لم يكن كابوسا، كنت أمسك أكبر سكين في المطبخ، وأقول لها إني حلمت أني أذبحها، وأنها يجب أن ترتدي قميص نوم أحمر من قطعتين لتكتمل الصورة تماما كما رأيتها في الحلم، ابتسمت مؤكدة أنها تتمني أن أذبحها، وأقطعها قطعا صغيرة ثم التهمها لتجري في دمي، قالتها بدلال ارتعش بعده السكين في يدي خاصة حين رأيتها تسارع إلي دولاب ملابسها، وتتعري تماما أمامي ثم ترتدي القطعتين فقط. أقبلت عليها مؤكدا أنني سوف أفعل، فسلمت عنقها بعد أن دفعتني برقة نحو السرير وتمددت واضعة رأسها فوق ركبتي، وبيديها الصغيرة دفعت يدي بالسكين الضخم نحو عنقها. طرق صغيرها باب الغرفة، فصرخت فيه أنها مشغولة الآن ونظرت إلي معتذرة عن إزعاج صغيرها. أخبرتها بالحلم في اليوم التالي، ضحكت كما لم أرها تضحك من قبل، ثم بكت، قالت انني أذبحها كل يوم بهذا البعد ، قلت إنها تطردني من حياتها بكل هذا الجنون، أعلنت التحدي وقالت عليك أن تأتي بسكينك الكبير، ولا تتراجع وسوف أكون ملك يديك كما في الحلم تماما. قالت إن كل ما تتمناه قبل ذبحها وردة حمراء تحلم أن أهديها إياها منذ أعوام ولا تحب أن تطلبها وتتمني أن أبادرها بها، قلت سأشتري وردة بيضاء وأصبغها بدمك، أزعجها ألا آتيها بما تريد تماما، انفعلت بشدة، فبينما تقبل أن أذبحها راضية، لا أقبل أن أشتري الوردة حمراء، وطلبت أن تنصرف في الحال، ببساطة قلت لها انصرفي، الأمر لا يعدو كونه خطوتان وتكونين بالخارج، فاندفعت تعانقني بهيستريا وبكاء حار. تركتها لتهدأ وسألتها عن تفسير لما حلمت به، قالت ليس حلما أنت في عمر النبوة، وعليك أن تفعل ما تؤمر به، لكن الوردة يجب أن تكون حمراء. قلت لها وأقسمت أني أحبها لكنها أقسمت أيضا أن وردة حمراء هي مطلبها الوحيد، وعند أقرب بائع للزهور، توقفت كانت وردة بلدية ندية، صعدت الأدوار الخمسة إليها راكضا، فتحت الباب، كانت ممددة وعارية تماما، رأت الوردة فأغمضت عينيها حتي غطاها ورق الوردة وتفرق بين تفاصيل جسدها. قبلة لا يوجد في هذا الصباح الصيفي ما يعكر صفو الحياة علي شاطئ البحر الرملي ..في مواجهتي تماما ولد المخرج العبقري يوسف شاهين، في الدور الأول من العمارة المواجهة لكازينو الشاطئ، كلاهما بحر ذلك الماء اللانهائي، وتلك الإسكندرية بأمواجها التي لا تهدأ، تسير إلي جواري هادئة، لا تصدق، كان كل حلمها بتواضع مثير للشفقة أن تسير إلي جانبي علي كورنيش الاسكندرية، تخلع حذاءها، وتغرق قدميها في الماء، هي تعشق السير، بينما أحب الجلوس للتأمل، استأجرنا مقعدين،جلسنا متجاورين تماما، هي تريد أن تلتصق بي تماما، لكن شخصا ظهر كعفريت يدور حولنا وكأن الشاطئ الممتد ليس إلا مقعدينا. لم يلفت نظري في البداية، لكن نظراته النهمة التي تشي برغبته في التسلل الي الهواء بيننا استفزتني حاولت تجاهله، لكنه بدا راغبا في استفزاز كل حواسي نحوه، هي شاردة في حلم يتحقق، أو تبدو كذلك. استدرت نحوه وقررت أن أنظر إليه كأنه البحر أو الإسكندرية، التي تتراص بيوتها وشوارعها خلفي، أمعنت النظر إليه، أدهشني تشابه الملامح بيننا، لكنه نحيف