مستقبل وطن يطلق مؤتمرا لدعم مرشحي الشيوخ بدمياط الجديدة    تنسيق المرحلة الأولى.. التعليم العالي تنتظر نتيجة الثانوية للكشف عن الحد الأدنى    إلكترونيا.. رابط التقديم لكلية الشرطة لهذا العام    جامعة قناة السويس تنظم دورة تدريبية لتعزيز مهارات الذكاء العاطفي    إنفوجراف| تراجع أسعار الذهب اليوم الجمعة 25 يوليو    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    أسعار النفط تصعد وسط تفاؤل بانحسار التوتر التجاري وخفض صادرات البنزين الروسية    في عمر ال76.. سيدة أسوانية تمحو أميتها وتقرأ القرآن لأول مرة (فيديو وصور)    وزير الإسكان : تلقي 6863 طلب توفيق أوضاع من المواطنين على مساحة إجمالية 58454 فدانا    انخفاض أسعار الحديد وارتفاع الأسمنت اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    انقطاع مياه الشرب اليوم عن مناطق في الجيزة لمدة 6 ساعات    الخارجية الفلسطينية: اعتراف فرنسا بدولة فلسطين يمثل انتصارا للدبلوماسية    «القاهرة الإخبارية»: دخول 161 شاحنة مساعدات لغزة منذ الأمس    إيران والترويكا الأوروبية تناقشان البرنامج النووي في اسطنبول.. أي أفق للتسوية والاتفاق؟    تايلاند وكمبوديا تتبادلان إطلاق النار مجددا قرب الحدود المتنازع عليها    وزير الخارجية يسلم الرئيس السنعالي رسالة خطية من الرئيس السيسي    بعد إثارته للجدل.. أحمد فتوح يغلق حسابه على "إنستجرام"    مواعيد مباريات الجمعة 25 يوليو - الأهلي ضد البنزرتي.. والسوبر الأردني    موعد المباراة.. الزمالك يختتم معسكره بمواجهة وادي دجلة    صفقة الزمالك.. الرجاء المغربي يضم بلال ولد الشيخ    بعد إيكيتيكي.. ليفربول يستعد لإبرام صفقة قياسية    300 جنيه للمادة....بدء أعمال تظلمات طلاب الثانوية العامة يوم الأحد المقبل    وفاة وإصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكي بصحراوي المنيا    ضبط 3 آلاف سرقة تيار كهربائي ومخالفة شروط التعاقد    مصدر أمني ينفي وجود احتجاجات لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل    مصرع عنصر شديد الخطورة بعد تبادل نار في أسيوط    للوصول إلى شواطئ الإسكندرية.. مواعيد انطلاق القطارات من محطة بنها ل«عروس المتوسط»    «ربنا ميحرمناش منك يا صوت مصر».. نادية الجندي تساند أنغام    ظهرت بفستان جريء.. أول تعليق من إليسا بعد حفل "جدة" (صور)    الليلة.. الستاند أب كوميديان محمد حلمي وشلة الإسكندرانية في ضيافة منى الشاذلي    عالم أزهري يدعو الشباب لاغتنام خمس فرص في الحياة    رئيس الرعاية الصحية: تقديم خدمات الغسيل الكلوي بأسوان من خلال 250 ماكينة دون قوائم انتظار    «100 يوم صحة» تقدم 14 مليونا و556 ألف خدمة طبية مجانية خلال 9 أيام    الفن السيناوي يضيء ليالي مهرجان جرش. .فرقة العريش للفنون الشعبية تتألق وتبهر الأردنيين بتراث سيناء (صور)    حالة المرور اليوم بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    موجة حارة شديدة تتسبب بحرائق في تونس    بكام الفراخ النهارده؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق الشرقية الجمعة 25-7-2025    نجم الزمالك السابق يوجه رسالة خاصة ل عبد الله السعيد    شديد الحرارة والعظمى 44.. حالة الطقس في السعودية اليوم الجمعة    طريقة عمل بلح الشام، باحترافية شديدة وبأقل التكاليف    رسميا.. قائمة بالجامعات الأهلية والخاصة 2025 في مصر (الشروط والمصاريف ونظام التقسيط)    بعد «الاستوري» المثير.. أحمد فتوح يحذف حسابه على «انستجرام»    لا ترضى بسهولة وتجد دائمًا ما يزعجها.. 