«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوقائع الغريبة وراء كتابة رواية 1984
الرواية التي قتلت جورج أورويل
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 03 - 2014

حكايات كثيرة تناثرت حول الجو العام الذي أحاط بجورج خلال كتابه تحفته الأدبية 1984، كل ما نعرفه أنه في سنة 1946 قدم الكاتب ديفيد أستور بيت المزرعة الخاص به و الواقع في منطقة نائية،علي سبيل الإستعارة للإنتهاء من تأليف روايته الجديدة التي أصبحت فيما بعد إحدي أهم روايات القرن العشرين، إلا أن روبرت مكرم لديه قصة مقنعة حول الإقامة المعذبة لأورويل علي تلك الجزيرة، ومشارفته علي الموت بسبب معاناته مع شياطين إبداعه التي تكالبت عليه في سباق محموم من أجل الإنتهاء منها في أسرع وقت ممكن.
كتب في الجارديان: "في أحد الأيام المشرقة خلال شهر إبريل، وبينما دقات الساعة تعلن الواحدة ظهرا"، تلك كانت الجملة الأولي في الرواية التي كتبها أورويل منذ ستين عاما، كانت تبدو وقتها طبيعية ومقنعة أكثر من أي وقت مضي، لكن عندما نري النسخة الأولية المكتوبة من الرواية نكتشف شيئا آخر، أنها لاتحمل نفس ذلك الرنين الواضح للكلمات، تميل أكثر نحو الهوس بإعادة الكتابة، بأحبار مختلفة بما ينم عن إضطراب غير عادي وراء تكوينها.
ربما تكون "1984" هي الرواية الحاسمة للقرن العشرين، القصة التي تبقي في الأذهان للأبد، وتظل معاصرة، بتعبيراتها الدارجة من أمثال: "الأخ الأكبر"، "الازدواجية الفكرية"، " الشعارات" وكلها وردت في الرواية ولايزال يتم تداولها حتي وقتنا الحالي في جميع أنحاء العالم، حيث ترجمت رواية"1984" إلي أكثر من 65 لغة وباعت ملايين النسخ عبر أنحاء العالم، مانحة جورج أورويل مكانة فريدة في عالم الأدب.
الأورويلية تعد الآن اختصاراً عالميا لأي شيء قمعي أو شمولي، وحكاية وينستون سميث هي قصة رجل لكل العصور، يتردد صداها لدي القراء ممن مخاوفهم حول المستقبل تختلف كثيرا عن هؤلاء الأدباء الإنجليز المنتمين لمنتصف أربعينيات القرن الماضي.
الظروف المحيطة بكتابة "1984" صنعت سردا مسكونا ساعد علي تفسير كآبة الواقع المرير لأورويل، وعلي تفسير وجود كاتب انجليزي مريض ميئوس من شفائه، يتصارع وحده مع شياطين خياله في مكان اسكتلندي معزول وكئيب، في أعقاب دمار ما بعد الحرب العالمية الثانية. فكرة "1984" هي إسقاط علي حالة" آخر رجل في أوروبا"، واصطنعها أورويل داخل عقله منذ الحرب الأهلية الأسبانية. قد يكون الشكل النهائي لروايته التي تدين بشيء للخيال البائس لفيجيني زامياتين (كاتب روسي عاش في المنفي له رواية تحمل إسم 1923 حظرتها الرقابة السوفيتية وتم تهريبها لترجمتها للغرب) قد بدأ يكتسب خلال سنة 1943-1944، في الفترة التي تبنيا هو وزوجته ابنهما الوحيد ريتشارد. أورويل نفسه زعم استلهامه جزئيا لها من إجتماع قادة الحلفاء في مؤتمر طهران سنة 1944، حينها كتب ايزاك ويتشر زميله في "الأوبزرفر" تقريرا قال فيه أن أورويل كان مقتنعا أن ستالين وتشرشل وروزفلت قد تآمروا وهم في كامل وعيهم علي تقسيم العالم.
