نصف قرن من الزمان مدة رحلة العطاء التي عاشها رائد أدب الخيال العلمي في الوطن العربي, الراحل الكبير نهاد شريف(1930 2011), حاول خلالها بكل جهده تأكيد حقيقة أن أدب الخيال العلمي ليس مجرد وسيلة ترفيه وتسلية. وإنما أيضا من أهم الوسائل التربوية والتعليمية الحديثة, وضرورة لابد منها للفكر والإبداع, وغرس حب العلم والذائقة العلمية لدي الناشئة بما يؤهلهم لمواجهة صدمات العصر والمستقبل وتحدياتهما. نصف قرن من العطاء عاشه نهاد شريف يعمل في صمت لترسيخ أدب الخيال العلمي في النفوس, وتوضيح خطأ الخلط بين هذا اللون الأدبي الذي يبدأ من حقيقة علمية لم تستكمل, وبين الفانتازيا التي هي عبارة عن خيال جامح لايتقيد بشئ وليس له قواعد في كتاباته. كان يرحمه الله يري أن أزمة الخيال العلمي لاتكمن في دور النشر, وإنما في عدم إدراك أهمية العلم, حيث لم يحتل العلم عندنا مكانته اللائقة بعد, وأيضا لصعوبته, حيث تحتاج كتابة أدب الخيال العلمي إلي بحث وتنقيب في مختلف فروع المعرفة, فكاتب الخيال العلمي لابد أن يراجع الأبحاث ويقرأ المراجع, ويبحث في الانترنت ويسأل المختصين حتي يتأكد من الجزئية العلمية التي يكتب فيها. وقد طبق نهاد شريف قناعاته هذه علي نفسه قبل أن يطالب غيره بتطبيقها, وقد لا يعلم القارئ أنه قبل كتابته روايته قاهر الزمن التي صدرت عام1972 وتحولت عام1986 إلي فيلم سينمائي قام ببطولته نور الشريف وآثار الحكيم, قد قرأ مالايقل عن ثلاثمائة كتاب حتي يصل إلي الحقيقة العلمية للتجميد, التي تدور حولها فكرة روايته, لهذا حازت هذه الرواية الاعجاب والجوائز, حتي أن عالما كبيرا مثل الراحل د.أحمد مستجير قال في احدي المقابلات الصحفية أن الأمريكان يؤسسون جيشا مستنسخا بفكرة عربية ابتكرها نهاد شريف في قاهر الزمن. وإذا كان يحق لمحمد شريف باشا رئيس الوزراء الأسبق والجد الأكبر لنهاد أن نلقبه بمنشئ الدستور المصري, فانه يحق لنهاد أن ننصبه رائدا لهذا اللون الأدبي في الوطن العربي, حيث نبع اهتمامه به من خلال مكتبة والده الضخمة, وحكايات جدته عن السندباد, وأساطير الجني ومصباح علاء الدين, وهي الحكايات التي اكتشف فيما بعد أن الجدة كانت تضيف من عندها أكثر مما تروي, وساعد قرب سكنه من مرصد حلوان في ايجاد ولع لديه بالسماء والنجوم تبدي في روايته ابن النجوم1995 م التي سجل فيها الاتصال بين أهل الأرض وكائنات الكواكب. حياته حكاية تستحق أن تروي, فقد كان والده يعده ليكون طبيبا, إلا أن مرض نهاد وضعف بدنه, غيرا وجهته إلي قسم التاريخ بكلية الآداب, حيث الدراسة أقصر, ولاتحتاج مشقة, وكان للمرض تأثير أيضا في أعماله, ففي طفولته أصيب جده بحصوات في الكلي, ومات في أثناء عملية تفتيتها, فكانت هذه الحادثة ملهما له في قصته الماسات الزيتونية التي تحولت إلي سهرة تليفزيونية, وتحكي عن طبيب ينجح في تحويل الحصوات إلي ماسات, كما كان بطل روايته الشئ1986 مصابا أيضا بحصوات في الكلي, والشئ ذاته في روايته سكان العالم الثالث2005 عمل نهاد في الخمسينيات من القرن الماضي محررا علميا في مجلة آخر ساعة لكنه وبنصيحة من الصحفي العلمي الكبير الراحل صلاح جلال الذي لمس فيه نبوغا في كتابة القصة العلمية ترك الصحافة, وعمل في وظائف حكومية لاتتطلب جهدا ليتفرغ لكتابة أدب الخيال العلمي, ويبدع فيه. فلم يكتب سواه, وأثري المكتبة العلمية العربية بنحو26 مؤلفا مابين رواية ومجموعة قصصية ودراسة وترجمة, ومن أشهر رواياته: قاهر الزمن, الشئ, ابن النجوم, سكان العالم الثالث, وتحت المجهر, ومن مجموعاته القصصية: رقم4 يأمركم, الماسات الزيتونية, الذي تحدي الاعصار, أنا وكائنات الفضاء, بالاجماع, ونداء لولو السري, وله مسرحية واحدة أحزان السيد مكرر كما ترجم كتاب دينيس جيفورد سينما الخيال العلمي. وقدم3 كتب تضم دراسات وتأملات هي: توماس اديسون, تأملات في العلم والثقافة, والدور الحيوي لأدب الخيال العلمي في ثقافتنا العلمية, وأذيعت35 سهرة من أعماله في محطات الاذاعة, واستأثر البرنامج الثاني بمسلسلين شهيرين له: قاهر الزمن وسكان العالم الثاني واستمر لمدة6 سنوات يعد برنامجا ثالثا شهيرا تحت عنوان دائرة معارف الشعب. وترجمت أعمال نهاد شريف إلي اللغات: الانجليزية, الفرنسية, الألمانية, التركية, الصينية, ونوقشت عدة دراسات جامعية عن أدبه, وقام تلميذه الروائي صلاح معاطي بتناول سيرته في تجربة روائية غير تقليدية تحت عنوان رجل زاده الخيال. وفضلا عن كونه أحد مؤسسي اتحاد كتاب مصر, كان أيضا مع الراحل صلاح جلال من مؤسسي جمعية كتاب ومحبي أدب الخيال العلمي, كما كان عضوا في أكثر من جمعية وناد أدبي, وحظي بتكريمات وجوائز كثيرة آخرها تكريمه العام الماضي في أول مؤتمر عربي لأدب الخيال العلمي في دمشق.. وكلي أمل في أن تكرمه الدولة بطبع أعماله الكاملة في طبعات شعبية.