الكتاب» الخيال العلمى فى الأدب العربى المؤلف: آداباربارو النشر : كاروتشى عن دار نشر "كاروتشي" صدر مؤخرا كتاب "الخيال العلمي في الأدب العربي" باللغة الإيطالية للدارسة الإيطالية آدا باربارو، وهو أول كتاب بلغة أجنبية (إن لم يكن باللغة العربية ايضا) خصص لهذا الجنس الأدبي، والذي ظل مجهولا بالنسبة للدارسين الغربيين، ولم يتناوله الدارسون العرب بما يليق به من الدراسة والنقد. قبل عدة سنوات تعرفت علي المؤلفة آدا باربارو، عندما دعتني جامعة نابولي لإلقاء بضع محاضرات عن أدب الخيال العلمي علي طلبة الدكتوراه، وكانت هي إحدي الدارسات في ذلك الوقت، وبالفعل حازت علي درجتها العلمية في ذلك المجال، وكان لي الشرف في مد يد العون لكي تتعرف علي بعض ملامح هذا الأدب في اللغة العربية، وهو ما أشادت به الدارسة في مقدمة رسالتها، وفي كتابها الجديد أيضا. لا أقول هذا من باب المفاخرة، وإنما لكي أوضح أن أدب الخيال العلمي في اللغة العربية له عمق ويمكن تقديمه إلي العالم، ولكننا كسالي لدرجة أننا لا ننجح في تقديم ما لدينا من صنوف الفكر والأدب، وأنه محكوم علينا أن يسبقنا الجميع حتي في تقديم أنفسنا. "خيال علمي في الأدب العربي: هل هذا معقول!!" كان هذا هو لسان حال الدارسين الذين التقيتهم قبل عدة سنوات في إيطاليا، وهذا هو رد الفعل الأول علي كتاب آدا باربارو الجديد، والذي استقبلته الأوساط الثقافية في إيطاليا بمزيج من الدهشة والإعجاب. الدهشة لاكتشاف أن للعرب أدب في الخيال العلمي، والصورة الذهنية الشائعة عنهم أنهم أبعد ما يكون عن التفكير العلمي، والإعجاب من أن أدبهم في الخيال العلمي ليس فقط موجودا، وإنما له أهمية معتبرة، ويغطي موضوعات شتي مثل العوالم المتوازية واكسير الحياة ورحلات الفضاء. عزت الباحثة تأخر ظهور رواية الخيال العلمي إلي تأخر ظهور الرواية نفسها كجنس أدبي، وأرجعتها إلي أعوام الخمسينيات تقريبا، وكانت متشابهة إلي حد كبير بمثيلاتها في اللغات الإنجليزية والفرنسية، علي صورة موضوعات جديدة معشقة في موضوعات تقليدية للرواية العربية. لكن المصادر العربية لرواية الخيال العلمي وفيرة، منها ما تجده في الحكايات التي تتحدث عن الغرائب والعجائب، وكتب الرحلات، وقصص ألف ليلة وليلة وبعض المقامات، بل في الجاهلية هناك من النصوص الذي كان يبحث عن الظواهر التي لم يكن العلم آنذاك يجد لها تفسيرا، مثل المطر المفاجئ في غير موسمه أو العواصف، أو فصول السنة. وفي ألف ليلة وليلة هناك قصص حول الحصان الأبنوس وجبل المغناطيس، الذي كان يجذب إليه كل ما في السفن من حدائد ومسامير فلا يبقي منها سوي الخشب. إلي جوار الفيلسوف ابن طفيل وكتابه "حي بن يقظان" الذي تخيل فيه طفلا ترعرع في جزيرة معزولة فنما بقدرات مختلفة عن باقي البشر، وهي رواية تعيد للأذهان حكايات روبن كروز وطرازن، ولكنها تحمل في طياتها رؤية طوباوية مثالية للحياة. ثم تعرج الباحثة علي القرن التاسع عشر فتقدم رؤي للمنفلوطي والكواكبي بها بعض من ملامح الخيال العلمي، وخاصة حول مستقبل مكةالمكرمة، وتتناول بعدها فرح أنطون في رواية "المدن الثلاثة" والمؤلف المصري أحمد رائف برواية "البعد الخامس" التي تنبأ فيها بحرب باردة مثل تلك التي دارت بين روسيا وأمريكا فيما بعد. وفي هذه المصادر ليست هناك رواية خيال علمي وإنما بعض عناصرها، وتختلط في هذه المصادر الغرائب والعجائب مع الأساطير والحكايات الشعبية والخرافات. واعتبرت الباحثة أن أول عمل أدبي في الخيال العلمي كان لتوفيق الحكيم في نصه المسرحي "رحلة في المستقبل" وكان متأثرا فيه بكتاب الغرب، وخاصة جورج أورويل. وتلاحظ الباحثة أن الموضوع المفضل لروايات الخيال العلمي العربية هي السفر في الزمن، وذلك لخصوصية مدلول الزمن عن العرب، الذين يعتمدون بشدة في الطقوس الدينية علي تقسيم اليوم إلي خمس أوقات رئيسية تقام فيها الصلاة. كما تلاحظ أن النهايات دائما تراجيدية حتي عندما ينجح الأبطال في قهر الزمن فإنهم في النهاية ينتهون هم أنفسهم نهاية ليست سعيدة، لأنهم يقهرون الأخلاق مع الزمن. أما فيما يتعلق بالخلود ومحاربة الموت فهو ما نجده عند نهاد شريف والكويتية طيبة أحمد الأبراهيم. السفر في المكان، وخصوصا إلي كواكب أخري، شائع أيضا في الخيال العلمي العربي، لتلازم الزمان والمكان في المعالجة الفكرية. وتقول الباحثة إن نهاد شريف هو أبو الخيال العلمي عند العرب، وتعد روايته "قاهر الزمن" نموذجا لما أخذ به من بعده الكتاب العرب، ولكن هناك كتابا آخرين لم يتفرغوا فقط لهذا الجنس الأدبي وإنما حانت منهم بعض الالتفاتات إليه مثل صبري موسي في روايتي "فساد الأمكنة" و"السيد من حقل السبانخ - رواية عن المستقبل". وكشفت الباحثة عن وجود للخيال العلمي في بلاد عربية أخري مثل اليمن، في رواية لعبد الناصر المجالي بعنوان "جغرافية الماء"، وفي موريتانيا نشرت رواية بعنوان "مدن الريح" وهي خيال علمي صرف. ثم هناك الكاتب طالب عمران وله إنتاج غزير تداخلت فيه بعد حادث البرجين في 11 سبتمبر أدب الخيال السياسي. والموقف الآن في ذلك كما تقول المؤلفة هو غزارة الإنتاج من جانب أدباء شباب، بين الأربعين والخمسين من أعمارهم، ولهم تكوين علمي مكتمل. ومن بين الأجيال الجديدة لكتاب الخيال العلمي تضع الباحثة أحمد خالد توفيق وعز الدين فشير، ضمن أشهر الموجودين علي الساحة، ولهم شعبية محسوسة، كما ترجمت أعمالهم إلي اللغات الأجنبية. وتعتبر مصر هي مركز إبداع هذا الجنس الأدبي والأكثر انتاجا له وقراءة لمنتجه. الكتاب عمل علمي ضخم، قدمت له المستعربة الإيطالية الكبيرة إيزابيللا كاميرا دافليتو، ومؤلفته تخصصت في الأدب العربي وعملت محاضرة له في العديد من الجامعات الإيطالية.