3 أبراج كثيرة الشكوى    أنوشكا عن ياسمين عبدالعزيز: «محتاجة تحس بالأمان» (فيديو)    تدهور الحالة الصحية للكاتب صنع الله إبراهيم من جديد ودخوله الرعاية المركزة    الأوقاف تفتتح اليوم الجمعة 8 مساجد في 7 محافظات    استمرار استقبال طلاب الثانوية العامة لاختبارات العلوم الرياضية بالعريش    مصدر للبروتين.. 4 أسباب تدفعك لتناول بيضة على الإفطار يوميًا    سعاد صالح: النقاب ليس فرضًا أو سنة والزواج بين السنة والشيعة جائز رغم اختلاف العقائد    تفاصيل صفقة الصواريخ التي أعلنت أمريكا عن بيعها المحتمل لمصر    أحمد سعد: ألبوم عمرو دياب مختلف و"قررت أشتغل في حتة لوحدي"    وسيط كولومبوس كرو ل في الجول: صفقة أبو علي تمت 100%.. وهذه حقيقة عرض الأخدود    سعاد صالح: القوامة ليست تشريفًا أو سيطرة وإذلال ويمكن أن تنتقل للمرأة    فلكيا.. مولد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر و3 أيام إجازة رسمية للموظفين (تفاصيل)    دعاء يوم الجمعة.. كلمات مستجابة تفتح لك أبواب الرحمة    داليا عبدالرحيم تنعى أسامة رسلان متحدث «الأوقاف» في وفاة نجل شقيقته    لتخفيف حرقان البول في الصيف.. 6 مشروبات طبيعية لتحسين صحة المثانة    الشيخ خالد الجندي: «ادخل العبادة بقلب خالٍ من المشاغل الدنيوية»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفيزياء الكلاسيكية فلسفتها وطبيعتها.
نشر في البديل يوم 31 - 10 - 2013


(1) ما هي الفيزياء الكلاسيكية ؟
فى الحقيقة، فان مصطلح الفيزياء الكلاسيكية Classical physics عادة ما يُطلق لكي يُعبِّر عن النظريات الأساسية للعلم الفيزيائي، والتي استمرت ما يقرب من ثلاثة قرون تقريباً، أي تلك النظريات الفيزيائية التي ظهرت في القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر، ذلك الاتجاه الذي بدأ بشكل جَدِّي مع جاليليو جاليلي Galileo Galilei (1564 1642) وإسحاق نيوتن Isaac Newton (1643 1727) وآخرين. ولقد بلغ ذروته باكتمال الديناميكا التحليلية Analytical Dynamics، وظهور نظرية ماكسويل عن المجال الكهرومغناطيسي Maxwell's Theory of the Electromagnetic Field وبصريات هيرتز Hertz (1857 1894) بوصفها نتيجة لنظرية ماكسويل السابقة. كما يمكن أن يتضمن ذلك الاتجاه أيضاً، التأويل الإحصائي لبولتزمان (1844 1906) Boltzmann's Statistical Interpretation للقانون الثاني للديناميكا الحرارية.
وبناء على ذلك، فإنه يمكننا القول، أن الفيزياء الكلاسيكية إنما تشير إلى تلك القوانين الفيزيائية التي تعتبر قوانين كلاسيكية والمتضمنة في الميكانيكا الكلاسيكية، والتي تتضمن قوانين نيوتن الثلاثة عن الحركة بالإضافة لقانونه عن الجاذبية العامة.كما تتضمن أيضاً: الصيغ والمعادلات الرياضية الإضافية والمكافئة لقوانين ومعادلات نيوتن والمتمثلة في صيغ ومعادلات لاجرانج Lagrang (1736 1813) وهاميلتون Hamilton (1805 1865). كما تنتمي لنفس الفئة من القوانين الكلاسيكية، تلك القوانين التي وضعها جيمس كلارك ماكسويل James Clark Maxwell (1831 1879) في معالجته لأسس الديناميكا الكهربية والمغناطيسية، وتلك القوانين المتضمنة في ميكانيكا الموائع Fluid mechanics، والديناميكا الحرارية Thermodynamics، والميكانيكا الإحصائية Statistical Mechanics.