وقد عمل أورويل لدي الأوبزرفر التي كان يمتلكها ديفيد أستور منذ سنة 1942، بدأ أولا بكتابة عروض الكتب ثم كمراسل في وقت لاحق، حيث كان رئيس تحريرها يكن إعجابا شديدا باستقامته المطلقة وأمانته، وصدقه ولباقته، وظل رئيسا له طوال الأربعينات من القرن العشرين وكان لصداقتهما أهمية بالغة في كتابة رواية 1984.
ارتباطه بالأوبزرفر كان دعما لموهبته الأدبية حيث أنجز كتابته رواية "مزرعة الحيوانات" مع اقتراب الحرب من نهايتها، كما ساهم التفاعل المثمر بين الأدب الخيالي والعمل كصحفي في "الصنداي" في تأليفه أكثر رواياته تعقيدا وقتامة، التي ظلت تداعب خياله بعد الإحتفال بتلك الحكاية الخيالية، بدا ذلك واضحا عقب الإحتفال بالحكاية الخرافية من مراجعاته للكتب المنشورة في الأوبزرفر التي ظهر من خلالها افتتانه بالعلاقة بين الأخلاق واللغة.
وظهرت إنعكاسات أخري علي أعماله بعد فترة وجيزة من تبنيه ريتشارد. كانت شقته قد جري تدميرها فأصبح جو الرعب العشوائي سمة سائدة في الحياة اليومية للندن في زمن الحرب، وهو ما كان مكملا للجو العام للرواية مما أدي لتقدمه في كتابتها، ولكن القادم كان أسوأ، ففي مارس 1945، وبينما كان في مهمة رسمية للأوبزرفر في أوروبا، تلقي نبأ وفاة زوجته " إيلين" بسبب التخدير خلال خضوعها لعملية جراحية روتينية، وفجأة وجد نفسه أرمل وعائلاً وحيداً لإبنه، يعيشان حياة رثة في مساكن إيسلنجتون، فانخرط في العمل بدأب علي رأب صدع الندم والحزن علي وفاة زوجته. في عام 1945 علي سبيل المثال كتب أكثر من مائة وعشرة آلاف كلمة لمختلف الصحف، منها 15 عرض كتب للأوبزرفر.
علي بعد سبعة أميال، عرض أستور علي أورويل قضاء عطلة به، وفي حوار نشر بالأوبزرفر الشهر الحالي قال ريتشارد بلير إبن أورويل انه يعتقد أن استور اندهش من استجابة أورويل بحماس لتلك الدعوة.
في مايو 1946 كان لايزال علي أورويل جمع شتات ما تبقي من حياته المحطمة فاستقل القطار في رحلة طويلة وشاقة إلي "جورا"، قائلا لصديقه آرثر كوستلر انه استعد كأنه يقوم بتخزين سفينة في رحلة إلي القطب الشمالي، كانت حقا رحلة محفوفة بالمخاطر، فلم يكن أورويل في صحة جيدة، وشتاء 1946-1947 كان أحد أبرد شتاءات القرن، خلال فترة ما بعد الحرب في بريطانيا والتي كانت أكثر كآبة من زمن الحرب نفسها، علاوة علي أنه كان يعاني دائما من رئة سيئة، لكنه علي الأقل سوف يبتعد عن جو
الإثارة الأدبية في لندن ، ويصبح حرا في التعامل مع الرواية الجديدة دون أي ارتباط آخر، أو علي حد تعبيره "مختنقا بالصحافة"، أو كما قال لأحد أصدقائه: " أصبحت أكثر فأكثر مثل برتقالة ممصوصة".
من المفارقات أن جزءاً من الصعوبات التي واجهت أورويل تلك الناتجة عن نجاح "مزرعة الحيوانات"، بعد سنوات من الإهمال واللامبالاة في عالم استيقظ فجأة علي عبقريته، حيث قال شاكيا لكوستنر:" انهم يتكالبون عليّ ويريدون مني إلقاء محاضرة، وتفويضي لكتابة كتيبات، والإنضمام إلي هذا وذاك،...الخ، ليس لديك فكرة كيف أشتت الجميع، وأطالب بمنحي وقتا لإعادة التفكير".
