«حماس» تتلقى ردا رسميا إسرائيليا حول مقترح الحركة لوقف النار بغزة    "اتهاجمت أكثر مما أخفى الكرات ضد الزمالك".. خالد بيبو يرد على الانتقادات    استشهاد شابين فلسطينيين في اشتباكات مع الاحتلال بمحيط حاجز سالم قرب جنين    حقيقة انفصال أحمد السقا ومها الصغير.. بوست على الفيسبوك أثار الجدل    دينا فؤاد : تكريم الرئيس السيسي "أجمل لحظات حياتي"    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 27 إبريل بعد الانخفاض الآخير بالبنوك    2.4 مليار دولار.. صندوق النقد الدولي: شرائح قرض مصر في هذه المواعيد    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    بعد التخفيضات.. تعرف على أرخص سيارة تقدمها جيتور في مصر    عز يسجل مفاجأة.. سعر الحديد والأسمنت اليوم السبت 27 إبريل في المصانع والأسواق    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    الصين تستضيف حماس وفتح لعقد محادثات مصالحة    هجوم صاروخي حوثي على ناقلة نفط بريطانية في البحر الأحمر    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل.. فيديو    ننشر نتيجة انتخابات نادى القضاة بالمنيا.. «عبد الجابر» رئيسا    عاد لينتقم، خالد بيبو: أنا جامد يا كابتن سيد واحنا بنكسب في الملعب مش بنخبي كور    الأهلي يساعد الترجي وصن داونز في التأهل لكأس العالم للأندية 2025    "في الدوري".. موعد مباراة الأهلي المقبلة بعد الفوز على مازيمبي    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    كولر : جماهير الأهلي تفوق الوصف.. محمد الشناوي سينضم للتدريبات الإثنين    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يعزز رقمه الإفريقي.. ويعادل رقمًا قياسيًّا لريال مدريد    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    رسالة هامة من الداخلية لأصحاب السيارات المتروكة في الشوارع    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    نظر محاكمة 14 متهما في قضية "خلية المرج".. السبت    اليوم.. مرتضى منصور أمام المحكمة بسبب عمرو أديب    حالة خوف وقلق في مدينة رفح الفلسطينية مع تهديد الجيش الإسرائيلي.. تفاصيل    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    حضور جماهيري كامل العدد فى أولي أيام مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير .. صور    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    حريق يلتهم شقة بالإسكندرية وإصابة سكانها بحالة اختناق (صور)    الأمن العام يضبط المتهم بقتل مزارع في أسيوط    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    بالصور.. رفع المخلفات والقمامة بعدد من شوارع العمرانية    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    علي الطيب: مسلسل مليحة أحدث حالة من القلق في إسرائيل    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    طريقة عمل كريب فاهيتا فراخ زي المحلات.. خطوات بسيطة ومذاق شهي    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة "باتريوت" متاحة الآن لتسليمها إلى أوكرانيا    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    الصحة تكشف خطة تطوير مستشفيات محافظة البحيرة    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تلفزة السياسة وخطاب مديح السوقية والصخب
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 11 - 2013

‎يتناول الباحث والكاتب نبيل عبد الفتاح هنا العلاقة بين السياسة علي الشاشة وخطاب تويتر، حيث يرصد ويحلل ما جري من قبل "يناير"، حينما تزايدت الشروخ في العلاقة السلطوية بين الحاكم والمحكوم في مصر، وظهر ذلك بوضوح في الخطاب الانتقادي علي الإنترنت، وذلك في ظل مواطنة مبتسرة وتحرر للسياسة من موتها الإكلينيكي، إلي عودة لا تزال معاقة.
‎يري عبد الفتاح أن العلاقة المتبادلة بين السياسة والتلفاز والإنترنت لم تعد محض أدوات وإنما لغة وإدراك ووعي، سواء كان ذلك يحدث علي الشاشة أو علي مواقع التواصل الاجتماعي، مما كان له تأثير كبير علي الخطابات السياسية والدينية والمذهبية، وشكّل محركاً قوياً وفاعلاً في السياسة والمجال العام الواقعي.
