؤتمرات. بالضبط مثلما في أمريكا. وكذلك من الناحية المهنية هناك تطور، وبدأت مقالات أكاديمية تُكتب عن الموضوع، من بينها كتابات ودراسات عساقلة نفسه. المتخصص العربي ذ الإسرائيلي أصدر أيضاً كتاباً يناقش الموضوع باللغة العربية. وماذا عن الخيال العلمي العربي في إسرائيل؟ الغريب أنه بالتحديد في الدولة شرق الأوسطية الأكثر انفتاحاً علي الغرب ليس هناك شيء كهذا. وأكثر من ذلك، فوفق كلام د. عساقلة فالطلاب العرب الكثير الذين يدرسون في قسم الأدب لا يعرفون هذا الجنس مطلقاً، ولم ينفتحوا عليه. وبطبيعة الحال، فليست هناك ترجمات للخيال العلمي العربي إلي العبرية، ولكن رغم أن التغيير بطيء- وربما لا يكون بعيداً اليوم الذي نستطيع فيه قراءة قصص فيصل الروبوت، نموذج "أ 316". أدب الخيال العلمي بطبيعته يحطم البديهيات والحدود والعوالم. يصف حروب أبناء النور ضد الظلام، والحاجة لابطال خارقين، وهم شبه آلهة، ليحاربوا حربهم دفاعا عن البسطاء. الخيال العلمي يفتح أمام قرائه مستقبلاً ممكناً، أبوكاليبسياً أو يوتوبياً، وبهذا يضع أمام القارئ مرآة تجبره علي الاختيار بين الاثنين. الخيال العلمي يعرض نتائج تكنولوجية مستقبلية، وكثيراً ما يسبق العلم نفسه (التليفونات اللاسلكية في رحلة بين الكواكب). هذا الجنس الأدبي، بطبعه، يخلخل البديهيات ويشجع علي التفكير خارج الصندوق. لو أن هناك نهضة في العالم العربي بكل ما يتصل بالتعامل مع هذا الجنس، فهي محمودة وترمز إلي عالم مسلم يأخذ في الانفتاح علي نماذج جديدة.