في عام 1954 أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارا بإنشاء دار الوثائق التاريخية القومية، تكون مهمتها الأساسية " حفظ الأوراق المصرية"، لكن بعد مرور ستين عاما علي هذا القرار، تراجع ذ عن عمد- الهدف الرئيسي لها، ومرت بانتكاسات عديدة منها ما يتعلق بوضعها الإداري، إذ أصبحت مجرد إدارة مركزية تابعة لدار الكتب، التي تقع ضمن مؤسسات وزارة الثقافة، رغم أنها تستحق أن تكون هيئة مستقلة بذاتها، لاسيما أن الأرشيف المصري ثالث أقدم أرشيف علي مستوي العالم، أضف إلي ذلك أن العديد من مؤسسات الدولة- ومنذ فترة طويلة- تحجب وثائقها عن الدار، بل تقدم هذه الجهات علي التخلص من أوراقها دون عرض علي الدار المختصة بذلك، مما أفرغها الكثير من مضمونها. يأتي هذا الوضع رغم أن القانون رقم 356 لسنة 1954نص علي أن الدار هي الجهة الوحيدة التي لها الحق في إبداء الرأي في إعدام الأوراق الخاصة بكل وزارة، كما أن المادة 11 من نفس القانون تمنع أي جهة من التخلص من أوراقها إلا بعد تقديم تقرير عنها إلي دار الوثائق لتبدي رأيها في الأوراق المطلوب التخلص منها، ولا يجوز التصرف في الأوراق إلا بعد أخذ رأي الدار. لكن هذا الكلام المحدد بالقانون، هل له تأثيره الفعلي علي أرض الواقع، سألت المسئول الاول عن الدار د. عبد الواحد النبوي، الذي أجاب بوضوح " لا.. فبالرغم من وجود عدة قوانين وقرارات ولوائح تنظم كيفية الاستغناء عن أوراق جميع مؤسسات الدولة المصرية علي اختلاف تنوعها، فقد تلاحظ أن بعض الجهات لا تلتزم التزاما كاملا بالنصوص القانونية، وقامت من تلقاء نفسها بتشكيل لجان لإعدام الأوراق أو التخلص منها بطرق متعددة دون إعلام الدار، ودون تطبيق نصوص القوانين واللوائح". قوانين لا تنفذ إذن لدينا من القوانين ما يحول دون أن تقوم الجهات الحكومية بالتخلص التلقائي لأرشيفها.. لكن علي أرض الواقع لا ينفذ منها شيئ، ومازال العبث مستمرا، يؤيد د. النبوي هذا الطرح ويدعمه، بأنه سبق أن أرسل إلي كل جهات الدولة منشورا يحذر فيه من عواقب ما يحدث حاليا، وأنه سرد في هذا المنشور المواد القانونية التي تبرهن علي جسامة الجرم المرتكب: " يعاقب بالحبس بالمادتين 151، 152 من قانون العقوبات كل من أتلف أوراقا أو سجلات أو دفاتر متعلقة بالحكومة، كما تعاقب بالسجن المادة 77 من نفس القانون كل من أتلف عمدا أو أخفي أو احتكر أو زور أوراقا أو وثائق وهو يعلم أنها متعلقة بأمن الدولة أو أية مصلحة حكومية، وتعاقب بالسجن كل من اشترك في اتفاق جنائي سواء كان الغرض منه ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المادة 77 أو اتخاذها وسيلة للوصول إلي الغرض المقصود منه، كما تعاقب المادة 82 بالحبس مدة لا تزيد علي سنة او بغرامة لا تجاوز 500 جنيه او بإحدي هاتين العقوبتين كل من سهل بإهماله أو تقصيره ارتكاب إحدي الجرائم المنصوص عليها في المادة 77 سألت د. النبوي هل التذكير بترسانة القوانين هو الدور الوحيد لدار الوثائق للتصدي لهذه المشكلة، أجاب: لا، فقد أرسلت لجميع الهيئات مؤكدا أن الدار تعتبر الجميع شريكا أساسيا في الحفاظ علي ذاكرة الوطن، وكل ما يتعلق بأوراق الدولة المصرية، وأكدت علي أننا علي استعداد لتقديم كل أنواع الدعم الفني والتنظيمي المتعلق بهذه المهمة الوطنية، لا سيما أنني بخبرتي لاحظت أن بعض الجهات التي لديها وثائق لا تتعامل معها بالحيطة