وبصفة عامة، فإن مصطلح الفيزياء"الكلاسيكية"إنما يُطلق لكى يُشير إلى تلك الأفرع من الفيزياء التي تقع خارج نطاق فيزياء الكم؛ أي، تلك الأفرع التي تسود فيها القوانين الفيزيائية التي كانت موجودة قبل اكتشاف فيزياء الكم التي تسود فيها مفاهيم الحتمية Determinism والسببية الصارمة، واستقلالية الملاحظ عن العالم الخارجي.
ومن هنا، وبهذا المعنى، فإن مصطلح الفيزياء الكلاسيكية يمكنه أن يشير أيضاً، إلى القوانين المتضمنة في نظريتي النسبية الخاصة Special Relativity والنسبية العامة General Relativity لألبرت أنيشتينAlbert Einstein (1879– 1955)، بسبب أنهما تكونان معتمدتان أيضا على مفاهيم وتصورات ما قبل فيزياء الكم. وعلى الرغم من أن أينشتين قد أسقط من نظريتيه الفرضيات الميتافيزيقية المُسبَّقة للفيزياء الكلاسيكية، مثل فرضيتيه الأثير، فإنه قد أبقى على عدد من الافتراضات المنهجية للفيزياء الكلاسيكية مثل الحتمية السببية الصارمة والقيم الموضوعية للكميات القابلة للقياس، وواقعية العالم الخارجي، واستقلاليته عن الملاحظ.
على أية حال، فإنه يمكن القول، أن الفيزياء الكلاسيكية قد بلغت ذروتها عندما أوشك العصر الفيكتوري Victorian Age (1837– 1901) على الانتهاء؛ حيث بدا أن الأفكار عن العالم الفيزيائي قد انقسمت إلى فئتين متعارضتين تماماً؛ تلك الأفكار التي عن المادة والتي يعبر عنها بالجسيمات، وتلك التي عن الطاقة والتي يعبر عنها بدلالة الموجات.
أما بالنسبة للفئة الأولى من الأفكار فهي تلك التي وضعت في اعتبارها العالم بوصفه يتكون من جواهر مادية material substances والتي تتكون منها العناصر الكيميائية، وكل منهما يتكون من ذرات لها شكل مميز غير قابل للتغيير ومن هذه الذرات تتألف الجزيئات.(لقد قام بصياغة هذه الأفكار أصلاً جون دالتونJohn Dalton (1766 1844) خلال العشر سنوات الأُوَّل من القرن التاسع عشر، أي في الفترة من عام 1800 وحتى عام 1810، حيث أوضح أن ذرات العنصر الواحد تمتلك كتلاً مميزة، والتي كانت ناجحة جداً في تفسير الاكتشافات الكيميائية العديدة.ومن ثم، فإنه يرجع الفضل إليه في تحويل الذرية Atomism من نسق فلسفي ديمقريطي إلى نظرية موضعية عن الاتحاد الكيميائي.
أما الفئة الثانية من الأفكار، فهي تلك التي وضعت في اعتبارها العالم بوصفه يتكون من أنواع مختلفة من المجالات والإشعاع Fields and Radiation، والتي تتضمن الضوء والحرارة الإشعاعية والكهربية والمغناطيسية. وكنتيجة لبحث ماكسويل فإن جميع هذه المجالات كان من الواضح أنها تنتقل في الفضاء على شكل موجات كهرومغناطيسية، والتي تختلف في تردداتها وأطوالها الموجية.
ومن هنا فإنه يمكننا القول، أن الفيزياء الكلاسيكية في مُجمَلها كانت قد كَرَّسَت ما يمكن أن يُعتَبر بوصفه"ثنائية"حادة بين الوصف الجسيمي للمادة، والوصف الموجي للضوء والإشعاع، فيما بدت بوصفها مُعضلات مَفاهيمية ومُلاحَظِيَّة مُستعصية على الحل بداخل إطار تلك الفيزياء، والتي استدعت بقوة دخول نموذج آخر للوصف والتفسير؛ أي، فيزياء جديدة ذات أطر مفاهيمية مختلفة والتي يمكنها حل تلك المفارقة، ولذلك فإننا سوف نقوم فيما يلي بتسليط ضوء أشد كثافة على تلك المفارقة.
(2) رؤية الفيزياء الكلاسيكية للكون الفيزيائي:
إنه لمن نافلة القول التأكيد على حقيقة أن رؤية الفيزياء الكلاسيكية للكون الفيزيائي ترتكز بشكل جوهري على الملامح التي رسمتها الرؤية النيوتينية له، والتي يتجلى فيها مفهوم الجسيم المادي بشكل لافت للنظر، فيما شَكَّلَت ما يُمْكن أن يُعتَبر بوصفه العصر الذهبي للفيزياء الكلاسيكية.
