إستر فرويد روائية إنجليزية، وممثلة مسرحية وتليفزيونية، ابنة الفنان التشكيلي لوسيان فرويد، وحفيدة عالم النفس الشهير سيجموند فرويد. تعيش في لندن، وتدير عدة مشروعات للتدريب علي التمثيل المسرحي وعلي الكتابة الأدبية. بدأت حياتها العملية في سن السادسة عشرة كممثلة مسرحية، ثم شاركت بالكتابة والتمثيل في عدة مسرحيات وأعمال تليفزيونية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، بالإضافة إلي كتابة القصص القصيرة. بدأت الكتابة الروائية وهي في السادسة والعشرين، وأصدرت روايتها الأولي "غريب بشكل بشع" عام 1992، وحازت شهرة واسعة وتقديراً أدبياً كبيراً فور صدورها، وتم اختيارها كأفضل الكتاب الشباب في انجلترا عام 1998، واختارتها جريدة الصنداي كأفضل كاتبة عن مرحلة الطفولة، كما تُرجمت الرواية إلي أكثر من ثلاثين لغة، وتحولت الرواية إلي فيلم سينمائي من بطولة كيت وينسلت. ثم نشرت سبع روايات بعد ذلك، آخرها في مطلع 2014، بعنوان "السيد ماك وأنا". عاشت إستر طفولة ثرية، حيث صحبت أمها وهي في الخامسة في جولات خارج انجلترا. الأم التي نشأت في عائلة من الطبقة المتوسطة تمردت علي نمط حياتها، وقررت أن تنفصل عن زوجها، لتعيش حياة الهيبز في نهاية الستينات من القرن العشرين، وهم من رفضوا الثقافة الأوروبية وانطلقوا شرقاً وغرباً بحثاً عن الجديد والمثير، في محاولة للعثور علي نوع من الخلاص الروحي. عاشت إستر حياة الهيبز في طفولتها بالتبعية، وعرفت حياة المخيمات المجانية ورخيصة الثمن والنوم في العراء، والحياة المتقشفة التي وصلت إلي حد التسول أحياناً بعد أن نفد المال من والدتها. كما رأت إستر بعين الطفلة عوالم شديدة الثراء والتنوع، وزارت مدناً وقري وصحاري وجبالاً، وتعرفت علي الكثير من الأطفال المغاربة خاصة الفقراء والمتشردين والفلاحين ورعاة الأغنام. واقتربت من الثقافة العربية والإسلامية، وطالعت تجلياتها المادية والروحية عن كثب أثناء رحلة والدتها الطويلة إلي المغرب، وتجولها في مدنه وريفه، وسعيها إلي الالتحاق بالمتصوفة المسلمين في المغرب العربي. عاشت إستر طفولة فريدة تأثرت بنمط الحياة المغربي بألوانه الصارخة وإيقاعاته المدوية. ورغم تأثر إستر فرويد بحياة المغامرة التي عاشتها في سنوات طفولتها وصباها، إلا أنها لم تكرر تجربة الترحال، ربما لأن تجربة الهيبز اختفت من انجلترا والعالم، وربما لتكوينها الشخصي، أو لتشبعها من التجول والسياحة في الأرض. والآن تعيش في لندن حياة مستقرة إلي حد بعيد، إلا أن تجربتها المبكرة ترسخت في وجدانها وأسهمت في تشكيلها علي المستوي الإنساني والإبداعي، وأصبحت مادة لإبداعها الأدبي. أهم الموضوعات والأفكار التي تتناولها إستر في أعمالها الحب والعلاقات العائلية وأثر الماضي في تشكيل الحاضر، إلا أن عالم الطفولة هو الأكثر حضوراً في إبداعها، وهو القاسم المشترك بين رواياتها. أما عن الشخصيات، فمعظمهم من البوهيميين والممثلين والرسامين، النماذج التي التقت بها كثيراً وتعاملت