في "جورا" كان عليه التحرر من تلك الانشغالات، إلا أن الإتفاق معه علي حرية الإبداع فوق جزيرة تقع في هيريدز لم يكن بلا مقابل، كان عليه أن يدفع الثمن، فقبل عدة سنوات في مقال كتبه تحت عنوان "لماذا أكتب"، وصف المعاناة في سبيل استكمال كتاب بقوله:" تأليف كتاب شيء رهيب، يستنفد قواك، مثل نوبة مرضية مؤلمة، لايمكن للمرء تحمل ذلك الشيء، إذا لم يكن مدفوعا من شيطان غير قادر علي مقاومته أو حتي فهمه، وليعرف الجميع أن ذلك الشيطان ما هو إلا نفس الغريزة التي تدفع الطفل للصراخ لجذب الإنتباه، ومع ذلك الحقيقة أن المرء لا يمكنه كتابة شيء قابل للقراءة مالم يناضل باستمرار لطمس شخصيته".
بداية من ربيع 1947 حتي وفاته سنة 1950 كان علي أورويل إعادة تصوير جميع جوانب ذلك الصراع بأشد الطرق التي يمكن تخيلها إيلاما، خاصة، ربما، يكون قد أدرك التداخل بين النظرية والممارسة، فكان ينجح دائما في إيلام نفسه عند الشدائد.
في البداية، بعد، شتاء لايطاق، مستمتعا بالعزلة وجمال الطبيعة في جورا كتب لوكيله الأدبي: "أعاني مع ذلك الكتاب، الذي قد انتهي منه بحلول نهاية العام، علي أيه حال سوف يقصم ظهري خلال ذلك الوقت، طالما أحافظ علي صحتي، وأقاطع العمل الصحفي حتي الخريف".
تطل بارفيل علي البحر عبر ممر مليء بالحفر، وهي ليست متسعة، تحتوي أربع غرف نوم صغيرة فوق مطبخ كبير، الحياة هناك بسيطة وتكاد تكون بدائية، مع عدم وجود كهرباء كان اورويل يستخدم موقد غاز للطهي وتسخين الماء، ومصابيح مزودة بشمع البرافين، ووقود آخر للإضاءة في المساء، كان لايزال مدخنا بشراهة للسجائر الملفوفة يدويا، الضباب يخترق المنزل مما يشعر بالراحة، إلا أنه غير صحي، وهناك جهاز راديو ببطارية هو الصلة الوحيدة بالعالم الخارجي.
أورويل هو شخص دمث وديع، من ذلك النوع الساذج من الناس، كل ما اصطحبه معه سرير مخيمات، ومائدة، وكرسيان، وقليل من الأواني والمقلايات، كان وجوده في حد ذاته شيئاً مختلفاً إلا أنه وفر الظروف التي يحب العمل بها، يذكره الناس مثل شبح في ضباب، وشخص ذو معطف من المشمع.
يعرفه السكان المحليون بإسمه الحقيقي" إيريك بلير"، ويصفونه بأنه طويل القامة، شديد الشحوب، يشعرك بالقلق من عدم قدرته الاعتماد علي نفسه، وكان الحل، حين انضم اليه الطفل ريتشارد ومربيته، أن تلحق به أخته "إفريل" لرعايته، يتذكر ريتشارد بلير أن والده لم يكن ليفعل شيئا لولا إفريل، فقد كانت طاهية ماهرة، عملية جداً، بذلت قصاري جهدها للعمل علي راحته.
وبمجرد استقرار الأمور شرع أورويل في الكتابة، وقرب نهاية شهر مايو 1947 قال لناشره فريد واربورج:" أعتقد أنني انتهيت مما يقرب من ثلث مسودة الكتاب، وهو ليس القدر الذي كنت آمله بحلول ذلك الوقت، نظرا لحالتي الصحية البائسة منذ يناير "صدري كالعادة" انني لم أتخلص من ذلك تماما".