بيد أنه يمكن القول أيضا، وكحقيقة مؤكدة، أن هذه الرؤية النيوتينية للكون الفيزيائي لم تكن مُنبتة الجُذور ولا منقطعة الأواصر عن التطورات العلمية السابقة؛ على وجه الخصوص، تلك المساهمات التي أبدعها كوبرنيكوس، وجاليلو، وتيكوبراهي، وكبلر، بل وحتى مساهمات اقليدس وديمقريطس. لدرجة أنه يمكن القول، أنه لولا هذه المساهمات لأولئك الثلة من الفلاسفة الطبيعيين، لما استطاع نيوتن أن يُبدع ذلك الصرح المهيب المسمى بالميكانيكا النيوتينية؛ وحتى لدرجة أنه يمكن القول: أن المساهمة الرئيسية لنيوتن تكمن في توحيده لتلك المساهمات المتناثرة، دون أن يكون في ذلك إغماط لحقه في نسبة ذلك الصرح إليه. لذلك، وكتوطئة لإدراك حجم مساهمة نيوتن وأهميتها، فإننا سوف نتناول فيما يلي، وبشكل موجز، أهم المساهمات التي أدت بشكل مباشر لإخراج النسق النيوتيني لحيز الوجود.
في الحقيقة، تعتبر مساهمة نيكولاس كوبرنيكوس Nicholas Copernicus
(1473– 1543)، هي المساهمة الأولى التي أدت لتطوير نيوتن لنسقه الميكانيكي. فلقد نظر كوبرنيكوس للكون الفيزيائي بوصفه نسقًا شمسي المركزheliocentric، والذي تعتبر فيه الشمس بوصفها مركزا الكون، (وبمنظورنا الحديث هي فقط مركز النظام الشمسي)، وأن الأرض وجميع الكواكب الأخرى تدور حولها. لذلك، فإن نظرية كوبرنيكوس قد شكلت ضربة قاصمة للنسق البطليموسي المهيب الذي سيطر على العقل البشري قرابة ألف عام، والذي تعتبر فيه الأرض بوصفها مركز الكون، وأن الشمس وجميع الكواكب الأخرى تدور حولها.
على أية حال، فإن مساهمة كوبرنيكوس تعتبر بمثابة نقطة تحول تاريخية، ليس فقط لأنها مرتبطة بتحول عميق في رؤيتنا للكون الفيزيائي، ومعارضتها للحس المشترك، ولكن أيضاً لأن جميع معلوماتنا ومعارفنا قد تأثرت بشكل مباشر باكتشافه؛ حيث أنها أدت إلى القول بأن الإنسان ليس هو مركز الكون، وأن الكون في نشأته وتطوره لا يبالي مثقال ذرة بالجنس البشري. وبكلمات أخرى، فإن عظمة كوبرنيكوس لم تكن راجعة فقط إلى كونه قد قال بحركة الأرض حول الشمس، بعكس ما كان يُعتقد من قبل فتلك فكرة افترضها فلاسفة قدماء ولكنها بقيت فكرة يتيمة معزولة، وإنما ترجع عظمة كوبرنيكوس إلى كونه استطاع أن يُشيِّد على هذه الفكرة الجديدة القديمة نظامًا كَونيًا مُتناسقًا مُتكاملاً، أضفى على التصور البشري للكون مزيدًا من النظام والمعقولية وفتح آفاقًا جديدة أمام البحث العلمي والرؤية الفلسفية.
ومن هنا فانه يمكننا القول، أن فرضية كوبرنيكوس كانت اللبنة الأولى في تشييد النسق الميكانيكي النيوتيني، حيث أنها، وبتَحدِّيها للنسق الأرسطو- بطليموسي السائد، قد أدَّت إلى زخم مَعرفي استثنائي والذي ترك بصماته واضحة على تصورات جاليليو، وتيكوبراهي، وكبلر، والتي كان لها حضور مباشر في النسق النيوتيني.
