دار الوثائق المصرية الأرشيف الوطني لذاكرة الأمة بل هي الحاملة للذاكرة الإنسانية بأكملها تحتل المكانة الثالثة بعد فرنسا وبريطانيا والتي أسسها محمد علي باسم الدفترخانة وتضم 110 ملايين وثيقة الآن تعاني انعدام ثقافة التوثيق والإهمال الذي يمحو الذاكرة والهوية وتتسول لجمع المستندات التي تؤرخ لهذا الشعب العظيم. د. عبدالواحد النبوي رئيس الدار حذر الجميع بضرورة الالتزام بتسليم كافة الأوراق التي هي ملك للوطن والأجيال القادمة وإلا ستتعرض أي جهة للمساءلة القانونية حسب نص الدستور الجديد. * في البداية سألناه عن مبني الوثائق الجديد المزمع افتتاحه الشهر القادم؟ ** أجاب قائلاً: حان الوقت لتجديد مجد الدولة المصرية بعد أن أصبحت الحاجة ملحة لجمع شتات وثائق الدولة بكل ما تحمله من قيمة وأهمية يحفظ للدولة هيبتها وحفاظاً علي تراث الأمة من العبث ومخاطر السرقة والحرق والإتلاف ولهذا طالبنا بضرورة التوسع في هذه المؤسسة العريقة. فقرر الشيخ الدكتور سلطان القاسمي أمير الشارقة التكفل بإنشاء المبني الجديد بمدينة الفسطاط بتكلفة 100 مليون جنيه وتم اقرار افتتاحه في يناير القادم مع افتتاح معرض الكتاب وهذا المبني مجهز علي أحدث نظام أرشيفي علي مستوي العالم لأن الشيخ أعد فريقاً للاطلاع علي الأرشيف الأسباني والفرنسي والبريطاني والهولندي لنقل أحدث ما وصلت إليه ونقل أحدث الأنظمة إلي الوثائق المصرية. ورغم أن الدولة لم تتحمل أي مبالغ لانشاء الدار الجديدة إلا أنها عاجزة عن توفير 150 شخصاً ممن يعملون في هذا المجال بالإضافة إلي بعض المعدات والأجهزة. * كثير من المصريين لا يعرفون شيئاً عن دار الوثائق المصرية وما تحتويه والدور الذي يقوم به؟! ** الدار هي الأرشيف الوطني والهوية المصرية التي تؤكد أنه في هذا الزمن يوجد شعب يعيش علي هذه الأرض وله أحلام وطموحات وأسس مؤسسات وكان له انكسارات فهناك وثائق تدل علي هذه الأعمال بكافة النواحي الحضارية ومشاركتها في الرسالة الإنسانية والحفاظ علي التنوع الإنساني وعلاقات الوطن ونفوذه في المنطقة فعلي سبيل المثال عندما نسأل عن تواجد مصر في أفريقيا تؤكد أن نفوذ مصر وصلت إلي بحيرة فيكتوريا والتي كان اسمها بحيرة ابراهيم باشا. كما امتد نفوذ مصر إلي المكسيك وروسيا حيث أكدت الحملة الفرنسية في عهد اسماعيل وصولها إلي الصين وهذا يعني أن مصر دولة عميقة ممتدة النفوذ وذلك من خلال دار الوثائق ورغم هذه الوثائق والتي احتلت بها مصر المركز الثالث ضمن أرشيفات العالم من حيث المادة الفيلمية والتي يرجع لها الباحثون في دراسات الشرق الأوسط علي مستوي العالم.. ورغم ذلك أصبحت في مرحلة متأخرة بالقرن العشرين في مجال حفظ الوثائق والسبب أن هناك مؤسسات بالدولة ترفض تسليم أوراقها ومن أهمها وزارات الصناعة والتجارة والبيئة. * هل عدم وجود تشريع السبب؟! ** هناك قانون صادر في عام 1954 ينص علي أنه في حالة إذا أرادت المؤسسة أو الوزارة التخلص من