واضعا في اعتباره نفاد صبر الناشر في الحصول علي رواية جديدة، أضاف: "المسودة بالطبع دائما ما تكون في حالة من الفوضي المروعة، مما يكون له علاقة بالنتيجة النهائية"، وتوقع الإنتهاء من مسودة كاملة بحلول أكتوبر، بعد ذلك، قال إنه يحتاج لستة أشهر جديدة لتنقيحها كي تصبح صالحة للنشر، لكن في حالتها الحالية، تصبح كارثة.
جزء من متعة الحياة في جورا، كان يكمن في إتاحة الفرصة لأورويل للاستمتاع بالمرح مع ابنه الصغير في الهواء الطلق، واصطحابه للصيد، واستكشاف الجزيرة، والتسكع بالسير متعرجا بين القوارب في شهر أغسطس خلال فترة الطقس الصيفي الجميل، أورويل، وإفريل، وريتشارد وبعض الأصدقاء. لكن في إحدي المرات كانوا عائدين من رحلة ساحلية في قارب صغير بموتور، وكادوا يلاقون حتفهم غرقا داخل دوامة مشئومة. يتذكر ريتشارد بلير أن الجو كان شديد البرودة وسط المياه شبه المتجمدة، بينما انتابت أورويل نوبة من السعال المستمر لم تحتملها رئتاه، مما أشعر أصدقاءه بالقلق، وخلال شهرين كان قد تمكن منه المرض، وذهبت تقديراته لأستور بخصوص موعد تسليمه الكتاب أدراج الرياح، فتهرب منه، مع ردود مقتضبة، وصلت لحد اللامبالاة، مع استمرار الصراع الطويل للانتهاء من الرواية التي سمّاها بشكل مؤقت "آخر رجل في أوروبا"، وفي أواخر أكتوبر 1947 ومع تدهور صحته أدرك أورويل أن روايته لازالت: "في حالة من الفوضي العارمة، وحوالي ثلثيها يحتاج لإعادة صياغة بالكامل". كان وقتها يعمل بوتيرة محمومة، ولا يزال زواره حتي الآن يستدعون سماع دقات آلته الكاتبة منبعثا من حجرة نومه بالدور العلوي. خلال الفترة من إبريل إلي نوفمبر زاد تدهور حالته إلي أن وصلت إلي حد الانهيار بإصابته بالإلتهاب الرئوي مما استدعي ملازمته الفراش، وقبل الكريسماس مباشرة، وفي خطاب أرسله لي زميله في "الأوبزرفر"، زف اليه خبرا لعينا، بتشخيص إصابته بالدرن، وبعد بضعة أيام كتب لأستور من مستشفي هير ماير بمقاطعة لانكشير معترفاً بالمرض القاتل الذي أصيب به خلال حادث الدوامة قائلا: " قررت كالأحمق ألا أذهب للطبيب، كنت أرغب في الاستمرار في الكتابة".
لم يكن هناك علاج للدرن في عام 1947، سوي توصية الأطباء بالتعرض للهواء النقي والالتزام بنظام غذائي معين، إلي أن ظهر دواء تجريبي في الأسواق يدعي الستربتومايسين، وعلي الفور أتم أستور إجراءات شحنه من أمريكا إلي مقر إقامة أورويل. ويعتقد ريتشارد بلير أن والده قد تعاطي جرعة زائدة من الدواء الجديد الأعجوبة، لذا كانت آثاره الجانبية مروعة، قرحة في الحلق، بثور في الفم، سقوط الشعر، تقشير الجلد، وتفكك أوصال القدمين واليدين، لكن في مارس 1948 وبعد ثلاثة شهور من العلاج المكثف اختفت أعراض الدرن، وكان أورويل قد بعث لناشره قائلا: "انه في كل مكان الآن، فمن الواضح أن مفعول الدواء لم يجد نفعاً. الأمر يشبه إغراق سفينة للتخلص من الفئران، لكن قد يستحق الأمر كل هذا العناء".