أما المساهمة الأخرى؛ الأكثر أهمية، والتي تُعتبر بمثابة نقطة البداية الحقيقية التي وضعها نيوتن في اعتباره لتطوير نسقه الميكانيكي، فهي تلك التي قام بها جاليليو جاليلي Galileo Galilei (1564 1642). إنه لمن المعتاد، أن يُنظر إلى جاليليو بوصفه الفيزيائي الكلاسيكي الرئيسي الأول الذي لعب دوراً بارزاً في الثورة ضد الأرسطيةAristotelianism (وهي الحركة المدرسية التي تُنسب تاريخياً لأرسطو)، وعلى وجه الخصوص، فيما يتعلق بمفهومه عن الحركة والسكون، والتي كانت في تعارض تام مع المفهوم الأرسطى.
وفي الحقيقة، فإننا نجد أن أرسطو Aristotle (384– 322 قبل الميلاد) قد ذهب إلى أن جسماً ما يكون في حالته الطبيعية عندما يكون ساكناً، فالأجسام تميل بحكم طبيعتها الداخلية إلى الثبات والسكون. ومن ثم، فإن الحركة لا تُفهم إلا بوصفها نزوعاً إلى حيث الوضع الثابت للجسم، وتلك هي الحركة الطبيعية للجسم؛ أي، التي يحقق فيها الجسم نزعته الطبيعية للسكون في موضعه الطبيعي. ومن ثم، فإن سقوط الأجسام، ولاسيما الأجسام الصلبة، إنما يكون بسبب "الميل" الطبيعي فيها،" وحنينها" إلى موضعها الأصلي. إن الحركة هنا هي علامة على مُحرِّك والذي هو طبيعة الجسم نفسه والتي تحاول رده إلى موضعه الطبيعي. أما الحركة التي يبذل فيها مُحرِّك خارجي قوة على الجسم المتحرك، فهي الحركة العنيفة، والتي يبتعد فيها الجسم المتحرك عن موضعه الطبيعي بشكل قصري استثنائي عن طريق العنف.
وبناء على ذلك، وطبقاً لأرسطو، فإن السكون والحركة لا يُفهمان إلا كمفاهيم متضادة، حيث أن الجسم ذاته هو إما في حالة سكون بحسب طبيعته أو في حالة حركة، لكنه إذا كان في السكون فهو فيه بطريقة مطلقة. علاوة على ذلك، فإن الحركة طبقاً للتصور الأرسطي، هي"الفعل المقترن لمُحرِّك ومُتحرِّك". ومن ثم، فإنه لا يمكن أن نفكر في الحركة بدون مُحرِّك، وهو الذي يعطيها البداية، ويجعلها تستمر في كل لحظة، ولا يمكننا أن نفكك المحرك من المتحرك في مجرى الحركة. إن محركاً منفصلاً عن محركه ليس، بالتعريف، في حالة حركة، إنه في السكون. ومن ثم فإن فكرة حركة بدون محرك هى فكرة ليس لها أي معنى في التصور الأرسطي.
لكن جاليليو، وعلى العكس من أرسطو، وبتأثير من الروح الكوبرنيكية الجديدة، قد ذهب إلى أن جسماً ما يكون في حالته الطبيعية عندما يكون متحركاً حركة منتظمة، والتي يكون فيها متحرراً من تأثير كل قوة عليه. يقول جاليليو :
"إن الحركة هي حركة، وتؤثر كحركة، بقدر ما هي في علاقة مع أشياء محرومة منها، ولكن بما يخص الأشياء التي تشارك فيها كلها بتساو، فهي لا تؤثر أبداً، وكأنها لم تكن".
ومن هنا، فإننا نرى أن الحركة، طبقاً لجاليليو، إنما تُنسب لجسم ما عندما تختلف حركة ذلك الجسم عن أجسام أخرى، والتي نعرف عن طريقها حركة الجسم المتحرك، أو"نَرجع" إليها لمعرفة حركته. وحينئذ فإن الجسم، والحالة هذه، يتحرك حركة "غير منتظمة" بالنسبة للأجسام الأخرى، ومن ثم، فإن الحركة إنما تفهم بوصفها علاقة بين جسمين، وليس لها من معنى إلا بالنسبة لآخر قد حُرم منها.إن الحركة حينئذ لا تخص جسماً واحداً معزولاً، حسب التصور الأرسطي، ولكنها علاقة، ليس إلا، بين جسمين يتحركان بالنسبة لبعضهما حركة غير منتظمة. أما بالنسبة للأجسام التي "تتشارك في الحركة بتساو"؛ أي، تتحرك حركة منتظمة بالنسبة لبعضهما البعض، فإنها تعتبر وكأنها ليست في حالة حركة، إنها تعتبر في حالة سكون بالنسبة لبعضها البعض، "فهي لا تؤثر أبداً، وكأنها لم تكن".