معها عن قرب خلال تجاربها الشخصية. لخبرة إستر الطويلة في المسرح أثرها في التعامل مع الشخصيات ورصد تطورها النفسي وانفعالاتها، كما أضافت سحراً إلي حوارات رواياتها، كما كان لتجربتها في المغرب واحتكاكها باللغة العربية في طفولتها أثر بالغ في تعاملها مع اللغة بدقة متناهية علي مستوي المفردات والعبارات. واتسمت إستر بالاهتمام بالتفاصيل الدقيقة النابضة بالحياة، والهوس بالمكان وملامحه ومكوناته وسحره وسطوته، أكثر من اهتمامها بتأثرات الزمن، وتحرص علي اختيار أماكن غير تقليدية لأعمالها، ولديها قدرة كبيرة علي وصف المكان وتحويله إلي صورة بصرية. استطاعت تقديم صور بانورامية ناصعة لمفردات الحياة في المغرب العربي؛ كشفت الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في مزيج مدهش. يمكن القول إن عالم الطفولة يحتل المساحة الأكبر في كتابة إستر، وتجارب طفولتها كانت محوراً رئيسياً لأعمالها، ما جعل رواياتها أقرب للسيرة الذاتية. لقد اهتمت إستر بعالم الطفولة وارتكزت عليه في كشف الطبيعة الإنسانية والبحث في دوافعها، فالطفل في أعمالها شخصية كاملة الحضور والتأثير والتأثر، ولعلها اتبعت طريقة جدها عالم النفس الشهير سيجموند فرويد في البحث داخل الذات البشرية، وفضح مكنوناتها العميقة من خلال الاقتراب من الطفل والنفاذ إلي عقله وروحه، والسعي من خلال ذلك إلي كشف الإنسان في حالة اللاوعي التي تحدث عنها جدها طويلاً من قبل. فالطفل لم يقع بعد في أسر المواضعات الاجتماعية ولم يتلوث نتيجة الصراعات الحياتية، إنه الإنسان في صورته الخام، النقية دون تزييف أو تلون، يعرف كيف يعبر بصدق وبساطة عن مشاعره وهواجسه. وكأن اقترابها من عالم الطفولة محاولة للبحث داخل اللاوعي الجمعي للبشر، وإعادة انتاج أفكار جدها في صورة أدبية. وفي روايتها الأهم علي الإطلاق "غريب بشكل بشع"، جعلت الراوي طفلة صغيرة في الخامسة من عمرها، ترصد مرحلة من حياة أمها الهيبزية بعد أن انفصلت عن والدها وانطلقت في رحلة ملحمية إلي المغرب العربي بحثاً عن الحب الحقيقي والخلاص الروحي، بعد أن عانت طويلاً من رتابة وخواء حياتها التي تحولت إلي كابوس طويل يشبه الكوابيس التي تطاردها أثناء النوم. تصف الطفلة الأماكن والأفعال أكثر من وصف المشاعر، إلا أن وصفها الظاهري الدقيق قادر علي تحريك ذهن القاريء ودفعه لكي يستشف الكثير من المشاعر المختلطة. وتبدو الطفلة محايدة في بعض الأحيان، وساخرة من علاقات أمها العاطفية في أحيان أخري. تنشغل بما يهم الأطفال في عمرها، إلا أنها من الوعي لكي تتدخل أحياناً لتوجه أمها. وترصد وقائع وتفاصيل هذه الرحلة باندهاش طفولي، وتهتم بالتفاصيل الصغيرة عن عالم يتسم بأماكن مدهشة وتقاليد غير مألوفة، وتجارب غاية في الثراء. وتضع أمام القاريء الكثير من مفردات المجتمع الشرقي، وترصدها بعين إنسانية. تبحث الرواية عن المشترك البشري في صيغه المتعددة، القابلة للتقارب والتناغم أكثر من الاختلاف، رغم الحواجز اللغوية والثقافية.