المطلوبة، وهو ما أدي- أيضا- إلي تحرك مجلس الوزراء لإصدار تحذير واضح إلي المحافظين والوزراء ورؤساء الهيئات والمصالح العامة بضبط الإيقاع بشأن المحافظة علي الوثائق الرسمية للدولة وأسلوب نشرها واستعمالها ومدة ومكان حفظها وإجراءات التخلص منها بعد الرجوع إلي دار الوثائق، ولكن المهم، أن هذا التحذير الذي جاء علي شكل " كتاب دوري" ، رصد ما يستدعي منا جميعا التحرك الفوري لانقاذ أرشيفنا القومي، قبل فوات الأوان، إذ جاء في الفقرة الأخيرة من هذا الكتاب المؤرخ في 27 يونيو 2012 ما نصه: " كما يرجي التفضل بالتنبيه بوجوب استطلاع رأي الجهات الأمنية بشأن الاطلاع والتصوير المقدمة من المصريين والأجانب ( متي تعلقت تلك الطلبات بوثائق تاريخية) وتوعية القائمين بالأعمال ذات الطابع الأرشيفي والإحصائي بضرورة توخي الحذر إزاء سعي العديد من الجهات الأجنبية والمراكز البحثية والأكاديمية لاستغلال البحث العلمي في جمع معلومات تشكل إضرارا بالأمن القومي المصري مع وضع القواعد التي من شأنها إحكام الرقابة الفنية والإدارية علي العمليات الرقمية وحفظ التراث الثقافي والوطني والقومي". الامتناع سيد الموقف إذن وثائق الدولة طبقا لما سبق أن ذكرته في خطر حقيقي، والدليل علي ذلك امتناع الكثير من الجهات الرسمية عن تسليم ما لديها من وثائق وأوراق للدار، وهو ما أدي إلي عدة تحركات من قبل المسئولين عن الدار، وكذلك وزراء الثقافة، كان من بينها تعميم توجيه صادر من مجلس الوزراء في مايو 2011، من أجل التنبيه علي الجهات المختلفة بالدولة لتسليم ما لديها من وثائق للدار، ولكن ذلك لم يحدث، فعلي سبيل المثال لدي الدار الوثائق الخاص بالانتخابات 2005 التي أجريت في عهد الرئيس الأسبق مبارك، في حين لم يتم تسليمها الوثائق الخاصة بالانتخابات الرئاسية التي تمت في 2012، ولا الانتخابات التي تمت في 2014، ولا يوجد في دار الوثائق ورقة واحدة من محاضر اجتماعات دستور الإخوان في 2012، التي تسجل للأجيال القادمة، كيف وضع هذا الدستور، ومن اشترك فيه، وما هي الخلافات التي نشبت في داخل اللجنة، ومن وافق علي مواده، كل هذا لازال حتي الآن بعيدا عن المكان الأساسي، لحفظ مثل هذه الموضوعات الهامة، وهو الأمر الذي ينطبق-حتي الان- علي الدستور الجديد الذي تم وضعه في 2013 ، أضف لذلك أن الدار ليس لديها أي وثيقة رسمية عن ثورة يناير 2011، رغم مخاطبتها لجميع المحافظات والوزارات، وقد طلبت الدار من اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية الأسبق إمدادها بالوثائق الخاصة بأمن الدولة، لكن لم تجد ردا، وكل ما في الدار عن ثورة يناير مجموعة الشهادات من عدد من المحافظات قام أفراد بجمعها وإهدائها للدار، كما لا يوجد توثيق للأحداث الرئيسية التي وقعت عقب الثورة، مثل أحداث ماسبيرو، ومحمد محمود، وغيرهما، وفي هذه النقطة يرد د. النبوي، بان هذه الأحداث تحولت لقضايا، وفي هذه الحالة تتسلمها الدار، بعد 15 عاما من صدور الحكم النهائي لمحكمة النقض، وسبق أن حصلت الدار علي الكثير من الأحكام التي أنتهت منها محكمة النقض. وأضاف رئيس دار الوثائق أننا تلقينا منذ أيام قليلة دعوة لفحص أوراق مجلس الشوري المصري، وأنه سيتم وضع ضوابط لآلية نقل الوثائق، التي يجب أن يكون من بينها محاضر دستور الإخوان، وكذلك دستور 2013، شاملا اجتماعات اللجان الفرعية، ولجان الاستماع لفئات المجتمع