وبناء على ذلك، فإن جاليليو، وبتعريفه للسكون بوصفه حالة من الحركة، والتي تتشارك فيها الأجسام بتساو؛ إنما يقوض الديناميكا الأرسطية، ويخرق تمييزها الأنطولوجي بين الحركة والسكون، حيث أن السكون هو حركة أصبحت "صفرًا" لأن الأجسام فيها تتحرك حركة منتظمة. علاوة على ذلك، فإن فكرة المشاركة في الحركة ذاتها بين جسمين، هى فكرة غير قابلة للتعبير عنها في فيزياء أرسطو، لأن حركتهما تخصهما وحدهما.
ومن هنا، فإنه يمكن القول أن جاليليو قدَّم لنا، ومن خلال نقده للتصورات الأرسطية عن ديناميكا الأجسام، ديناميكا جديدة كانت جوهر القانون الأول لنيوتن عن الحركة، والمعروف بقانون القصور الذاتيThe Low of inertia. (كل جسم يبقى على حالته من السكون أو الحركة المنتظمة في خط مستقيم، إلا إذا أُجبر على تغيير تلك الحالة عن طريق قوى مؤثرة عليه) والذي يكون متضمناً في عبارة جاليليو السابقة. حيث أن الأجسام المتشاركة بتساو في الحركة، تكون حركة كل منها بالنسبة للآخر "كأنها لم تكن" ؛ أي، أن سرعة كل منهما بالنسبة للآخر تكون"صفرًا". إن ذلك يعني، وبمصطلحات حديثة، أنها تقطع مسافات متساوية في أزمنة متساوية. ومن ثم، فإنها تتحرك حركة منتظمة. وحيث إن سرعة تلك الأجسام بالنسبة لبعضها تكون صفرًا، فإن حركتها المنتظمة لن تكون كذلك، إلا إذا كانت في خط مستقيم، بالشكل الذي تكون فيه متحررة من تأثير أي قوة عليها؛ أي، في غياب المُحرك؛ (وتلك نقيضة أخرى للديناميكا الأرسطية). ومن ثم فإن الجسم المُتحرك سوف يحتفظ بسرعته في كل لحظة بنفس القيمة. وعلى العكس، فإن السرعة التي ليست صفرًا بين الجسمين تنبؤنا عن تغير سرعة الجسم المتحرك بالنسبة للزمن، والتي تُفسَّر بوصفها علامة لوجود مُحرِّك ( أو قوة بتعبير نيوتن ).
وبالإضافة إلى ذلك، فإن معالجة جاليليو لحركة الأجسام قد أدت لظهور مفهوم الأطر المرجعية الجاليلية Galilean reference frames والمعروفة أيضاً بوصفها الأطر المرجعية القصورية Inertial reference Frames؛ والتي تعني، أن الأنساق المتساوية في الرتبة تتحرك بسرعة ثابتة فيما يتعلق كل منهما بالآخر. وفى الحقيقة، فان هذه الحُزمة من الأفكار الجاليلية، لم تلعب فقط دوراً جوهرياً في بناء الميكانيكا النيوتينية، ولكنها لعبت أيضاً دورًا جوهريًا في بناء نظرية النسبية الخاصة Special Relativity التي أبدعها أينشتين Einstein (1879- 1955) في عام 1905م.
وفي الحقيقة فإن مساهمات جاليليو لم تقتصر على وضعه لأسس الديناميكا الجديدة، ولكنها تجاوزتها إلى ترسيخ معالم الرؤية الجديدة للعالم؛ تلك التي كانت متضمنة في نظرية كوبرنيكوس. فلقد أدرك جاليليو أن نظرية كوبرنيكوس تتناقض بشكل سافر مع الميكانيكا السائدة آنذاك، والمُستمدة في جوهرها من منظومة التعاليم الأرسطو بطليموسية. ومن أجل حسم الموقف، فان جاليليو قد قام بصنع التليسكوب ووجهه إلى السماء، لأول مرة في تاريخ البشرية، لعمل ملاحظات تجريبية فلكية. إن النتائج التي كان قد توصل إليها جاليليو، قد أيدت نظرية كوبرنيكوس فيما يتعلق بنموذجه عن مركزية الشمس heliocentric، حيث قرر بشكل واضح أن الشمس هي مركز العالم ومستقره تماماً، كما أن الأرض ليست مركز العالم، وليست ثابتة، ولكنها تتحرك على الدوام حركة يومية. وحينئذ ترسخت نظرية كوبرنيكوس بشكل كبير، وترسخت معها الرؤية الجديدة للعالم.
