حتي وفاته لم يتمكن ألبرت أينشتين من قبول تطورات نظرية ميكانيكا الكم. المتمرد القديم علي الفيزياء التقليدية، والذي نسف الأفكار السائدة بشأن الكون، حين صار عجوزا وجد نفسه يفعل ما يفعله العجائز عادة. في عبارة شديدة العمق كتب أينشتاين "كما لو أن القدر رغبة في معاقبتي علي تحدي كل سلطة قد جعل مني أنا سلطة". هذا الوعي بتحول تمرده إلي سلطة دفعه مرة أخري للكتابة قائلا "بعد الخمسين لا يعود المرء قادرا علي تقبل الأفكار الجديدة". هو نفسه عمليا لم يعد يتقبل الأفكار الجديدة الخاصة بميكانيكا الكم، بعد الأربعين، وليس بعد الخمسين. أينشتاين الذي كان من مؤسسي ميكانيكا الكم ظل حذرا بشأن اللاحتمية التي أثبتتها الأبحاث التي كتبها نيلز بور، حتي إنه أثناء جدال حار بينه وبين بور قال محتجا: "الله لا يلعب النرد" ما دفع الأخير للقول لأينشتاين: "كُف أنت عن إملاء الرب ما ينبغي وما لا ينبغي فعله". ألبرت العجوز لم يكن فحسب متمسكا بإيمانه بوجود نظام ما للعالم، لكنه أيضا كان متمسكا برغبته القديمة في الوصول لمعادلة واحدة لتفسير الكون، معادلة تجنبه الفوضي المحتملة في نظرية بور. ألبرت العجوز كان يرغب في معادلة واحدة تُحكي كمعادلة وحيدة. بعد نصف قرن من وفاة أينشتين يبدو أن معادلة واحدة لن تكون كافية. يقول الكاتب الأمريكي ديفيد شيلدز في كتابه جوع الواقع (ترجم أحمد شافعي بعض مقاطعه في مجلة عالم الكتب) "لن يحدث ثانية، أن تُحكي قصة واحدة، وكأنها القصة الوحيدة". في العلم، حيث تمت التضحية باليقين من أجل بقاء العلم، لم تعد قصة واحدة ممكنة كقصة وحيدة. علماء الفيزياء النظرية المعاصرون لن يمكنهم تجاهل النسبية العامة ولا ميكانيكا الكم، رغم تعارضهما، كما لن يمكنهم تجاهل فرضيات متعارضة كفرضية أن الكون ينكمش علي نفسه وفرضية أن الكون يتمدد، ما من بحث جديد وإلا وسوف يضع الفرضيتين في اعتباره، ما من قصة جديدة إلا وسوف تُثمّن كل القصص الأخري. قبل شهور نشر الدكتور أحمد فرج، عالم الفيزياء النظرية المصري الذي يعمل الآن في جامعة فلوريدا، بحثا ضمن نتائجه أن الكون أزلي، أي أنه لا بداية ولا نهاية له، في واحدة من أهم الدوريات العلمية المتخصصة في هذا المجال. بالنسبة لفرج فإن معادلاته تظل مجرد فرضية، فبحسبه هو نفسه: نتائجه علمية، أي قابلة للشك علي الدوام. هو نفسه يمكن أن يكتشف خطأ بحثه في مرة قادمة، أو قد لا يكتشف. فرج، الذي يجب أن نفخر به، يسعي للحقيقة حتي ولو تعارضت مع الإيمان. فلا يجب أن ننسي أنه قبل عقدين من الآن عارض جاليليو إيمان الكنيسة فكاد أن يُفتك به، هذا قبل أن يفرض علي الكنيسة أن تعدل إيمانها لتقبل الحقيقة. العالم المصري الشاب الذي كان لي الشرف في تبادل الرسائل معه يشعر بالمرار ليس فحسب لأن تهمة التكفير الجاهزة دوما لاصطياد أي فكرة تتعارض مع الإيمان التقليدي طالته، ولكن أيضا لأن المصريين دلّلوا بكراهيتهم للعلم علي أنهم يفضلون القصص القديمة، حتي ولو لم تكن صحيحة. المصريون المحدثون كعجائز مثاليين فضلوا قصتهم كقصة وحيدة، ولهذا فإنهم يمضون مسرعين للتحول إلي ديناصورات منقرضة ما لم يجددوا شبابهم بقبول الأفكار الجديدة، كلها، في العلم، وفي الإيمان، أو علي الأقل في رفضها، ولكن بعد التفكير فيها بحرية وتجرد. يجب أن ننسي أنه قبل عقدين من الآن عارض جاليليو إيمان الكنيسة فكاد أن يُفتك به، هذا قبل أن يفرض علي الكنيسة أن تعدل إيمانها لتقبل الحقيقة.