النشرة الصباحية من «المصري اليوم».. أيرلندا تعتزم الاعتراف بفلسطين.. وإطلاله زوجة محمد صلاح    أسعار اللحوم اليوم الأربعاء 22 مايو 2024 بعد الارتفاع.. كم سجل كيلو اللحمة في مصر؟    بالصور.. معايشة «البوابة نيوز» في حصاد اللؤلؤ الذهبي.. 500 فدان بقرية العمار الكبرى بالقليوبية يتلألأون بثمار المشمش    خفض الفائدة الرئيسية في المجر نصف نقطة مئوية    «سهم» مقابل شقة.. وكيل إسكان النواب يعلق على مبادرة تأجير الوحدات السكنية    نتنياهو: لا نخطط لبناء مستوطنات إسرائيلية في غزة    «ما فعلته مع دونجا واجب يمليه الضمير والإنسانية».. أول رد من ياسين البحيري على رسالة الزمالك    مفتي الجمهورية: 3 عوامل تساعد على التزام الناس بتنفيذ القانون    سيارة انفينيتي Infiniti QX55.. الفخامة الأوروبية والتقنية اليابانية    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    إبراهيم عيسى: التفكير العربي في حل القضية الفلسطينية منهج "فاشل"    سفير تركيا بالقاهرة: مصر صاحبة تاريخ وحضارة وندعم موقفها في غزة    «هساعد ولو بحاجه بسيطة».. آخر حوار للطفلة جنى مع والدها قبل غرقها في النيل    رابط نتائج السادس الابتدائى 2024 دور أول العراق    اليوم.. ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بحضور إلهام شاهين وفتحي عبد الوهاب    أترك مصيري لحكم القضاء.. أول تعليق من عباس أبو الحسن على اصطدام سيارته بسيدتين    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    تحرك برلماني بشأن حادث معدية أبو غالب: لن نصمت على الأخطاء    تصل إلى 50%، تخفيضات على سعر تكييف صحراوي وقائمة كاملة بأحدث أسعار التكييفات    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    ضميري يحتم عليّ الاعتناء بهما.. أول تعليق من عباس أبو الحسن بعد حادث دهسه سيدتين    «أعسل من العسل».. ويزو برفقة محمد إمام من كواليس فيلم «اللعب مع العيال»    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    جوميز: لاعبو الزمالك الأفضل في العالم    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    السفير محمد حجازي: «نتنياهو» أحرج بايدن وأمريكا تعرف هدفه من اقتحام رفح الفلسطينية    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    أهالي سنتريس يحتشدون لتشييع جثامين 5 من ضحايا معدية أبو غالب    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    روسيا: إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية فوق بيلجورود    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    نائب روماني يعض زميله في أنفه تحت قبة البرلمان، وهذه العقوبة الموقعة عليه (فيديو)    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    «الثقافة» تعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة لعام 2024    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    حلمي طولان: حسين لبيب عليه أن يتولى الإشراف بمفرده على الكرة في الزمالك.. والفريق في حاجة لصفقات قوية    اجتماع الخطيب مع جمال علام من أجل الاتفاق على تنظيم الأهلي لنهائي إفريقيا    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    دعاء في جوف الليل: اللهم ألبسنا ثوب الطهر والعافية والقناعة والسرور    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    شارك صحافة من وإلى المواطن    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوقائع الغريبة وراء كتابة رواية 1984
الرواية التي قتلت جورج أورويل
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 03 - 2014

حكايات كثيرة تناثرت حول الجو العام الذي أحاط بجورج خلال كتابه تحفته الأدبية 1984، كل ما نعرفه أنه في سنة 1946 قدم الكاتب ديفيد أستور بيت المزرعة الخاص به و الواقع في منطقة نائية،علي سبيل الإستعارة للإنتهاء من تأليف روايته الجديدة التي أصبحت فيما بعد إحدي أهم روايات القرن العشرين، إلا أن روبرت مكرم لديه قصة مقنعة حول الإقامة المعذبة لأورويل علي تلك الجزيرة، ومشارفته علي الموت بسبب معاناته مع شياطين إبداعه التي تكالبت عليه في سباق محموم من أجل الإنتهاء منها في أسرع وقت ممكن.