‎إن ظاهرة تشويه المصطلحات واستخداماتها البيانية ممتدة في تطورنا السياسي والثقافي والديني كنتاج موضوعي للفجوة بين الخطابات السياسية المتلفزة، وبين أطر معرفية واصطلاحية في العلوم الاجتماعية- الفلسفة والقانون والاجتماع والاقتصاد وسوسيولوجيا المعرفة والثقافة والدين... الخ- تساند هذه الخطابات علي تعددها، وتؤصل لها، وتعمق من منطوقها وبنياتها ومرجعياتها.
‎هذا الفقر الاصطلاحي والنظري، أدي إلي تسطح واضطراب في المعاني والدلالات، ومن ثم إلي المساهمة في إشاعة الغموض، والمزيد من الانقسامات، وعدم القدرة علي تطوير حالة حوارية، فضلاً عن عدم تبلور مساع جادة وموضوعية لتأسيس توافقات عند الحد الأدني حول القيم السياسية الرئيسة، وشكل النظام السياسي المأمول، وما يطلق عليه طبيعة الدولة "وهويتها"، من ناحية أخري العلاقة بين الدين والدولة، والإسلام ونظام الحياة والحريات العامة والشخصية. إن الفقر المعرفي وتجلياته في الفقر النظري والاصطلاحي، أدي إلي عدم تخلق إبداعات تدور حول العلاقات بين الوضعي والميتاوضعي في نطاق إنتاج التشريعات التي تنظم، وتضبط العلاقات وترسم الحدود حول القضايا التي تدور حولها الصراعات الاجتماعية والسياسية والدينية والرمزية والاقتصادية بين الفواعل الاجتماعية "والطبقية"، حول المصالح والمراكز القانونية المتنازعة.
‎إن الخطابات والرؤي المشوشة والمبتسرة التي تدور في الحياة التلفازية، وتمتد إلي الفضاءات الرقمية أو النتية شكلت عوائق معرفية وإدراكية، إزاء إمكانية الوصول إلي تحديدات نسبية حول مفاهيم الصالح العام الذي يتجاوز المصالح "الطبقية" و"الفئوية" و"الدينية والمذهبية" للقوي المتنازعة.
‎من ناحية أخري أدت الحالة التلفازية- السجالية والنزاعية والسوسيو- نفسية إلي نمط من المزايدات السياسية والمطلبية التي تتجاوز الإمكانات الموضوعية للدولة ومواردها، وقدراتها علي تلبية مجمل المطالب السياسية والاجتماعية والدينية للقوي المتنازعة، ونزاعات من يمثلون دور الناطقين بها، مما أدي ذولا يزال- إلي تحول الحالة التلفازية إلي قضايا ومادة وساحة لمحاولات بعض "الممثلين" الفعليين أو المفترضين لهذه القوي ومصالحها- دونما تمثيل حقيقي لها- إلي محاولة اصطناع تمثيل لها، وإلي استخدام البرامج الحوارية أساساً كأداة لبناء ذيوع ومكانة في إطار الحياة العامة والأحزاب أو الجماعات السياسية علي اختلافها.
‎أدت هذه السلوكيات التلفازية التي تحولت إلي "انماط" استعراضية إلي المساهمة في تفاقم السجالات والنزاعات وتبلورها في خطابات صاخبة وزاعقة، وذلك من خلال السعي المحموم لجذب عيون المشاهدين أكثر من وعيهم وعقولهم، والاعتماد علي محض الحضور والاستعراض لبعض هؤلاء الذين يقدمون علي أنهم ممثلون لتيارات وإيديولوجيات وأفكار متصارعة علي الساحة السياسية، وهو الأمر الذي جعل من الحياة التلفازية بديلاً عن أن تكون جزءاً من الحياة السياسية الفعلية النابضة بحرارة الواقع الاجتماعي/ السياسي وزخمه وتفاعلاته وإنتاجه السياسي والاجتماعي.