المختلفة، وصولا للوثيقة الدستورية. آخر الوثائق وعن آخر الوثائق التي أضيفت للدار، يقول النبوي: ان هناك إضافة هامة لمقتنيات الدار، تمت في الأسابيع الأخيرة، تتعلق بتاريخنا الحديث، حيث تسلمنا محاضر مفاوضات معاهدة 1936، التي سجلها أمين عثمان بخط اليد في 31 جلسة، دارت بين مصطفي باشا النحاس والمندوب السامي من فؤاد سراج الدين،أثناء إعداده لرسالة لنيل الدكتوراه بآداب الفرنسية وقد أخبره سراج الدين أن هذه الأوراق كانت من ضمن مقتنيات مكتب مصطفي باشا النحاس، وبالتالي لم تكن من ضمن مقتنيات دار الوثائق من قبل، وقد تم تسلم هذه الوثائق من د. عبد الرءوف أحمد عمرو. ربما يكون شئ مفرح أن تزداد وثائق الدار، بما ليس لديها، لكن هذه الواقعة الخاصة بمفاوضات 1936، تثير العديد من التساؤلات الخاصة بملكية أفراد لمستندات هامة في تاريخ الأمة، والسؤال كيف بقيت هذه الوثائق خارج الدار كل هذه الفترة، وأن تسلمها جاء بمبادرة شخصية من أحد حائزيها، علق علي هذا الأمر د. النبوي موضحا بالفعل هناك مشكلة كبري في مصر، أن بعض الأفراد بحكم مواقعهم يكون لديهم وثائق خاصة بحقبة ما أو موضوع معين، ويحتفظون بهذه الوثائق، وهو أمر مجرم قانونا، لكن للأسف هناك الكثير من المسئولين، بعد أن يغادروا مكاتبهم يحتفظون بالوثائق، وعلي سبيل المثال فعل ذلك رئيس الوزراء الأسبق د. عاطف صدقي فعندما ترك مجلس الوزراء اصطحب إلي منزله أوراق الدولة، وبعد ذلك أهداها لمركز الدراسات الاستراتيجية بمجلس الوزراء، ونقوم حاليا بالتفاوض معهم للحصول علي هذه الأوراق، وخطورة تكرار مثل هذه التصرفات أن يفرغ الدولة من ذاكرتها الوطنية. التصدي لمافيا الاراضي ويضيف النبوي يجب أن يعلم الجميع خطورة إفراغ دار الوثائق من محتواها وأثره السلبي علي كيان الدولة، ولا أقصد فقط إفراغها من ذاكرتها، مما يؤدي إلي استباحة تاريخها وأحداثها، بل أيضا- العبث في اقتصاد البلد، فهناك موظفون في بعض الجهات يقفون ضد أن نتسلم أوراقا معينة، ولكي أكون واضحا أقول أن الدار تعاني من كثير من الجهات المختلفة التي تمتلك أوراقا هامة، وأن التلاعب في هذه الأوراق يؤدي إلي خسائر اقتصادية كبيرة، فهناك محاولات علي سبيل المثال- جرت وتجري في سجلات المحاكم للاستيلاء علي أراضي سيناء ، وقد تم إيقاف هذا التلاعب والتحفظ علي السجلات المزورة، لأنه لدينا النسخة الأصلية من حجج هذه الأراضي، وبالتالي لو أن هذه السجلات قد نقلت للدار لما حدث تلاعب وتزوير فيها، يؤدي لضياع ممتلكات الدولة. إذن هل هناك قضايا أخري من هذا النوع، أجاب:هناك ست قضايا، وقد أبلغت الرقابة الادارية عنهم، منها قضية قبل ساعات من هذا اللقاء، خاصة بإحدي الأراضي في رشيد، حيث استرعي انتباهي طلبات متكررة عن حجية أرض بعينها، فأوقفت استخراج شهادات الحجية، وفي هذه الأثناء زارتني مواطنة مصرية شريفة عرضت علي الأمر وهو أن أحد الأشخاص أخبرها بأنها وريثة لقطعة أرض في رشيد وأنها من الممكن لو أستخرجت الحجة من دار الوثائق ستتمكن من بيعها، وبعد مناقشات أتضح أن ما لديها من اوراق مزورة، وتم اخطار الرقابة الإدارية بهذه القضية، فمما لاشك فيه أن وجود الحجج الأصلية لدينا، حافظ علي أراضي الدولة، التي وصلت قيمتها للمليارات من الجنيهات، وهذه الأراضي تقع علي سبيل المثال- في القاهرة، الإسكندرية، بنها، ورشيد، وفي إحدي المرات تصدينا لمساحة أرض