حتي كتابة هذا المقال لم يتثبت أحد من صحة أو من عدم صحة واقعة إلقاء القبض علي طالب و"بحوزته" رواية 1984 للكاتب جورج أورويل. بالطبع تم توظيف الخبر (الصحيح أو غير الصحيح) سياسيا من قبل أطراف معادية للنظام الحالي، وكان الخبر أيضا تكأة للمتململين (بتعبير عبد الله السناوي) للتعبير عن موقفهم المتأزم تجاه النظام الحالي. خصوصا وأن الخبر إضافة لأخبار عدة تلته يشير إلي عدم رغبة النظام في مواجهة مشاكله وبعضها أمني بحت بالطبع غير بالحلول الأمنية. صحيح أن مواجهة الإرهاب تحتاج لحل أمني قوي وبتار أيضا، غير أن مواجهة الإرهاب تعني أيضا تفكيك الشروط المواتية لانتعاشه. تفكيك شروط الإرهاب الاجتماعية وعلاج مشكلات الفقر والتباين الطبقي بين طبقات مبالغ فيما يمتلكونه وطبقات مبالغ فيما يفتقدون إليه. وتفكيك شروط الإرهاب الفكرية باتخاذ موقف صارم من التراث المؤسس له، وتبني مشروع قومي لتنقية التراث وتجديده. وتفكيك شروط الإرهاب السياسية بإعادة ترتيب السياسة وتفعيل مواد الدستور الخاصة بالحريات وبالحق في المعرفة وبالحق في التعبير، بما يشمله ذلك من تعديل قانون التظاهر واستحضار الأهداف التي قامت من أجلها ثورة يناير باعتبارها أساس الحكم الرشيد لدولة يونيه. وبتفكيك شروط الإرهاب الثقافية بإعادة اشتباك الفن مع الحياة بمشروع ثقافي وطني، وبإعادة نشاط الفن ميدان الذي توقف لأسباب أمنية أيضا، وبتوسعة فضاءات المسرح لتشمل كل الساحات في القري والمراكز، وبالتوسع في افتتاح المكتبات في المناطق التي لا تصلها جهود الثقافة، وبالسماح بعقد الندوات الأدبية وحفلات التوقيع في المقاهي. وبتفكيك شروط الإرهاب الإعلامية بالإسراع في تحويل التليفزيون المصري لهيئة مستقلة عن الحكومة (كما جاء بالدستور بالمناسبة) وبعمل ميثاق للشرف الإعلامي يدعم حرية تبادل الآراء والاختلاف حول كل شيء بداية من النظام نفسه، ويوقف مسيرة التخوين لكل مختلف والتي يقودها إعلاميون أكلوا وشربوا علي موائد كل الأنظمة. بغير كل ذلك سوف يتنامي توظيف الحالة الأمنية لتثبيت أركان النظام وسوف ينزلق النظام بإرادته أو بغير إرادته للاستبداد الذي كان أحد أسباب إرادة التغيير التي عبَر عنها المصريون في يناير وفي يونيه أيضا. وسوف يتحول خبر توقيف طالب لحيازته رواية ما إلي واقعة عابرة ضمن وقائع التضييق علي الحريات وعلي الأدب نفسه، وسوف يستمر خضوع الأدب والفن للتفسير الأمني، وهو التفسير الذي استدعي تدخل عبد الناصر شخصيا لتمرير فيلم الزوجة الثانية في ستينيات القرن الماضي، وهو الفيلم الذي جري تفسيره "أمنيا" باعتبار أن العمدة هو عبد الناصر شخصيا. لسنا مجددا في حاجة لتدخل رئاسي لتمرير فيلم، ولا لتدخل رئاسي للسماح لرواية بالتداول في عصر يمكن لأي صبي صغير أن يقوم في دقائق معدودة بتحميل كتاب أو فيلم علي جهاز الكمبيوتر أو علي جهاز الموبايل. وإلا تكون نبوءة رواية 1984 صحيحة، وإلا نكون قد انتخبنا أخا أكبر. ولنا أن نفكر في أن دولة يقودها أخ أكبر هي دولة لا تسمح فحسب بتنامي الإرهاب، ولكنها أيضا دولة تؤسس للإرهاب وتتغذي علي وجوده.