كتب في الجارديان: "في أحد الأيام المشرقة خلال شهر إبريل، وبينما دقات الساعة تعلن الواحدة ظهرا"، تلك كانت الجملة الأولي في الرواية التي كتبها أورويل منذ ستين عاما، كانت تبدو وقتها طبيعية ومقنعة أكثر من أي وقت مضي، لكن عندما نري النسخة الأولية المكتوبة من الرواية نكتشف شيئا آخر، أنها لاتحمل نفس ذلك الرنين الواضح للكلمات، تميل أكثر نحو الهوس بإعادة الكتابة، بأحبار مختلفة بما ينم عن إضطراب غير عادي وراء تكوينها.
ربما تكون "1984" هي الرواية الحاسمة للقرن العشرين، القصة التي تبقي في الأذهان للأبد، وتظل معاصرة، بتعبيراتها الدارجة من أمثال: "الأخ الأكبر"، "الازدواجية الفكرية"، " الشعارات" وكلها وردت في الرواية ولايزال يتم تداولها حتي وقتنا الحالي في جميع أنحاء العالم، حيث ترجمت رواية"1984" إلي أكثر من 65 لغة وباعت ملايين النسخ عبر أنحاء العالم، مانحة جورج أورويل مكانة فريدة في عالم الأدب.
الأورويلية تعد الآن اختصاراً عالميا لأي شيء قمعي أو شمولي، وحكاية وينستون سميث هي قصة رجل لكل العصور، يتردد صداها لدي القراء ممن مخاوفهم حول المستقبل تختلف كثيرا عن هؤلاء الأدباء الإنجليز المنتمين لمنتصف أربعينيات القرن الماضي.
الظروف المحيطة بكتابة "1984" صنعت سردا مسكونا ساعد علي تفسير كآبة الواقع المرير لأورويل، وعلي تفسير وجود كاتب انجليزي مريض ميئوس من شفائه، يتصارع وحده مع شياطين خياله في مكان اسكتلندي معزول وكئيب، في أعقاب دمار ما بعد الحرب العالمية الثانية. فكرة "1984" هي إسقاط علي حالة" آخر رجل في أوروبا"، واصطنعها أورويل داخل عقله منذ الحرب الأهلية الأسبانية. قد يكون الشكل النهائي لروايته التي تدين بشيء للخيال البائس لفيجيني زامياتين (كاتب روسي عاش في المنفي له رواية تحمل إسم 1923 حظرتها الرقابة السوفيتية وتم تهريبها لترجمتها للغرب) قد بدأ يكتسب خلال سنة 1943-1944، في الفترة التي تبنيا هو وزوجته ابنهما الوحيد ريتشارد. أورويل نفسه زعم استلهامه جزئيا لها من إجتماع قادة الحلفاء في مؤتمر طهران سنة 1944، حينها كتب ايزاك ويتشر زميله في "الأوبزرفر" تقريرا قال فيه أن أورويل كان مقتنعا أن ستالين وتشرشل وروزفلت قد تآمروا وهم في كامل وعيهم علي تقسيم العالم.
وقد عمل أورويل لدي الأوبزرفر التي كان يمتلكها ديفيد أستور منذ سنة 1942، بدأ أولا بكتابة عروض الكتب ثم كمراسل في وقت لاحق، حيث كان رئيس تحريرها يكن إعجابا شديدا باستقامته المطلقة وأمانته، وصدقه ولباقته، وظل رئيسا له طوال الأربعينات من القرن العشرين وكان لصداقتهما أهمية بالغة في كتابة رواية 1984.