جدا، يتحرك بخفة وعدم اتزان غريبين، يقترب كلما لامست يدي، أو اقتربت بجسدها مني. فاجأتني بطلب أن أغمض عيني تماما وألا أصدق أنه موجود، قالت هو سراب مثل ماء في صحراء، وضعت يديها الاثنتين علي وجهي فأخفت الدنيا عني واختطفت قبلة، سارعت بدفعها، كان يضحك مغادرا الي داخل البحر. أغراها ابتعاده بالاقتراب أكثر، صارت بين يدي تماما، بدت شرسة وهي تبحث عن أزرار قميصي بينما أدفعها نحوي أكثر، التصقنا تماما لنغرق في قبلة نسمع علي اثرها صرخاته ، أفسد صوته كل شيء، صعدنا الي رصيف الكورنيش ومنه الي الشارع، سرنا بين الضحك والقلق، وبعض الحسرة وكل الشوق. وفي حديقة الشلالات كانت الأجواء أكثر خصوصية، جلست بينما وضعت قدمي علي ركبتها ممدا جسدي، داعبت شعري، لكن وجهي تجمدت ملامحه إذ ظهر ذلك الشخص مبتلا تماما واقفا عند قدمي. موت الغريبة شفافية الماء تستر الغرباء..هذا ما كانت تقوله لنفسها، وتقول لي لحظة أن يفزعنا معا حديث الموت في أوقات اليأس الكثيرة، كانت أيضا تحلم بالموت غرقا إذ يسترها الماء ولا يتكشف لها جسد علي مخلوق لم أكن أتصورها أبدا في أعماق الماء، فهي في حقيقة الأمر لا تملك "جثة" بالمعني المفهوم للكلمة، لعلها فقط مجرد تصور ذهني لفتاة ، أو امرأة، أو جنية ذلا أعرف- لا تود الولوج إلي الشارع ، وتقف علي حافته دائما..لا تجرؤ علي العيش، تقف ما بين العيش وعكسه، لم تكن يوما ميتة حتي يوم موتها، فبينما يحملون ذلك ال..تصور الضئيل لامرأة أو فتاة أو جنية أو وهم ، كنت أراها بأناقة غير معهودة- كانت مشروع أنيقة فاشلة دائما- تسير خلفهم وتضحك لأول مرة بصوت مجلجل وهي التي لم تبتسم إلا لؤما أو سخرية أو حزنا!! كانت وحدها علي الجانب الآخر من الشارع، لم ترد أن تسير مع السائرين وراءها ، لم أندهش لأنها دائما وحيدة حتي تفاجئ نفسها بالزحام، فيحدث الحريق بينها وبينها وتهرب إلي لا مكان. تعرف نفسها جيدا لذا تخاف ذلك الموت الفضائحي حيث الوحدة والأبواب المغلقة لأيام ثم تلك الرائحة التي لا يمكن تصورها، يااااااااه ..أليس أكثر رحمة من الموت فجأة في الشارع والتمدد بينما أعين الغرباء تفحص الجثة أو ما يشبهها ، ثم ذلك الحمام أو الغسل والتعري التام..و..و.. لا..مستحيل..هذا أبشع من أن يحتمل. هل كانت بذلك الخجل المجنون أم أرادت أن تخفي حقيقة ألا وجود لها؟ هل أرادت أن تسكن وحدتي لتموت بين يدي فأسترها حتي يسترها التراب وينتهي الأمر ؟ ..هل شعرت أنها فضيحة تمشي علي الأرض؟! ماتت ..قررت أنها ماتت .. وقالت لنا إنها ماتت وتوقفت عن الكلام ..أغمضت عينيها لكن أحدا لم يسمعها كأنما أوحت إلينا أن نتجه إلي حيث يمكن أن تكون مرتدية كفنا عصريا تماما يسترها من الرأس حتي أصابع القدمين لكن أحدا لم يعرف أين يمكن أن ندفنها ذلك أن للأرض مالكيوها ذ حتي أرض الموتي ذ وقفنا نصف النهار نبحث عن بقعة نواريها فيها لم يقبل هؤلاء الذين بكوا من أجلها أن تدفن في أرضهم ولم أقبل ذ وهي أيضا ذ أن تدفن في مدافن الصدقة .. ارتاحت نفوسنا جميعا حين فتحنا النعش فلم نجد سوي كفن عصري أنيق بلا جسد .