غرفة الطوارئ عند الغروب كان القائد المتقاعد حزينا. فغرفته في القلعة كانت باردة، وكذلك الغرفة التي في الناحية المقابلة من القاعة، وكذلك كل الغرف الأخري. ما كان ينبغي له أن يشتري هذه القلعة من الأساس، خاصة وأن هناك قلاعا أرخص وأدفأ معروضة للبيع. ولكن منظر هذه القلعة أعجبه، بأبراجها الحجرية المنتصبة في هواء الشتاء، وبوابتها الرئيسية، بل وبخندقها المتجمد الذي فكر أنه يوما ما سوف يتزلج عليه وما له من فتنة فضية. صبَّ لنفسه كأس براندي وأشعل سيجارا وحاول أن يركز علي أشياء أخري كانتصاراته الكثيرة وشجاعة رجاله لكن أفكاره كانت تحوم في دوائر ضيقة، فلا تكاد تستقر هنا، حتي تنتقل إلي هناك، كالريح تنتقل من مدينة خاوية إلي مدينة أخري ليست أقل خواء. أمنية وزير الثقافة تتحقق يعود وزير الثقافة إلي بيته بعد يوم قاتل في الوزارة. يستلقي علي سريره ويحاول أن يفكر في اللا شيء، فإذا ب "اللا شيء" يحدث، أو لمزيد من الدقة إذا ب "اللا شيء" لا يحدث. اللا شيء يعمل في مكان آخر، يعمل ما يعمله اللاشيء، ينشر مزيدا من العتمة. ولكن الوزير صبور، ورويدا رويدا تنسرب الأشياء، تنسرب جدران منزله، والحديقة المقابلة، وأصدقاؤه في المدينة المجاورة. يعتقد الوزير أن اللاشيء أخيرا أتي إليه، وأنه بأسلوبه الذي لا وجود له يقول له "يا عزيزي، أنت تعرف أنني طالما رغبت في إسعادك، وها أنا أتيت. بل وما أتيت، يا عزيزي، إلا لأبقي". موظف البنك في مبغي العمياوات دخل موظف البنك يختال إلي مبغي العمياوات، قال "إنني الراعي، وإنني أنفخ ناي الراعي كلَّ حين، ولكنني ضاع مني قطيعي، وأشعر الآن أنني في لحظة فارقة من حياتي" قالت امرأة "بل أري من طريقتك في الكلام أنك موظف في بنك تتظاهر أنك راعٍ لتثير شفقتنا، وإنك فعلا مثير للشفقة وقد تدنَّيتَ كثيرا لكي تخدعنا". قال موظف البنك للمرأة نفسها "وأنا أقول لك، يا عزيزتي، إنك أرملة ثرية تطلب بعض المتعة، وما أنت عمياء أصلا". قالت المرأة "وهذه الملاحظة الأخيرة تشي أنك في النهاية قد تكون راعيا حقًّا، فأي أرملة ثرية هذه التي تحترف البغاء من أجل المتعة ثم تجد نفسها في نهاية المطاف مع موظف في بنك". قال موظف البنك "أحسنت". شارع عند نهاية العالم "ألم نكن من قبل في هذا الشارع؟ أظننا كنا، وأظنهم ينقلونه كلَّ بضع سنين، لكنه يظل يرجع بغِربانه، وغصونه الميتة، وحواجزه المتهالكة، وطوابيره البشرية الخارجة للتو من الأفق الذي يرتد خاويا لحظة يتركونه. وماذا عن المدينة المسوَّرة بعصافيرها الحائمة وشمسها الغاربة، ألم نر هذا من قبل؟ وماذا عن السفينة الموشكة علي الإبحار إلي جزيرة أقواس قزح السوداء، وزهور منتصف الليل، والمرشدين السياحيين الملتحين إذ يلوِّحون لنا؟". "نعم يا عزيزي، ذلك أيضا رأيناه، فلا بد أن تمسك الآن بذراعي، وأن تغمض". أي مكان .. أي مكان لعلي أتيت من البلد العالي، أو ربما من البلد المنخفض، لا أتذكر من أيهما. لعلي أتيت من المدينة، لكن أية مدينة في أية بلد، هذا ما لا أعرفه. لعلي أتيت من ضواحٍ لم يأت منها سواي. من يدري؟ من يقطع بأنها كانت تمطر أو أن شمسها كانت ساطعة؟ ومن يتذكر؟ يقولون إن أشياء تجري علي الحدود، ولا أحد يعرف أية حدود. ويتكلمون عن فندق هناك، لا يهم إن دخلته أأحضرت حقيبتك أم نسيتها، فثمة أخري في انتظارك، وكبيرة، ولك أنت بالذات. الوصول الغامض لرسالة غير معتادة كان ذلك يوما طويلا في المكتب بعده رحلة طويلة إلي الشقة الصغيرة التي كنت أعيش فيها. ولما وصلت هناك فتحت النور ورأيت علي المنضدة مظروفا عليه اسمي. أين كانت الساعة؟ أين كانت الروزنامة؟ كان الخط لأبي، ولكنه كان قد مات منذ أربعين عاما. وكما قد يحدث، بدأت افكر أنه ربما، أعني لعله لا يزال حيا، يعيش حياة سرية في مكان ما قريب. وإلا فما تفسير المظروف؟ ولكي أهدئ من روعي، جلست، وفتحته، وتناولت الرسالة. "ولدي العزيز" كانت البداية. "ولدي العزيز" ثم لا شيء آخر. واضح في ضوء سبتمبر يقف رجل تحت شجرة، ناظرا إلي بيت صغير غير بعيد. يخفق بذراعيه كما لو كان طائرا، ربما يشير لشخص ليس بوسعنا أن نراه. لعله يصرخ، لكن بما أننا لا نسمع شيئا، فلعله لا يصرخ. الآن تبعث الريح هبة فيرتعد ورق الشجر، وينطوي العشب. يخر الرجل علي ركبتيه ويلكم الأرض بقبضتيه. يجيء كلب فيجلس بجانبه، ويقف الرجل، ومرة أخري يخفق بذراعيه. هذا الذي يفعله لا علاقة له بي. يأسه ليس يأسي. أنا رجل لا يقف تحت الشجر ناظرا إلي البيوت الصغيرة. أنا رجل ليس لديه كلب.