ارتباطه بالأوبزرفر كان دعما لموهبته الأدبية حيث أنجز كتابته رواية "مزرعة الحيوانات" مع اقتراب الحرب من نهايتها، كما ساهم التفاعل المثمر بين الأدب الخيالي والعمل كصحفي في "الصنداي" في تأليفه أكثر رواياته تعقيدا وقتامة، التي ظلت تداعب خياله بعد الإحتفال بتلك الحكاية الخيالية، بدا ذلك واضحا عقب الإحتفال بالحكاية الخرافية من مراجعاته للكتب المنشورة في الأوبزرفر التي ظهر من خلالها افتتانه بالعلاقة بين الأخلاق واللغة.
وظهرت إنعكاسات أخري علي أعماله بعد فترة وجيزة من تبنيه ريتشارد. كانت شقته قد جري تدميرها فأصبح جو الرعب العشوائي سمة سائدة في الحياة اليومية للندن في زمن الحرب، وهو ما كان مكملا للجو العام للرواية مما أدي لتقدمه في كتابتها، ولكن القادم كان أسوأ، ففي مارس 1945، وبينما كان في مهمة رسمية للأوبزرفر في أوروبا، تلقي نبأ وفاة زوجته " إيلين" بسبب التخدير خلال خضوعها لعملية جراحية روتينية، وفجأة وجد نفسه أرمل وعائلاً وحيداً لإبنه، يعيشان حياة رثة في مساكن إيسلنجتون، فانخرط في العمل بدأب علي رأب صدع الندم والحزن علي وفاة زوجته. في عام 1945 علي سبيل المثال كتب أكثر من مائة وعشرة آلاف كلمة لمختلف الصحف، منها 15 عرض كتب للأوبزرفر.
علي بعد سبعة أميال، عرض أستور علي أورويل قضاء عطلة به، وفي حوار نشر بالأوبزرفر الشهر الحالي قال ريتشارد بلير إبن أورويل انه يعتقد أن استور اندهش من استجابة أورويل بحماس لتلك الدعوة.
في مايو 1946 كان لايزال علي أورويل جمع شتات ما تبقي من حياته المحطمة فاستقل القطار في رحلة طويلة وشاقة إلي "جورا"، قائلا لصديقه آرثر كوستلر انه استعد كأنه يقوم بتخزين سفينة في رحلة إلي القطب الشمالي، كانت حقا رحلة محفوفة بالمخاطر، فلم يكن أورويل في صحة جيدة، وشتاء 1946-1947 كان أحد أبرد شتاءات القرن، خلال فترة ما بعد الحرب في بريطانيا والتي كانت أكثر كآبة من زمن الحرب نفسها، علاوة علي أنه كان يعاني دائما من رئة سيئة، لكنه علي الأقل سوف يبتعد عن جو
الإثارة الأدبية في لندن ، ويصبح حرا في التعامل مع الرواية الجديدة دون أي ارتباط آخر، أو علي حد تعبيره "مختنقا بالصحافة"، أو كما قال لأحد أصدقائه: " أصبحت أكثر فأكثر مثل برتقالة ممصوصة".
من المفارقات أن جزءاً من الصعوبات التي واجهت أورويل تلك الناتجة عن نجاح "مزرعة الحيوانات"، بعد سنوات من الإهمال واللامبالاة في عالم استيقظ فجأة علي عبقريته، حيث قال شاكيا لكوستنر:" انهم يتكالبون عليّ ويريدون مني إلقاء محاضرة، وتفويضي لكتابة كتيبات، والإنضمام إلي هذا وذاك،...الخ، ليس لديك فكرة كيف أشتت الجميع، وأطالب بمنحي وقتا لإعادة التفكير".