في رشيد مساحتها 262 مليون متر مربع، و230 فدانا في الإسكندرية. ويستطرد النبوي في شرح خطورة أبعاد هذه القضية قائلا: الشاهد مما ذكرته أن الأوراق الموجودة في المحاكم أو الشهر العقاري، إذا مر عليها المدة القانونية، يجب تسليمها للدار، لأنها ستكون في حالة عدم تسلمها- مثل المال السائب، الذي يشجع علي السرقة، ويكون العبث في هذه الأوراق سهلا ميسورا، إذ تكون مادة خام للتزوير، وبالتالي ضريبة هذا التصرف فادحة، حيث نخسر فيها أراضي وممتلكات الدولة، ومن ثم فنحن نصرخ وبصوت عال، بضرورة تعاون الهيئات والوزارات معنا، وأن يتم نقل الوثائق والأوراق دونما تراخ، لاسيما أنه لدينا معلومات مؤكدة أن الكثير من الجهات الحكومية ليس لديها أماكن معدة لحفظ ما تمتلكه من أوراق بشكل سليم، وتكون النتيجة أنها تحفظها فوق أسطح البنايات، أو في أماكن رطبة تقلل من عمرها الزمني، وبالتالي أتصور أن الجهات الحكومية، لابد وأن تعيد النظر في علاقتها بالأوراق وأن تحترمها،وتحترم القانون الملزم بتسليمها لنا. طالما أن القانون وحده عاجز عن التصدي للممارسات السابقة، لماذا لا توجد آلية للتعاون مع الجهات المختلفة في الدولة، أجاب نحن نسعي إلي التعاون، بل في أحيان كثيرة نكون مفيدين للجهات التي تريد منا مساعدتها، إذا كانت هناك جهات تحتاج لمعلومات أو خرائط في الاقتصاد أو السياحة أو التعليم، ولدينا معلومات موثقة نقدمها علي الفور لمن يطلبها. ذكرت أن الدار تمتلك مجموعة من الحجج التي بسببها مكنت أجهزة الدولة المختلفة من العبث بممتلكاتها، ما هي هذه الحجج وما قيمتها، يقول: إن الحجج عبارة عن وثيقة تثبت فيها حقوقا وملكيات، وبالتالي فإن هذه الوثيقة مرتبطة بالأفراد وأملاكهم، وربما تكون قيمة هذه الحجج التاريخية ليست كبيرة، مثل الوثائق الأخري في الدار، إذ لدينا علي سبيل المثال مجموعة من أخطر الحجج علي مستوي العالم، وهي حجج الأمراء والسلاطين، التي أصبحت جزءا أصيلا من ذاكرة العالم، حيث أدرجتها اليونسكو في سجل ذاكرة العالم، وعلي هذا الأساس لها قيمتها الكبيرة، التي تضاف لما نمتلكه من مجموعة من أندر الوثائق التي تسجل تفاصيل الحياة اليومية ليس لمصر فقط، بل لعدد من الدول،إذ تحتفظ الدار بعدد كبير من السجلات والوثائق المفردة الخاصة بتاريخ السودان وشرق ووسط أفريقيا، ونفس الأمر تحتفظ الدار بكم هائل من الوثائق عن تاريخ بلاد الشام،. سألته عودة للشأن المصري هل محاضر اجتماعات مجلس الوزراء في فترة الرئيس المخلوع مبارك أو المعزول مرسي موجودة، أجاب من المفارقات الغريبة أن لدينا وثائق مجلس النظار والوزراء منذ إنشائه في عام 1878، وحتي سبعينيات القرن العشرين، وكذلك وثائق بلاط الملك، ومذكرات بعض القادة السياسيين مثل سعد زغلول،ووثائق الحركة الوطنية المصرية خاصة ثورتي 1919، 1952، ولا يوجد لدينا محاضر جلسات مجلس الوزراء منذ الثمانينيات وحتي الآن، كما لا توجد- كما سبق أن ذكرت- وثائق متعلقة بثورتي يناير2011 و30 يونيو 2013. كان لديكم أيضا- وثائق خاصة بالتعداد هل هذا التقليد مستمر، "بالطبع لدينا ما يطلق عليه بسجلات " تعداد النفوس" الذي يسجل الأسر والعائلات في الحياة المصرية، لكن هذا الأمر توقف وليس لدينا أي شئ من هذا القبيل الآن، يأتي هذا الوضع رغم أن أرشيفنا أقوي أرشيف لوثائق القرن التاسع عشر، ووثائق خاصة بالقرن العشرين، ووثائق متعلقة بعدد من البلاد العربية ومنطقة الشرق الأوسط". مليون وثيقة كم تملك الدار من وثائق؟ أجاب مديرها ما يقرب من مليون وثيقة، فلدينا أندر الوثائق التي تسجل تفاصيل الحياة اليومية في فترات كثيرة من تطور المجتمع المصري. أخيرا ما الحلم الذي تتمني تحقيقه في ظل هذه الظروف، أجاب: لدي مجموعة من الأحلام منها أن يتحقق الاستقلال لهذه الدار، كما يحدث مع الأرشيفات العريقة في العالم، فبعضها يتبع مباشرة رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، ما أتمناه أن تكون هيئة مستقلة، بصرف النظر عن تبعيتها لأي جهة، الأمر الثاني أن نفتح دار الوثائق الجديدة، ويتم مساندة الدولية لتشغيلها علي المستوي اللائق، الأمر الثالث بعد أن وفرت لنا الدولة خمسة آلاف متر لبناء مبني ثالث، وأتمني أخيرا أن يري القانون الجديد للوثائق النور. حكاية الارشيف المصري الجدير بالذكر أن الأرشيف المصري يعد واحدا من أقدم ثلاثة أرشيفات علي مستوي العالم، بعض الأرشيف البريطاني والفرنسي، بل إن الاهتمام بفكرة الوثيقة وحفظها يجعل مصر في مصاف الأمم التي تنبهت لذلك، خاصة أن مصر كانت منذ أقدم العصور دولة مؤسسات، وشهدت العديد من الدواوين والمصالح والهيئات، لذا تعد دار الوثائق من أغني دور الوثائق في العالم، وقد لعبت أسرة محمد علي دورا كبيرا في الاهتمام بوثائق الدولة، فقد صدرت أول لائحة للدفترخانة في سنة 1830، ونصت علي تعيين راغب أفندي كأول أمين للدفترخانة، كما نصت علي أن يقوم هذا الأمين في نهاية كل عام بجلب الدفاتر التي انتهي العمل فيها بالدواوين والأقاليم وحفظها في الدفترخانة، وعليه التبليغ عن أسماء النظار والكتاب الذين يتقاعسون عن إرسال دفاترهم وأوراقهم، وكانت عقوبة هؤلاء حسب اللائحة الجلد 100 سوط، وكانت الدفترخانة تابعة لديوان الخديو، وفي عام 1846 انتقلت تبعيتها إلي ديوان المالية، وفي عهد الخديو عباس حلمي الثاني تغير اسم الدفتر خانة إلي دار المحفوظات العمومية، ظل مقرها بالقلعة، كما صدرت عدة لوائح جديدة للدفتر خانة المصرية في أعوام 1891، 1902، 1906، وكلها ميزت بين أنواع الوثائق، وما يحفظ منها مؤقتا، وما يحفظ دائما. ومع قيام ثورة 1952 لم يعد قسم المحفوظات التاريخية بقصر عابدين يحقق رغبة رجال الثورة في تقديم مادة تاريخية تصلح لكتابة تاريخ مصر القومي في كل عصوره، وتكون مادتها متاحة لجميع أفراد الشعب من باحثين ومستفيدين، فأصبح من الضروري استحداث " دار الوثائق القومية والتاريخية" التي أنشئت بموجب القانون 356 لسنة 1954، التي نحتفل هذه الأيام بمرور ستين عاما علي إنشائها، وقد حدد القانون وظيفتها في جمع وحفظ الوثائق وإتاحتها للباحثين، وظلت دار الوثائق التاريخية في القلعة حتي عام 1969، وفي العام 1979 أصدر الرئيس السادات قرارا جمهوريا بشأن " المحافظة علي الوثائق الرسمية للدولة وأسلوب نشرها واستعمالها" الذي نص علي أن تحتفظ الجهات الحكومية بوثائقها التي تنتجها لفترة خمسة عشر عاما، ثم تنتقل بعدها إلي دار الوثائق التاريخية، وفي عهد الرئيس الأسبق مبارك شهدت دار الوثائق انتقالها من القلعة إلي كورنيش النيل، وكذلك فصلها عن هيئة الكتاب، لتصبح هي ودار الكتب يمثلان هيئة واحدة، ونتمني أن تستقل الدار في هذه الفترة الهامة من تاريخ الوطن. البريطاني، وسجل فيها كل مراحل التفاوض، وأن هذه الوثائق حصل عليها الدكتور محمد فريد حشيش، بشكل شخصي