‎إن ضعف مستويات اللغة العربية، واللغة العلمية لدي عديد "الضيوف"، أو الأطراف المشاركة في البرامج الحوارية/ السجالية، يبدو أحد أبرز معوقات الحوار، فضلاً عن الميل إلي استخدام اللغة العامية وأوصافها وتعبيراتها الشائعة في لغة الأسواق اليومية في الوظيفة العامة، وفي العمل التجاري وفي تبادلات البيع والشراء، والتفاعلات الشفاهية في الطرق، وفي مركبات النقل العام، أو في طرق القيادة... الخ. لا شك أن غلبة هذا النمط اللغوي العامي والشفاهي، يشكل ظاهرة عامة أدت إلي جذب شرائح متعددة من المتعلمين، وبعض العامة، إلا أن ذلك لم يؤد إلي ارتقاء مستويات الوعي لدي جمهور المستهلكين لهذا النمط من السلع المرئية/ المتلفزة، إلا قليلاً!
‎هذه الملاحظة لا تعني قط الإقلال من اللغة الشفاهية/ العامية التي تنطوي علي ثراء لا تخطئه العين، وإنما لأنها لا تكشف عن بصيرة ووعي لغوي، وذائقة قادرة علي اكتشاف وبلورة واستخدام للثراء في اللغة العامية الذي اكتشفه بعض من الشعراء الكبار للعامية، او بعض الروائيين والقصاصين والساردين لها في متون أعمالهم الإبداعية، أو هؤلاء الذين عملوا عليها واكتشفوا أن بعضُاً من العامية السائرة علي الألسنة لا تعدو أن تكون لغة فصيحة شاعت علي ألسنة الناس وخطاباتهم الشفاهية.
‎إن غلبة الخطاب الشفاهي ولغة الأسواق التي تبتعد كثيراً عن اللغة العلمية ومفرداتها، أدت إلي شيوع الانطباعات والملاحظات العابرة والوقتية وغير الموثقة والتي تفتقر إلي أطر معلوماتية تسوغ هذه الانطباعات السانحة التي يطرحها أطراف البرامج الحواية في مساجلاتهم، أوفي شيوع لغة التوتر، الناتجة والمحمولة علي هذه الحالة السوسيو- نفسية التي تفرضها طبيعة البيئة النفسية للسجال داخل هذه البرامج، علي نحو يؤدي إلي إجابات، واستجابات إثارية أكثر من كونها آراء عميقة ترتكز علي المعلومات والدراسات في الغالب الأعم. تعود هذه الحالة إلي ضعف الإعداد الجيد لهذه البرامج في معظم الأحيان، ومرجعه ضعف مستويات المعدين علي الصعيد المهني، وعدم التخصص، وعمومية الأسئلة التي تطرح. ثمة أيضاً الميل إلي أسئلة حاملة للاتهامات أو الادانات السياسية أو الأخلاقية أو القانونية في بعض الأحيان دونما سند يسوغها، وهو الأمر الذي يفتح الباب عن سعة لإجابات دفاعية وآثارية محمولة عل التوتر المصحوب بالعنف اللفظي. هذا التوجه في إدارة غالب البرامج الحوارية أو بعض المقابلات، يرمي إلي تحقيق حالة آثارية تستقطب عيون وآذان وحواس مستهلكي هذا النمط من البرامج الذي استعير من التلفازات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والإيطالية والألمانية دونما دراسة علمية ومهنية لها ومراعاة طبيعة مراحل التحول السياسي في ظل استمرارية ثقافة سياسية تسلطية. يبدو هنا بعض التأثر ببرامج قناة الجزيرة القطرية سنوات ما قبل الانتفاضة الثورية المصريةالتي قدمت هذا النوع محمولاً علي بعض الإثارة بهدف كسر بعض الجمود في الإعلام المرئي الرسمي في العالم العربي، والمساس ببعض المحرمات السياسية والخطوط الحمراء السياسية التي كانت سائدة في "السياسات" الرسمية العربية من ناحية أخري يؤدي هذا التوجه إلي ميل بعض المشاركين أوجلهم إلي استخدام الكلاشيهات Cliche، والموروثات من الأمثولات الشعبية، والتعبيرات والتوصيات والنعوت والتفسيرات العامة الشائعة، والتي تفسر كل شئ، وتحمل حلولاً لكل شئ، بينما لا تصف ولا تفسر شيئاً ولا تحلل شيئاً!