في "جورا" كان عليه التحرر من تلك الانشغالات، إلا أن الإتفاق معه علي حرية الإبداع فوق جزيرة تقع في هيريدز لم يكن بلا مقابل، كان عليه أن يدفع الثمن، فقبل عدة سنوات في مقال كتبه تحت عنوان "لماذا أكتب"، وصف المعاناة في سبيل استكمال كتاب بقوله:" تأليف كتاب شيء رهيب، يستنفد قواك، مثل نوبة مرضية مؤلمة، لايمكن للمرء تحمل ذلك الشيء، إذا لم يكن مدفوعا من شيطان غير قادر علي مقاومته أو حتي فهمه، وليعرف الجميع أن ذلك الشيطان ما هو إلا نفس الغريزة التي تدفع الطفل للصراخ لجذب الإنتباه، ومع ذلك الحقيقة أن المرء لا يمكنه كتابة شيء قابل للقراءة مالم يناضل باستمرار لطمس شخصيته".
بداية من ربيع 1947 حتي وفاته سنة 1950 كان علي أورويل إعادة تصوير جميع جوانب ذلك الصراع بأشد الطرق التي يمكن تخيلها إيلاما، خاصة، ربما، يكون قد أدرك التداخل بين النظرية والممارسة، فكان ينجح دائما في إيلام نفسه عند الشدائد.
في البداية، بعد، شتاء لايطاق، مستمتعا بالعزلة وجمال الطبيعة في جورا كتب لوكيله الأدبي: "أعاني مع ذلك الكتاب، الذي قد انتهي منه بحلول نهاية العام، علي أيه حال سوف يقصم ظهري خلال ذلك الوقت، طالما أحافظ علي صحتي، وأقاطع العمل الصحفي حتي الخريف".
تطل بارفيل علي البحر عبر ممر مليء بالحفر، وهي ليست متسعة، تحتوي أربع غرف نوم صغيرة فوق مطبخ كبير، الحياة هناك بسيطة وتكاد تكون بدائية، مع عدم وجود كهرباء كان اورويل يستخدم موقد غاز للطهي وتسخين الماء، ومصابيح مزودة بشمع البرافين، ووقود آخر للإضاءة في المساء، كان لايزال مدخنا بشراهة للسجائر الملفوفة يدويا، الضباب يخترق المنزل مما يشعر بالراحة، إلا أنه غير صحي، وهناك جهاز راديو ببطارية هو الصلة الوحيدة بالعالم الخارجي.
أورويل هو شخص دمث وديع، من ذلك النوع الساذج من الناس، كل ما اصطحبه معه سرير مخيمات، ومائدة، وكرسيان، وقليل من الأواني والمقلايات، كان وجوده في حد ذاته شيئاً مختلفاً إلا أنه وفر الظروف التي يحب العمل بها، يذكره الناس مثل شبح في ضباب، وشخص ذو معطف من المشمع.
يعرفه السكان المحليون بإسمه الحقيقي" إيريك بلير"، ويصفونه بأنه طويل القامة، شديد الشحوب، يشعرك بالقلق من عدم قدرته الاعتماد علي نفسه، وكان الحل، حين انضم اليه الطفل ريتشارد ومربيته، أن تلحق به أخته "إفريل" لرعايته، يتذكر ريتشارد بلير أن والده لم يكن ليفعل شيئا لولا إفريل، فقد كانت طاهية ماهرة، عملية جداً، بذلت قصاري جهدها للعمل علي راحته.
وبمجرد استقرار الأمور شرع أورويل في الكتابة، وقرب نهاية شهر مايو 1947 قال لناشره فريد واربورج:" أعتقد أنني انتهيت مما يقرب من ثلث مسودة الكتاب، وهو ليس القدر الذي كنت آمله بحلول ذلك الوقت، نظرا لحالتي الصحية البائسة منذ يناير "صدري كالعادة" انني لم أتخلص من ذلك تماما".