الأوراق الخاصة بها فعليها الرجوع أولاً لدار الوثائق لتحدد ما إذا كانت هذه الأوراق تدخل ضمن ذاكرة الأمة أم لا وفي حالة عدم الالتزام بهذا يتم تطبيق المواد 77 د و82 ب من قانون العقوبات التي يعاقب بالسجن يصل إلي 7 سنوات كل من أخفي أو أهمل أو زور أو احتكر أوراقاً تتعلق بأمن البلد وهناك 86 جهة إدارية في الدولة علي مستوي الجمهورية لابد من متابعة أوراقها مشيراً إلي أن الصحف القومية تقوم بإعدام أوراقها دون الرجوع للدار وهذا يضعها تحت طائلة القانون ونفس الشيء بالنسبة للمحافظات هناك بعض محافظات ليس بها مستندات بدار الوثائق منذ عام 1952 وهذه كارثة!! خاصة الأوراق الخاصة بحدود المحافظة واتساعها وتقسيمها وخدماتها وتاريخ المحافظ وأعماله وقراراته وغيرها. * ما خطورة هذا الإهمال في عدم تسليم الوثائق؟! ** خطورته تتمثل في محو الهوية واسقاط حقبة من التاريخ أو عدم تمثيل جزء من الدولة في فترة من الفترات وبالتساؤل عن هذه المنطقة فمن يستطيع اثبات ماكان يحدث فيها من تطورات سوي الوثائق أو حتي المرور بأزمات أو إنكسارات من يسجلها والدليل انه متفق عليه عالمياً من الناحية العلمية أن يدخل الوثائق ما بين 8 إلي 12% من أوراقها المؤسسة إلي الدار والباقي يمكن اعدامه حتي لا يكون عبئاً علي المؤسسة ولهذا كانت هناك محاولات لوضع يد الإخوان فترة حكم محمد مرسي علي الهيئة حتي يوثقوا مايدعم موقفهم. أين أوراق انتخابات 2012 ؟ * ما أهم الأوراق التي كانت لابد من ادخالها الهيئة؟! ** يوجد بالهيئة أوراق أول انتخابات مباشرة عام 2005 والتي دخل منافسون لأول مرة أمام الرئيس الأسبق مبارك تم استلام أوراق اللجان والاجتماعات والرموز والميزانية والنتائة وغيرها.. ولكننا لم نستطع الحصول علي أوراق الانتخابات في عام 2012 وأرسلنا مطالبات رسمية للمستشار حاتم بجاتو أمين عام اللجنة موضحين أنه بحكم القانون لابد من دخول هذه الأوراق دار الوثائق ولكنه تجاهلنا تماماً ولم يعر لنا أي اهتمام رغم محادثتي له تليفونياً وتوضيح مدي أهميتها لصالح الوطن والأجيال. ومن أهم الأوراق أيضاً التي لم تحصل عليها الهيئة ما حدث بعد ثورة 25 يناير والتعديلات التي حدثت علي دستور 71 بقيادة المستشار طارق البشري وصبحي صالح ولم نحصل علي أي أوراق أو محاضر أو تعديلات أو غيرها ونفس الشيء تكرر بالنسبة للجنة التأسيسية لإعداد دستور 2012 برئاسة المستشار حسام الغرياني وهذه الأوراق لابد من إيداعها بالهيئة لأنها جزء هام من تاريخ الأمة والتحولات التي مرت بها وهذه ليست ملكاً لأحد بل هي ملك أصيل للدولة والوطن والأجيال القادمة. * وماذا عن الدستور الجديد.. وهل أنصف دار الوثائق؟! ** ننتظر اقرار الدستور الجديد لتطبيقه بكل حسم لأنه تم النص بالفعل في الفقرة الثانية من المادة 68 علي أن تلتزم كافة الجهات بتسليم أوراقها لدار الوثائق وذلك أقوي من النص في قانون العقوبات الذي ينص علي عدم اخفاء الأوراق ولكن دون إلزام