‎يبدو بعض مقدمي البرامج في دور قادة تلفزة السياسة، لأن غالبهم يحاولون في عديد الأحيان أن يظهروا في دور مختلف عن وظيفة مقدم البرامج المرئية أو التلفازية التي تبدو غائمة- من حيث التكوين المهني والخبرات والمهارات-، ويرجع ذلك إلي عديد الأسباب، نطرح بعضها فيما يلي:
‎1- أن بعضاً من مقدمي البرامج التلفازية لم يتخصصوا في مجال العمل التلفازي، ومن ثم جاءوا من العمل الصحفي المكتوب ومن ثم يغلب عليهم أساليب العمل في هذا الإطار، الذي قد يتداخل بعضه مع عناصر العمل في البرامج التلفازية، إلا أن ثمة هامشاً من التمايز للعمل التلفازي المرئي، الذي تواشج بعضه مع الثورة الاتصالية/ المعلوماتية الرقمية، وآفاق تطوراتها المذهلة.
‎2- بعضهم داخل دائرة مقدمي البرامج يخلطون بين وظيفة الداعية والواعظ الديني، وبين مقدم البرامج، من حيث الميل إلي الإطالة في الحديث، والنزوع إلي خطاب الوعظ السياسي، والتلقين، واللغة المعممة التي ترمي إلي التعبئة والحشد في الاتجاه السياسي والإيديولوجي والديني الذي يتبناه مقدم البرنامج. من ناحية أخري يميل بعضهم إلي اللغة الجياشة والشعاراتية، أكثر من الاعتماد علي بعض المعلومات، والتعبيرات المنضبطة سواء علي مستوي الاصطلاح الدقيق، أو اللغة المحددة المعاني والأوصاف.
‎3- أن الداعية التلفازي / مقدم البرامج الحوارية، أو الذي يقدمها وحيداً، هو انعكاس لسطوة الشفاهية، ولغة وحضور الطقس الوعظي والدعوي في المساجد- أو في الكنائس-، أو في الدروس الدينية، أو خطب الجمعة... الخ، ومن ثم يبدو الطابع الهجومي والدفاعي إزاء خطاب معارضيه، أو الحجج التي يقدمونها في نطاق شعاراتهم السياسية أو الدينية أو الأخلاقية. من هنا يمكنك أن تلاحظ الطابع الساخر، والهزء من لغة بعض الخصوم، واصطياد تناقضاتهم في اللغة والشعار، أو الموقف السياسي الذي يتناقض مع مواقف سابقة للخصم، وهو ما يحدث مع جماعة الإخوان المسلمين، أو بعض مشايخ الحركة السلفية، أو بعض الحزبيين من أمثال د. محمد البرادعي لاسيما بعد تقديمه استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية المؤقت، أو النشطاء السياسيين.
‎إن الخطاب السياسي الدعوي، الذي يقدمه مقدم البرامج التلفازية يوظف بعض المصطلحات الشائعة دون مضامينها واستخداماتها والأمثولات الشائعة المأثورات الشعبية ولغة العوام في عديد الأحيان- بوصفه شعبوياً بامتياز- يتداخل مع خطاب الناشط السياسي الذي برز بوضوح في ظل حركة الانتفاضة الثورية في 25 يناير 2011.(1)
‎إن ظاهرة الداعية والواعظ والنشاط والمحتسب السياسي، تبدو في تداخلها واختلاط أدوارها أحد أبرز سمات خطاب وأداء بعض مقدمي البرامج الحوارية التلفازية. ويلاحظ -من خلال المتابعة والمشاركة في بعض هذه البرامج- أن الأداء القولي والحركي للمقدمين يبرز من خلال استخدام إشارات الأيدي، وإيقاع الصوت الصاخب في غالب الأحيان، والمتدرج في بعض الأحيان الأخري، تكشف عن مدي تأثرهم بنموذج الداعية والواعظ الديني / السياسي/ السلفي أو الإخواني أو الراديكالي مع نمط القاعدة والسلفية الجهادية، كما برز في السوق الديني الإعلامي المصري أو الإقليمي أو الكوني.