وبينما كان يستعد لمغادرة المستشفي تلقي أورويل رسالة من ناشره، كانت بمثابة آخر مسمار في النعش، كتب فيها الناشر:" هناك شيء بالغ الأهمية، موعد الإنتهاء من الرواية من وجهة نظرك الأدبية الصرفة، يختلف عن الواقع الذي يستدعي التبكير إن أمكن". كان كل ما يحتاجه هو فترة نقاهة، إلا أنه عاد إلي بارنهيل مستغرقا في تنقيح مسودته واعدا رابورج بتسليمها في أوائل ديسمبر، وأنه سيضطر للتعامل مع "طقس قذر" خلال خريف جورا، وفي بداية أكتوبر تعهد لأستور قائلا: "لقد اعتدت الكتابة في الفراش، وأعتقد أنني أصبحت أفضلها، بالرغم من أن الدق علي الآلة الكاتبة في الفراش يبدو غير ملائم، إلا أنني أتقدم بصعوبة في تلك المرحلة الأخيرة مع ذلك الكتاب اللعين الذي يدور حول أمور محتملة إذا لم تكن الحرب النووية قاطعة"، وكانت تلك الجملة واحدة من أندر ملاحظات أورويل حول رواية لم ينته من كتابتها، حيث يعتقد مثل كثير من الأدباء أن مناقشة عمل أدبي أثناء كتابته يجلب سوء الحظ، وفي وقت لاحق، ولأجل خاطر أنتوني باول وصف الرواية بأنها" يوتوبيا مكتوبة علي شكل رواية".
بعدها أصبح تنقيح نسخة منصفة لرواية "آخر رجل في أوروبا" له بُعد آخر في معركة أورويل للانتهاء من كتابه، وكلما زاد في تنقيح النسخة "السيئة بشكل لا يصدق" أصبحت الوثيقة الوحيدة التي يمكن قراءتها وتفسيرها، كانت كما قال لوكيله: "مفرطة في الطول، بلغت 125 ألف كلمة"، وبصراحة منقطعة النظير فقد قال :"لم أكن راضيا عن الكتاب، إلا أنني لم أكن غاية في الإستياء منه. أعتقد أن فكرته جيدة، لكن تنفيذها كان يمكن أن يصبح أفضل لو لم أكتبه تحت وطأة إصابتي بالدرن".
وصلت النسخة المنقحة كما وعد ناشره واربورج في منتصف ديسمبر، الذي وصفها بأكثر الكتب التي قرأها في حياته رعباً، وأضاف: "إذا لم يتمكن من بيع بين 15 وعشرين الف نسخة علينا إطلاق النار علي أنفسنا"، وبحلول الربيع عادت صحة أورويل إلي التدهور وأصبح هناك دم في البصاق، وبالرغم من شعوره بالألم المروع معظم الوقت إلا أنه كان قادرا علي إقحام نفسه داخل طقوس ما قبل نشر الرواية، وحتي السخرية من مرضه مقترحا علي ناشره أن في إمكانه استبدال النبذة المكتوبة عنه علي ظهر الكتاب بكتابة نعيه.
تم نشر الكتاب في يونيو 1949 وبعدها بخمسة أيام في أمريكا، حتي أن تشرشل صرح لطبيبه أنه أعاد قراءتها مرتين، وبالرغم من تدهور صحه أورويل إلا أنه تزوج من سونيا برونويل في أكتوبر 1949 بغرفته بالمستشفي الجامعي، وكان أستور أشبينه، في لحظة عابرة من السعادة، وفي 21 يناير توفي وحيدا بالمستشفي اثر إصابته بنزيف حاد، وعلمت شقيقته إفريل و إبنه خبر وفاته من الراديو المزود ببطارية والموجود في بارنهيل حيث كانا لايزالان هناك. في غضون ذلك ارتفع دخل " استور" وأصبح لأسرته عقار في جزيرة اسكتلندية نائية "جورا" بالإضافة لمنزل آخر يقع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.