ثلاثة شعراء إثنان منهما من نفس الجيل ( إبراهيم السيد وهرمس أو محمد مجدي) أما الثالث فهو إبراهيم البجلاتي . الثلاثة أصدروا أعمالاً جديدة هذا العام . صدر لهرمس " كلاشنكوفي الحبيب ". صدر لإبراهيم السيد " أحد عشر كلباً " وللبجلاتي " أنا في عزلته ". كل منهم يمثل كينونة شعرية مختلفة تماماً عن الآخر . لماذا أكتب عنهم مجتمعين؟ ربما حفزني هذا الاختلاف بينهم مضافاً إلي إشكاليتهم مع اللغة أكثر مما يجمعهم فالثلاثة أطباء . البجلاتي طبيب لأمراض الكلي . إبراهيم السيد طبيب نفسي وهرمس طبيب ينوي التخصص في الطب النفسي . كتاب " أحد عشر كلباً " قد يخيّب أملك حين لا تجد في المتن ما يوحي به العنوان " العنيف " وتساءل نفسك : ولماذا افترضتَ عنفاً ما من عنوان كهذا ؟ ثم تتكشف ميزته وميزة كتابة إبراهيم السيد في نصوص سابقة أيضاً . وأنت تقرأ يمكنك تقريباً مشاهدة ما يكتبه . أكاد أري المشاهد في توصيف تقريري هادئ.. أقوي النصوص " خطأ مطبعي " بتجريب ذكي . لكنها لغة تريد أن تنسي اللغة وهي تُعمّدها بتفاصيل مشهدية تحدد أزمنة بأيقونات محددة ، لغة تكاد تختفي بانسياب ربما ليعيد القارئ بناءها من هيكلها الذي يريد الشاعر إبقاءه بالضبط كذلك كالهيكل العظمي . ميزة كتابته عدم الرغبة في استعراض أي شيء أو حالة. بقراءة البجلاتي تشعر بكتابة مختلفة كذلك. يفعل شيئاً ذكياً في تغليف الحياد بذرات من النوستالجيا أو العكس . الوحدة والذكري هما العمود الفقري لعمل أعلن هويته بعنوان بليغ دون ميلودراما: " أنا في عزلته " . تسأل نفسك بشأن الضمير في العزلة ، وداخل العمل تتثبت من اقترانه بالذات الشاعرة لكن أثناء القصائد عن الأب تتردد. الضمائر " باراانات "أو سواتر نفسية منزوعة الحميمية لأن ثمة تأسيساً ربما لمفهوم مغاير عن الحنين كأنما كل ضمير لا يتم تسمية وضعه العائلي يماثل العلاقة بين الطبيب ومرضاه في المستشفي حيث تتراجع أو تُنسي الأسماء . يقول الشاعر عبر الذات الشاعرة " لا شيء يسعد القلب أكثر من طفل يهشم اللغة كلها ليقول جملة واحدة ". هرمس الاسم المستعار لمحمد مجدي. لماذا يفعل أحد هذا الآن ؟ . هذا حقه . هرمس الإله مخترع الموسيقي والقيثارة ، مصطحب الموتي للعالم السفلي، إله الخصوبة والفصاحة وغيرها . " كلاشنكوفي .. " هو الثاني في إصدارات الشاعر. اللغة تبدو كأنما تقاوم شيئاً . ثمة نضوج في الخبرات (المعاشة كما يظهر من الديوان) يبدو ضاغطاً علي إمكانات اللغة عند هرمس أو ضاغطاً فقط بالنظر إلي تصورات محتملة لديه عنها. لغته في بعضها- تختلق حالة تُفتت المعني .. مثلاً " الغجر يفترشون صعوبة أمرنا " .. تسأل نفسك : ما المعني ؟! . أغلب الصور ذهنية في متواليات مركبة غريبة مرهِقة القراءة تستدعي التوقف لمعاودتها. قد تكون المفردات العتيقة والصعبة لمداراة النبرة الملحمية . تتسرب البساطة في نفحات وقصائد قليلة. ربما " البساطة " هي ما تقاومه لغته . وتقر الذات الشاعرة في المتن " مشكلتي في اللغة عويصة ، أنا أهرب منها باستمرار ". لغته ناهشة " حوشية " بتعبير عتيق صك حق استخدامه إدوار الخراط . ثلاثة أطباء يكتبون الشعر ..طالما أن معني الفن هو المتعة الجمالية التي تأتي من التعبير عن العادي كما لو كان غير مألوف ، وهم يتعاملون يومياً مع العادي -جسد الإنسان ونفسه كمعجزة ربما " اعتادوها ".