‎ إن خطاب الحكم والمواعظ السياسية المعممة والتي تفتقر إلي العمق المعرفي والمعلوماتي، هي التي تنتشر من بين ثنايا بعض هذه الظاهرة التي تحمل معها لغة السراطات المستقيمة، وثنائيات الصواب والخطأ، والحلال والحرام السياسي. ومن ثم تبدو كمعايير مرتحلة من الخطاب السلفي والديني الوعظي إلي خطاب الداعية والمحتسب والناشط السياسي الذي يقدمه مقدم البرامج المرئية في الفضائيات الخاصة المصرية.
‎إن بعض هذه الظاهرة والخطاب المرئي/ القولي سالفة الذكر أدت إلي التأثير السلبي علي طرائق الإدارة العفوية أو الانفعالية التي ينحسر عن بعضها المهنية والمعلوماتية والمنهج في إدارة الحوارات والمقابلات. من ثم يتحول مقدم البرامج التلفازية إلي مركز العملية الحوارية، وتقديم خطابه الذي يحمل بعض وعظه إلي الجمهور وإلي أطراف الحوار، وهو الذي يحدد معايير الخطأ والصواب في الرأي / الموقف السياسي حول المشاكل التي تواجه مصر في المراحل الانتقالية بكل جوانبها وأبعادها المتعددة، أو حتي علي مستوي العلاقات الدولية.
‎قضايا ومشكلات معقدة يتم طرح بعضها للحوار بين أطراف متعددي الاتجاهات والانتماءات السياسية والحزبية وفي الغالب الأعم ما يفتقرون إلي درس تاريخ الموضوع وتطوراته والأطر المعلوماتية والأسئلة الأساسية حوله، حتي يمكن إبداء وجهة نظر حوله تؤدي إلي حوار بين آراء متعددة ونسبية.
‎في ظل هذا الفقر المعلوماتي والمعرفي والتاريخي، تتحول بعض هذه الحوارات إلي خطاب من الانطباعات السانحة، وإلي تبني لغة التعميمات، ومحمولاتها الشعارائية، ومن ثم تجنح نحو إعادة إنتاج مقولات قديمة لم تعد قادرة علي مواجهة المتغيرات الجديدة التي طرأت علي بعض هذه المشكلات، ومن باب أولي لا نستطيع أن نتصدي لفهم ووصف وتفكيك وتحليل وتفسير للظواهر والمشكلات الجديدة في عالمنا المتغير.
‎لا شك أن ظاهرة الصخب التلفازي، بكل ما تحمله من عنف خطابي ولفظي ورمزي واحتقانات وتوترات وراءها عديد الأسباب، التي يمكن لنا أن نحدد بعضها تمثيلاً لا حصراً فيما يلي:
‎1- ظاهرة التجريف السياسي والبيروقراطي للكوادر المصرية الكفؤة والمدربة، والتي تم تكوينها وراكمت خبراتها في مؤسسات الدولة، او في الأطر الجامعية لاسيما هؤلاء
‎ الذين أتيح لبعضهم تلقي دراساتهم العليا في الجامعات الغربية المتقدمة، أو من عملوا علي أنفسهم بالجد والاجتهاد في تلقي المعرفة المتخصصة والثقافة من خلال جهدهم الخاص، وهي ظاهرة مصرية في مجتمع كثيف السكان، غالباً ما يظهر هذا النمط من الكوادر الموهوبة والكفؤة التي اعتمدت علي ذاتها في تحصيل المعرفة والخبرة، رغما عن استمرارية هذا النمط من المواهب والكفاءات إلا أن بعضهم تم استبعادهم ولا يزالون، أو محاصرتهم ضمن ما سبق أن اسميناه بظاهرة قتل الأجنة الموهوبة في مصر من قبل السلطة البيرو تكنقراطية الأمنية. بعضهم الاخر اتخذ من الابتعاد عن مجالات السلطة وممارساتها وفضاءاتها، سياسة وقراراً، ومن ثم لم تستفد النخبة والسلطة والدولة من قدراتهم وكفاءاتهم في عديد التخصصات. من ثم نستطيع القول أن هؤلاء بعيدون عن أجهزة الإعلام والقنوات التلفازية التي لا تسعي إليهم بحثاً عن الكفاءة وعمق المعرفة والرؤية. من ناحية أخري تميل السياسة التلفازية في القنوات الخاصة إلي اختيار بعض الشخصيات إعلامياً، أو سلطوياً أو حزبياً بقطع النظر عن مدي تخصصها أو كفاءاتها، لكي تتحدث في عديد الموضوعات وتناولها في عمومياتها وببساطة ومن خلال التعبيرات المثيرة للسجال العنيف لجذب المشاهدين، ومعهم الإعلانات الخاصة بترويج السلع والخدمات.. الخ.