وبموجب هذا النص سيتم عرض القانون الجديد علي رئيس الجمهورية لاجازته والذي يضم 19 مادة وأهمها أن تسمي الهيئة العامة لدار الوثائق والمحفوظات القومية ولها شخصية اعتبارية ومقرها القاهرة وتتبع رئاسة الوزراء ويحق لها أن تنشأ فروعاً إقليمية والمادة الثانية أن تكون هي الجهة الوحيدة المسئولة عن تقييم المواد الوثائقية وعلي أن يصدر قرار تعيين رئيس مجلس الإدارة من رئيس الجمهورية وأن يكون توليه المنصب ثلاث سنوات قابلة للتجديد ولا يجوز عزله بغير الطريق التأديبي ويعين نائباً له ويكون لها مجلس إدارة وهو السلطة العليا المهيمنة علي شئون تصريف الدار ووضع السياسات وأن تكون للدار موازنة خاصة وأن تنفصل عن الهيئة العامة للكتاب وأن يستمر العمل بالقواعد المطبقة إلي أن تصدر اللوائح المنفذة للقرار.. مما يعطي للهيئة القومية والبعد عن الصراعات السياسية. * هل سيتم توثيق الاستفتاء علي الدستور؟! ** بدأنا في الاستعداد لتوثيق الاستفتاء من خلال توجيه خطاب لرئيس الوزراء بإلزام مسئولي لجنة الخمسين بإرسال كافة الأوراق والتعديلات خاصة أنها أصبحت ملكاً للدولة بما فيها محاضر الاجتماعات واللجان الفرعية والعامة والاقتراحات وغيرها ليتم فهرستها وحفظها بالدار ليكون للمواطن الحق في الاطلاع علي كيفية عمل هذه اللجنة وشمل الخطاب إلزام رئيس الوزراء بتسليم كافة أوراق الاستفتاء ونتائجه وتوثيقه وإيداعه في دار الوثائق. أشهر الجرائم * ماذا عن أشهر جرائم الوثائق التي تتذكرها؟! ** الأزمة أن هناك جهات حكومية تقوم ببيع الأوراق علي أنها مخلفات ولا تدري مدي أهميتها ولكن الحادثة الأشهر هي وجود 22 بالة في سوق السيدة عائشة تباع علي الرصيف بالكيلو خرجت من جهاز الحراسات الخاصة وتم تسريب أوراق خاصة بأملاك اليهود في مصر وذلك في أكتوبر 2012 وكانت معدة لتهريبها إلي الأردن ومنها إلي إسرائيل ولكن قام فريق مباحث الأموال العامة برئاسة اللواء محمد قاسم بضبطها ولو خرجت هذه الأوراق لحققت كارثة كبيرة خاصة أنها تزامنت مع تصريحات عصام العريان في ضرورة عودة اليهود لأخذ أملاكهم في مصر وهذا كان يمثل خطورة كبيرة خاصة أن معظم هذه الأملاك تم دفع تعويضات لأصحابها مستغلين مرحلة التآمر و"الهلهلة" التي كانت تمر بها البلاد.. بالإضافة إلي أن أشهر الجرائم تتمثل في محاولة الاستيلاء علي طابا ولولا احتفاظ محمد علي بالوثائق لتورطنا في عدم القدرة علي اثبات أنها أراضي مصرية إلي جانب أن هناك قضايا تحكيم دولي مرفوعة علي مصر منها قضايا اقتصادية مثل قضية شركة عمر أفندي وقضية الغاز لإسرائيل وكلها قضايا تحتاج لأوراق التعاقد والتفاوض لإثبات الحق المصري وأيضاً هناك وثائق قوية علي أن حلايب وشلاتين أرض مصرية وتنفس الأوهام والمزاعم والاشاعات التي خرجت من قبل ولهذا فهناك أوراق خطيرة بجهاز الحراسات الخاصة تطالب الهيئة بضرورة ايداعها بالوثائق منها الناس الذين أممت أموالهم والشخصيات التي فرضت عليهم