واضعا في اعتباره نفاد صبر الناشر في الحصول علي رواية جديدة، أضاف: "المسودة بالطبع دائما ما تكون في حالة من الفوضي المروعة، مما يكون له علاقة بالنتيجة النهائية"، وتوقع الإنتهاء من مسودة كاملة بحلول أكتوبر، بعد ذلك، قال إنه يحتاج لستة أشهر جديدة لتنقيحها كي تصبح صالحة للنشر، لكن في حالتها الحالية، تصبح كارثة.
جزء من متعة الحياة في جورا، كان يكمن في إتاحة الفرصة لأورويل للاستمتاع بالمرح مع ابنه الصغير في الهواء الطلق، واصطحابه للصيد، واستكشاف الجزيرة، والتسكع بالسير متعرجا بين القوارب في شهر أغسطس خلال فترة الطقس الصيفي الجميل، أورويل، وإفريل، وريتشارد وبعض الأصدقاء. لكن في إحدي المرات كانوا عائدين من رحلة ساحلية في قارب صغير بموتور، وكادوا يلاقون حتفهم غرقا داخل دوامة مشئومة. يتذكر ريتشارد بلير أن الجو كان شديد البرودة وسط المياه شبه المتجمدة، بينما انتابت أورويل نوبة من السعال المستمر لم تحتملها رئتاه، مما أشعر أصدقاءه بالقلق، وخلال شهرين كان قد تمكن منه المرض، وذهبت تقديراته لأستور بخصوص موعد تسليمه الكتاب أدراج الرياح، فتهرب منه، مع ردود مقتضبة، وصلت لحد اللامبالاة، مع استمرار الصراع الطويل للانتهاء من الرواية التي سمّاها بشكل مؤقت "آخر رجل في أوروبا"، وفي أواخر أكتوبر 1947 ومع تدهور صحته أدرك أورويل أن روايته لازالت: "في حالة من الفوضي العارمة، وحوالي ثلثيها يحتاج لإعادة صياغة بالكامل". كان وقتها يعمل بوتيرة محمومة، ولا يزال زواره حتي الآن يستدعون سماع دقات آلته الكاتبة منبعثا من حجرة نومه بالدور العلوي. خلال الفترة من إبريل إلي نوفمبر زاد تدهور حالته إلي أن وصلت إلي حد الانهيار بإصابته بالإلتهاب الرئوي مما استدعي ملازمته الفراش، وقبل الكريسماس مباشرة، وفي خطاب أرسله لي زميله في "الأوبزرفر"، زف اليه خبرا لعينا، بتشخيص إصابته بالدرن، وبعد بضعة أيام كتب لأستور من مستشفي هير ماير بمقاطعة لانكشير معترفاً بالمرض القاتل الذي أصيب به خلال حادث الدوامة قائلا: " قررت كالأحمق ألا أذهب للطبيب، كنت أرغب في الاستمرار في الكتابة".
لم يكن هناك علاج للدرن في عام 1947، سوي توصية الأطباء بالتعرض للهواء النقي والالتزام بنظام غذائي معين، إلي أن ظهر دواء تجريبي في الأسواق يدعي الستربتومايسين، وعلي الفور أتم أستور إجراءات شحنه من أمريكا إلي مقر إقامة أورويل. ويعتقد ريتشارد بلير أن والده قد تعاطي جرعة زائدة من الدواء الجديد الأعجوبة، لذا كانت آثاره الجانبية مروعة، قرحة في الحلق، بثور في الفم، سقوط الشعر، تقشير الجلد، وتفكك أوصال القدمين واليدين، لكن في مارس 1948 وبعد ثلاثة شهور من العلاج المكثف اختفت أعراض الدرن، وكان أورويل قد بعث لناشره قائلا: "انه في كل مكان الآن، فمن الواضح أن مفعول الدواء لم يجد نفعاً. الأمر يشبه إغراق سفينة للتخلص من الفئران، لكن قد يستحق الأمر كل هذا العناء".