‎2- الميل إلي الخطاب الشعبوي في أدني مستوياته، والأحري القول/ الخطاب السوقي(2) ذ مع بعض التعديلات البسيطة- بهدف الوصول إلي الكتل الشعبية واسعة النطاق من الأميين، أو ذوي التعليم المحدود أياً كان مستواه، وذلك بهدف تحقيق الشعبية والذيوع للبرامج الحوارية/ السجالية/ الشجارية/ الصاخبة، لكي يجذب غالب هذه البرامج تيار من الإعلانات عن السلع والخدمات التي تقدمها الشركات المتنافسة، ومن ثم تتحقق الربحية المطلوبة لتمويل هذه القنوات والبرامج لاسيما في ظل ارتفاع مستويات أجور مقدمي ومعدي ومخرجي هذه البرامج قبل وبعد 25 يناير 2011 وتتزايد في ضوء الطلب المرئي من الجماهير المستهلكة لهذه السلع المرئية، علي الرغم من أنها مرتبطة بوضعية الصراع "السياسي" والديني والعرقي والمهني بين القوي السياسية أو المهنية المتنازعة، وكذلك وضعية عدم الاستقرار السياسي، والاضطراب والغموض وعدم اليقين، وثورة التوقعات والخوف الذي يتمدد حول المستقبل السياسي القائم للبلاد، ومعه الآمال "الفردية" المحمولة علي الإحباط، وعدم التحقق لغالب "الأفراد".
‎3- تأثير توجهات ومصالح أصحاب القنوات التلفازية الخاصة علي طبيعة الاختيارات السياسية، ومن ثم يؤثر ذلك علي طبيعة التوجه السياسي للبرامج واختيار الشخصيات المدعوة للبرامج الحوارية/ السجالية. وتلجأ بعض هذه القنوات لاتخاذ قرارات بمنع بعض البرامج الشهيرة، وذات الطابع الساخر تحت دعاوي شتي من بينها بعض المعايير العامة والغامضة كالثوابت الوطنية، والأمن القومي، وأخلاق الأمة، وقيم وتقاليد الشعب المصري، أو أخلاق المصريين، إلي آخر هذه المعايير السائلة والمرنة، وغير المجمع عليها علي عديد الصعد المهنية، والأخلاقية، والسياسية والأمنية، وإنما كلها معايير شعاراتية ترمي إلي فرض قيود علي حريات الرأي والتعبير والبث التلفازي لبعض البرامج، أو المقابلات .. إلخ. من أبرز هذه البرامج التي تم منعها تحت سلطة هذه المعايير التسلطية، برنامج "البرنامج" الساخر الذي يقدمه الإعلامي باسم يوسف، بعد حلقة انطوت علي بعض الانتقادات، والإيحاءات والألفاظ الجنسية البسيطة. من ناحية أخري يتناسي أصحاب هذه القنوات الخاصة شيوع هذه اللغة والإيحاءات في الصحافة والإعلام حتي فقدت معانيها ودلالاتها في الواقع الموضوعي، ولم تعد تثير سوي السخرية والضحك خاصة في توظيفاتها السياسية. إن الأقنعة الأخلاقية التي استخدمت في منع إحدي حلقات برنامج "البرنامج"، ليست سوي سياسية وسلطوية بامتياز، وتشكل تراجعاً عن هوامش حريات الرأي والتعبير والبث التي اتسعت في أعقاب الانتفاضة الثورية في 25 يناير 2011 وما بعد. ويلاحظ أن مثل هذه المعايير لم تستخدم من هذه القناة C.B.C- في أثناء نقدها الحاد لجماعة الإخوان المسلمين، ورئيس الجمهورية السابق د/ محمد مرسي، وممارساته وقراراته السياسية.