أما المساهمة الأخرى، والتي كان لها تأثيرًا قوياً على نيوتن، فقد كانت مساهمة تيكوبراهي Tycho Brahe (1546– 1601)، والذي وُلد فقط بعد وفاة كوبرنيكوس بثلاث سنوات. بالرغم من ضعفه كرياضي ونظري فإنه يعتبر بوصفه ملاحظًا رائعًا، وربما من أعظم الملاحظين في كل العصور(من الجدير بالذكر التنويه على أن تيكوبراهي كان معارضاً لمبادئ كوبرنيكوس، بسبب أنه قد اعتبرها مناقضة للفيزياء الصحيحة الثابتة آنذاك والقائمة على تصورات بطليموس. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنه رآها مناقضة للكتاب المقدس فيما يتعلق بالأرض الثابتة المستقرة. ومن ثم، فإن الفكرة الجوهرية في نسق تيكوبراهي: أن الأرض هي مركز الكون وأن الشمس تدور حولها لكن بقية الكواكب الأخرى تدور حول الشمس، وفي الحقيقة فإن التيار الجارف لنظرية كوبرنيكوس وتأييد جاليليو لها قد ابتلع أمامه كل الأفكار المتعارضة معها).
على أية حال، فإن تيكوبراهي قد تمكن، وبدون استخدام التليسكوب، ولكن باستخدام آلة والتى تعرف بالرُّبعية Quadraut، من رسم خريطة دقيقة توضح المواضع الزاوية للكواكب والنجوم بدقة تجريبية هائلة، والتي استمرت لأكثر من عشرين عاماً. وفي الحقيقة فإن أهمية الملاحظات والمعطيات الفلكية لتيكوبراهي، تكمن في كونها قد مكنت جوهانز كبلر Johannes Kepler (1571– 1630) من صياغة القوانين الأمبريقية الثلاثة المشهورة، المعروفة باسمه، والتي تتعلق بفترات دورانات الكواكب في مدراتها حول الشمس.
على أية حال فإنه لمن الأهمية بمكان التأكيد على أن تلك الملاحظات والمعطيات الفلكية لم تكن هي العناصر الأكيدة لقيام الثورة الكبرى في عقول الرجال والتي أدت إلى الصورة الجديدة للكون، ولكنها دون أدنى شك كانت أساس الثورة على تصورنا للكون، على أسس كمية وديناميكية وهي التي مكنت نيوتن من صياغة قانونه العام للجاذبية Universal Law of Gravitation.
ومن هنا، فإنه يمكن القول، أن وفرة هذه الذخائر الفكرية وتراكمها خلال مائة عام فقط قبل نيوتن، أي؛ منذ وفاة كوبرنيكوس في العام 1543وحتى ميلاد نيوتن في العام 1642، قد أدت إلى نشأة الانبثاق الكمي لقوانين الميكانيكا الثلاث عن الحركة على يد السير إسحاق نيوتنSir Isaac Newton (1642– 1727). كما أنه يمكن القول، أن عبقرية نيوتن هي التي أدت إلى ظهور العبارات العلمية الدقيقة؛ أي، قوانين الحركة، بشكل دقيق وبطريقة كمية؛ وهى التي أدت كذلك إلى وضعه لقانونه عن الجاذبية العامة عن طريق توحيده الناجح لفلك كبلر وديناميكا جاليليو، والذي يشار إليه بوصفة الإنجاز العقلي الوحيد الأعظم في جميع العصور(بالطبع فإننا لا يمكننا أن نعول كثيراً على الأسطورة الشائعة القائلة: أن السير إسحاق نيوتن كان قد توصل إلى القانون العام للجاذبية عندما كان مُستلقياً على ظهره تحت شجرة تفاح في ليلة مقمرة، ولاحظ سقوط تفاحة فوق رأسه. حيث أن روبرت هوك Robert Hook (1635– 1703) معاصر نيوتن ومواطنه قد أعلن قبل نيوتن بخمس سنوات عن مبادئ ميكانيكية تحكم حركات تلك الكواكب واقترح في سبيل ذلك قوة عامة للجاذبية)؛ حيث أن، القانون العام للجاذبية لنيوتن يمكن أن تُستخلص منه جميع نتائج الملاحظات التي تلخصها قوانين كبلر، واستخلاص قانون سقوط الأجسام عند جاليليو وكثير غيره من وقائع الملاحظة.
