الخيال العلمي كغيره من أشكال الأدب الأخري، مر بأزمة حقيقية قد تساهم في القضاء علي هذا اللون من الأدب وأفول نجمه، الذي سطع في وطننا العربي خلال النصف الثاني من القرن الماضي، حتي جاء نهاد شريف فوضع علي كاهله إرساء هذا اللون من الأدب فتخصص فيه علي مدي ما يقرب من نصف قرن، ولم يكتف برواياته وقصصه ومسرحياته وكتبه التي تم تنفيذ بعضها دراميا سواء للإذاعة أو التليفزيون أو للسينما، بل أنشأ جيلا من الكتاب أتشرف بأن أگون واحدا منهم. بهذه الكلمات تحدث صلاح معاطي، كاتب الخيال العلمي والناقد والسيناريست وأحد تلاميذ الراحل نهاد شريف، والمشرف علي مسابقة نهاد شريف الأولي لأدب الخيال العلمي، واسترجع بداية معرفته به وعلاقته التي تحولت صداقة متينة تجاوزت الإبداع، فقد كان إنساناً بمعني الكلمة، وساعدني أيضا في نشر كتابي الأول بالمجلس الأعلي للثقافة ثم الكتاب الثاني بهيئة الكتاب وتوالت الأعمال بعد ذلك. وعن إبداع ومكانة نهاد شريف يواصل معاطي قائلا: لا يذكر الخيال العلمي إلا ويذكر نهاد شريف، فهو لم يكن الوحيد في مصر والوطن العربي، ولكن ربما كان الوحيد في العالم كله الذي أتخذ من الخيال العلمي أسلوباً وهدفاً وقرر ألا يكتب في غيره، وهو في عشقه وإخلاصه وإبداعه بهذا الشكل لا ينازعه منازع، فمعظم كتاب الخيال العلمي في العالم كتبوا قصصاً لا تنتمي لأدب الخيال العلمي، وهذا لا يعيبهم أو ينتقص من إبداعهم، لكنه في نفس الوقت يؤصل لنهاد شريف وإخلاصه لهذا النوع من الأدب ومثابرته عليه طوال ما يقرب من نصف قرن قدم خلالها أعمالا متنوعة بين قصص الفضاء والأطباق الطائرة إلي الخلية الحية والهندسة الوراثية. وأكد معاطي أنه بعد رحيل رائد أدب الخيال العلمي في مصر والوطن العربي نهاد شريف حدث شطط وخلط شديد لأدب الخيال العلمي، فضاع المصطلح وتاه التعريف السليم لأدب الخيال العلمي، وهو نوع أدبي ينطلق من حقيقة علمية، ويتضمن إبداع الخيال وقدرته علي التنبؤ بالإنجازات والابتكارات العلمية والزوار القادمين من الفضاء والسفر عبر الزمن واستيطان الفضاء والكوارث بأنواعها والمدن الفاضلة. وأكد معاطي، ان حياة الراحل حكاية تستحق أن تروي، فقد كان والده يعده ليكون طبيبا، إلا أن مرض نهاد وضعف بدنه، غيرا وجهته إلي قسم التاريخ بكلية الآداب، حيث الدراسة أقصر، ولا تحتاج مشقة، وكان للمرض تأثير أيضاً في أعماله، ففي طفولته أصيب جده بحصوات في الكلي، ومات أثناء عملية تفتيتها، فكانت هذه الحادثة ملهما له في قصته الماسات الزيتونية التي تحولت إلي سهرة تليفزيونية، وتحكي عن طبيب ينجح في تحويل الحصوات إلي ماسات، كما كان بطل روايته الشئ عام 1986 مصاباً أيضاً بحصوات في الكلي، والشئ ذاته في روايته سكان العالم الثالث عام 2005. قدم الراحل نهاد شريف ثلاثة كتب تضم دراسات وتأملات هما: توماس اديسون، تأملات في العلم والثقافة، والدور الحيوي لأدب الخيال العلمي في ثقافتنا العلمية، وأذيعت 35 سهرة من أعماله في محطات الإذاعة، واستأثر البرنامج الثاني بمسلسلين شهيرين له: قاهر الزمن وسكان العالم الثاني وأستمر لمدة ست سنوات يعد برنامجا ثالثاً شهيرا تحت عنوان دائرة معارف الشعب. وقال معاطي، ترجمت أعمال نهاد شريف إلي اللغات: الانجليزية، الفرنسية، الألمانية، التركية، الصينية، ونوقشت عدة دراسات جامعية عن أدبه، وقمت بتناول سيرته في تجربة روائية غير تقليدية تحت عنوان رجل زاده الخيال.