الحراسة وأوراق شركات توظيف الأموال وأوراق الأسرة المالكة وغيرها من الأوراق الهامة جداً. * ما هي أكثر فترة موثقة في تاريخ مصر؟! ** تعتبر فترة محمد علي حتي عام 52 أكثر الفترات توثيقاً ومنذ 50 عاماً تقريباً نعاني من عدم استكمال أوراق التوثيق فلا توجد أوراق كاملة لحرب 67 وانتصارات 73 يوجد بعضها في دار المحفوظات العسكرية ولكن لا توجد وثائق عن أحوال الدولة في ذلك الوقت من صحة وتعليم ووضع اقتصادي وغيرها. ولكن سنعمل علي دخول كافة الوثائق وحتي إن كانت ورقة في أصغر قرية خاصة أن هناك محافظات حدودية لا يوجد لدينا توثيق لأعمالها منها محافظة أسوان وتطورها وحدودها وتقسيماتها وملامحها العامة. * الأزمة التي تعاني الدار منها حالياً؟! ** ثقافة التوثيق مفقودة في مصر وبخاصة عند المسئولين بالوزارات والمؤسسات والدليل هناك أوراق تحفظ في دورات المياه وفوق الأسطح وعلي سبيل المثال سجلات محكمة رشيد وهي منذ العصر العثماني تم تسليمها في عام 2005 متهالكة واجزاء ضائعة وتم عمل ترميم لها وكان بها وثائق مهمة مثل وثيقة زواج القائد الفرنسي مينو من زبيدة المصرية ووثائق محكمة مصر الشرعية كانت في دورة مياه بمجمع التحرير ولم ينتبه لها أحد ومازالت جهات حكومية تضع وثائقها فوق الأسطح ومنها المحاكم التي حرقت كمحكمة الجلاء وجنوب والحقانية بالإسكندرية ولهذا نطالب وزير العدل بضرورة تسليم الوثائق الموجودة بالمحاكم والتي مر عليها 15 سنة حسب القرار الجمهوري للرئيس السادات رقم 472 لسنة 79 والذي ينص علي أن الأوراق التي تعد من الأمن القومي تضم للهيئة بعد مرور 15 سنة ولا يجوز افشائها أو اعلانها إلا بعد مرور 15 سنة أخري ولهذا فمن حق الهيئة الحصول علي كل ورقة موجودة بوزارة الخارجية أو الداخلية أو الدفاع وغيرها منذ 1998 ايداعها بالهيئة. أقدم وثيقة * أهم الوثائق الموجودة بالهيئة؟! ** يوجد بالهيئة أقدم وثيقة وهي عبارة عن حجة بيع منذ عام 571 هجرية بالإضافة إلي حجج أمراء وسلاطين وهي جزء من ذاكرة العالم حيث أشارت منظمة اليونسكو أنه لا يمكن كتابة ذاكرة العالم دون الرجوع لهذه الحجج ومن أهمها حجج تعداد النفوس وهي بمثابة تعداد السكان والتي أول من وضعها محمد علي وكان يتم وصف الأسرة بالكامل ووضعها الاقتصادي بالإضافة إلي 110 ملايين وثيقة منذ العصر الفاطمي وحتي الآن وظهر مفهوم الأرشيف منذ عصر الفراعنة ثم العصر الإسلامي ثم العصر المملوكي ثم جاء ديوان الروزمانه طوال العصر العثماني المسئول عن حفظ الوثائق المالية إلي جانب خزانة السجلات والتي كانت مسئولة عن حفظ الوثائق القضائية أما في العصر الحديث فقد انطلق الأرشيف المصري بقوة في عهد محمد علي بإنشائه مؤسسة الدفترخانة وأعيد اطلاقه بقوة في عام 54 وتم في السنوات الماضية طفرة كبيرة خاصة بعد تدشين مشروعات خاصة بالترميم والمسح الضوئي وقواعد البيانات وهو ما جعلها مصدراً هاماً لصانعي القرار ونموذج لكافة الأرشيفات العربية.