إنه لمن الأهمية بمكان أن نُلاحظ، أن المفهوم المحوري الذي اعتمد عليه نيوتن في تشييده لنسقه الميكانيكي والمتضمن في مجموعة قوانينه، هو مفهوم "الجسيم" النيوتيني، والذي يعتبر بوصفه نقطة مادية، والذي، مثلما يُعزى إليه جميع الخصائص الهندسية الإقليدية المعروفة لمفهوم"النقطة"، فإنه يُعزى إليه أيضاً خصائص ديناميكية وكيناتيكية مختلفة كالكتلة mass، والسرعة velocity، والتسارع acceleration، والقوة force، وطاقة الكمون potential energy (طاقة الوضع energy of position)، والطاقة الكيناتيكية Kinetic energy، (طاقة الحركة energy of motion) ( باعتبار أن الطاقة الكلية للجسم هي المجموع الجبري لهذين الجزأين) وكمية التحرك الخطيةLiner momentum، وكمية التحرك الزاوية angular momentum.
وبناء على ذلك، فإنه يمكننا القول، أن النموذج الجسيمي النيوتيني قد شكل جوهر الميكانيكا الكلاسيكية برمتها، وشكل كذلك الأساس النظري للفيزياء الكلاسيكية برمتها إلى حد بعيد. وعلى أساس هذا النموذج تمت البرهنة على كفاية الميكانيكا النيوتينية الكلاسيكية بوصف والتنبؤ بحركات ومسارات الأجسام التي تكون من الكبر بحيث يمكن رؤيتها بالعين مباشرة. إن هذا يتضمن خبراتنا في الحياة اليومية عن الأجسام الساقطة، والكرات المقذوفة أو المرتدة (ككرات البلياردو)، أو الكرات المتحركة في مسارات منحنية ( ككرة القدم، وتنس المضرب). كما أنها تتضمن أيضًا، وصف والتنبؤ بحركة الكواكب حول الشمس، وحركة القمر حول الأرض، والمسارات المنحنية للمذنبات Comets وحركة الأقمار الاصطناعية، artificial satellites.
ومن المنظور التاريخي، فإن نجاح نظرية نيوتن في فهم حركة الكواكب قد شكل تقدماً فكرياً مفاجئاً، حيث أن جزءاً رئيسياً من بحث نيوتن، والذي خصصه للحسابات التفصيلية المتعلقة بمسارات الكواكب، قد أدى إلى مجال جديد تعمل فيه الميكانيكا الكلاسيكية، فيما يعرف بالميكانيكا السماوية Celestial mechanics (في الحقيقة، فإن الانحراف عن هذه التنبؤات المتعلقة بالميكانيكا السماوية وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بالمسار المنحني لكوكب عطارد Mercury قدَّم دليلاً تجريبياً أولياً، على صحة نظرية النسبية العامة لأينشتين في عام 1916). كما أمكن تطبيق قوانين نيوتن على مجالات أخرى، مثل ميكانيكا الموائع Fluid mechanics، وهو المجال الذي يدرس حركات الموائع motions of fluids؛ أي، السوائل والغازات، والذي تستخدم فيه مفاهيم الطاقة وكمية التحرك بشكل واسع. وقد أمكن تطبيق قوانين نيوتن أيضاً، على مجالات أخرى مثل الديناميكا الحرارية Thermodynamics والميكانيكا الإحصائية Statistical mechanics.
وجملة القول فإن النجاحات الهائلة على مختلف الأصعدة للنموذج الميكانيكي النيوتيني، باعتماده مفهوم الجسيم المادي كنقطة ارتكاز، جعلت منه نموذجًا ذي مشروعية كونية. ولكن في الحقيقة فقد بدا أن بعضًا من الظواهر البصرية تتملص من الخضوع للنموذج النيوتيني الجسيمي، وهذا ما سوف نتناوله بالتفصيل في الحلقة التالية.
د. خالد أبو زهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.