وفضلاً عن كونه أحد مؤسسي اتحاد كتاب مصر، كان أيضاً مع الراحل صلاح جلال من مؤسسي جمعية كتاب ومحبي أدب الخيال العلمي، كما كان عضواً في أكثر من جمعية وناد أدبي، وحظي بتكريمات وجوائز كثيرة آخرها تكريمه في أول مؤتمر عربي لأدب الخيال العلمي في دمشق.كما كتب مسرحية أحزان السيد مكرر، وله دراسة عن الدور الحيوي لأدب الخيال العلمي في ثقافتنا العلمية وقام بترجمة كتاب سينما الخيال العلمي لمؤلفه دينيس جيفورد، بالإضافة لمقالات ودراسات متنوعة. وتابع معاطي: لم يكن نهاد شريف مجرد كاتب خيال علمي مهم، وإنما كان الأديب العربي الأول والوحيد المتخصص في هذا اللون الصعب من الأدب، وكانت أعماله لم تكتف بدفعه نحو مكانة مرموقة بين أهم كتاب الخيال العلمي في العالم، وإنما وضعت أدب الخيال العلمي العربي في مكانة جيدة علي خريطة الإبداع العالمي، ودفعت أغلب المهتمين بهذا اللون الأدبي للنظر إليه بمنتهي التقدير والاحترام، فتم تكريمه داخل مصر وخارجها، وكتبت مئات المقالات عنه وعن أعماله، وتناولته عشرات الكتب ورسائل الماجستير والدكتوراه. وقال معاطي عن الذي كان يحزن الراحل نهاد شريف، أنه كان يعتبر ان من المؤسف ان تجد الحكومات والمسؤولين لا يهتمون بالخيال العلمي ولا حتي بالعلوم والبحوث العلمية، ولا يدركون أهميتها وخطورتها في عصر بات الأقوي فيه هو الأكثر علماً وتطورا، وكتاب الخيال العلمي من أقدر البشر علي الإسهام في ذلك بإبداعاتهم وأفكارهم. اللحظات الأخيرة وللكاتب الكبير ابنان هما حاتم وإيمان .. وحتي أستكمل البورتريه الذي أرسمه للكاتب الكبير طلبت من ابنته ايمان في المسابقة الاولي لوالدها أن تحدثني عن نهاد شريف الأب، وكيف كان في عمله، فتقول: كان أباً طيباً وحنوناً جداً، وكان شديد العشق والإخلاص لعمله ويعتبره رسالة ومسؤولية ولم يكن يتوقف عن التفكير والتأمل والتحضير والكتابة، كان عمله شاقاً ومرهقاً جداً وكنت أراه يبذل كل طاقته ولا يتوقف حتي وهو في أشد حالات المرض. وكان يحب مساعدة الأدباء الشباب والجدد ويقدم لهم نصائحه وخبراته، وأتصور أنه لو كان في دولة مثل أميركا وقدم كل هذا الإبداع الرائع فربما كانوا نصبوا له تمثالاً في ميدان كبير أو أقاموا له متحفا. وفي نهاية الاحتفالية، أكد صلاح معاطي ما لاقاه نهاد شريف من نكران وتجاهل خاصة في أيامه الأخيرة وافتقاده للتواصل مع كتاب هذا الزمن، وتعرضه لتجاهل معظم الأماكن الأدبية في مصر كإتحاد الكتاب ونادي القصة خلال سنوات طويلة، وقال: تمنيت أن يقف نادي القصة ولو دقيقة حداداً علي روح الرجل واصفاً لنا اللحظات الأخيرة في عمر المبدع نهاد شريف قائلا: وفي اللحظات الأخيرة من حياته وقفت أتأمل جسده الثاوي وهو يتأهب للرحيل بادئاً رحلة جديدة في أعماق الكون كأنه يستعد لكتابة شيء جديد لكنه لم يبح لي به كما كان يفعل دائما... ويختم كلمته قائلاً: نهاد شريف سيبقي بيننا بأعماله وأفكاره الجديدة السباقة دائماً، وسنستعر إبتسامته لتكون سلاحاً في وجه كل قراصنة النجاح والإبداع.