وبينما كان يستعد لمغادرة المستشفي تلقي أورويل رسالة من ناشره، كانت بمثابة آخر مسمار في النعش، كتب فيها الناشر:" هناك شيء بالغ الأهمية، موعد الإنتهاء من الرواية من وجهة نظرك الأدبية الصرفة، يختلف عن الواقع الذي يستدعي التبكير إن أمكن". كان كل ما يحتاجه هو فترة نقاهة، إلا أنه عاد إلي بارنهيل مستغرقا في تنقيح مسودته واعدا رابورج بتسليمها في أوائل ديسمبر، وأنه سيضطر للتعامل مع "طقس قذر" خلال خريف جورا، وفي بداية أكتوبر تعهد لأستور قائلا: "لقد اعتدت الكتابة في الفراش، وأعتقد أنني أصبحت أفضلها، بالرغم من أن الدق علي الآلة الكاتبة في الفراش يبدو غير ملائم، إلا أنني أتقدم بصعوبة في تلك المرحلة الأخيرة مع ذلك الكتاب اللعين الذي يدور حول أمور محتملة إذا لم تكن الحرب النووية قاطعة"، وكانت تلك الجملة واحدة من أندر ملاحظات أورويل حول رواية لم ينته من كتابتها، حيث يعتقد مثل كثير من الأدباء أن مناقشة عمل أدبي أثناء كتابته يجلب سوء الحظ، وفي وقت لاحق، ولأجل خاطر أنتوني باول وصف الرواية بأنها" يوتوبيا مكتوبة علي شكل رواية".
بعدها أصبح تنقيح نسخة منصفة لرواية "آخر رجل في أوروبا" له بُعد آخر في معركة أورويل للانتهاء من كتابه، وكلما زاد في تنقيح النسخة "السيئة بشكل لا يصدق" أصبحت الوثيقة الوحيدة التي يمكن قراءتها وتفسيرها، كانت كما قال لوكيله: "مفرطة في الطول، بلغت 125 ألف كلمة"، وبصراحة منقطعة النظير فقد قال :"لم أكن راضيا عن الكتاب، إلا أنني لم أكن غاية في الإستياء منه. أعتقد أن فكرته جيدة، لكن تنفيذها كان يمكن أن يصبح أفضل لو لم أكتبه تحت وطأة إصابتي بالدرن".
وصلت النسخة المنقحة كما وعد ناشره واربورج في منتصف ديسمبر، الذي وصفها بأكثر الكتب التي قرأها في حياته رعباً، وأضاف: "إذا لم يتمكن من بيع بين 15 وعشرين الف نسخة علينا إطلاق النار علي أنفسنا"، وبحلول الربيع عادت صحة أورويل إلي التدهور وأصبح هناك دم في البصاق، وبالرغم من شعوره بالألم المروع معظم الوقت إلا أنه كان قادرا علي إقحام نفسه داخل طقوس ما قبل نشر الرواية، وحتي السخرية من مرضه مقترحا علي ناشره أن في إمكانه استبدال النبذة المكتوبة عنه علي ظهر الكتاب بكتابة نعيه.
تم نشر الكتاب في يونيو 1949 وبعدها بخمسة أيام في أمريكا، حتي أن تشرشل صرح لطبيبه أنه أعاد قراءتها مرتين، وبالرغم من تدهور صحه أورويل إلا أنه تزوج من سونيا برونويل في أكتوبر 1949 بغرفته بالمستشفي الجامعي، وكان أستور أشبينه، في لحظة عابرة من السعادة، وفي 21 يناير توفي وحيدا بالمستشفي اثر إصابته بنزيف حاد، وعلمت شقيقته إفريل و إبنه خبر وفاته من الراديو المزود ببطارية والموجود في بارنهيل حيث كانا لايزالان هناك. في غضون ذلك ارتفع دخل " استور" وأصبح لأسرته عقار في جزيرة اسكتلندية نائية "جورا" بالإضافة لمنزل آخر يقع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.