‎من ناحية أخري يبدو واضحاً عدم وضوح سياسة البث وسياسة التحرير- لدي هذه القنوات، وغياب ميثاق للغة والممارسات المهنية يضبط الأداء البرنامجي، علي نحو يؤدي في عديد الأحيان إلي بروز بعض الغلظة السلطوية في قرارات منع البث. يعود هذه التوجه السائل وغير الواضح في سياسة البث إلي سهولة تأثر هذه القنوات بمواقف السلطة الانتقالية القائمة في البلاد. ثمة أيضاً عدم استيعاب السلطة الفعلية فيما وراء السلطة الانتقالية الظاهرة لحجم وطبيعة التغير السياسي "الثوري" الذي حدث في البلاد، وفي مواقف واتجاهات غالبية "المواطنين" المصريين في أعقاب انتفاضة 25 يناير 2011 وما بعد، لاسيما بناء الفئات الوسطي الوسطي وبعض من الوسطي/ الصغيرة المدينية، والأجيال الجديدة الشابة التي لم تعد غالبيتها تقبل أية أشكال لقمع حريات الرأي والتعبير والبث التلفازي تحت ذات المسميات
‎ظاهرة تلفزة السياسة، تتمثل في تداخل العمل السياسي وأنشطته وتأثرها بالتلفزة وصورها والقيم واللغة والأفكار والأيديولوجيا التي تحملها وفق التوجه الأيديولوجي والانتماء السياسي والاجتماعي لملاك القنوات التلفازية الخاصة، وأيضاً توجهات النظم التسلطية، والطبقات السياسية الحاكمة،
‎ التسلطية الغامضة التي كانت سائدة طيلة عهود الجمهورية، وأنظمتها التسلطية المتعاقبة.
‎السؤال الذي نطرحه هنا: ما أثر تحول السياسة الفعلية إلي السياسة المتلفزة، أو إلي تلفزة السياسة في الحالة المصرية بعد 25 يناير 2011، وحتي المرحلة الانتقالية، الثالثة في أعقاب 30 يونيو، و3 يوليو، و26 يوليو 2013؟
‎السياسة المتلفزة ليست ظاهرة جديدة، وإنما ظاهرة ارتبطت باكتشاف هذا الجهاز وتأثيره في السياسة كأداة من أدواتها الإعلامية في جميع المجتمعات كما أشرنا في مفتتح هذا الفصل، وتأثرت بأيديولوجيا النظام وسردياته الكبري في الدول الليبرالية والديمقراطيات الغربية في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الدول الغربية واليابان، وكذلك كأداة أيديولوجية ذات ثقل في التعبئة السياسية والاجتماعية وتوجيه الرأي العام في دول الإمبراطورية الماركسية السوفيتية السابقة ودول المجموعة الأوروبية الشرقية شرق أوروبا الشيوعية. من ناحية أخري اعتمدت النظم التسلطية علي التلفاز كأحد أجهزة الدولة الإيديولوجية والرمزية في القمع الرمزي الناعم حينا والخشن في أحيان أخري من هنا يمكن ملاحظة الاستخدامات الواسعة النطاق للتلفاز فيما كان يطلق عليه العالم الثالث، أو جنوب العالم في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، والتحول السياسي نحو اقتصاديات السوق الحر، وإلي نظم ديمقراطية.
‎يمكن القول إن السياسة في دول جنوب العالم- وظفت التلفاز وقنواته كأداة سياسية وأيديولوجية علي نحو مكثف لخلق حالة من الحشد الشعبي أو الجماهيري وراء النظام التسلطي أو العسكريتاري، بهدف بناء شرعية ما، وكذلك لتأسيس اندماجات وطنية قسرية لاسيما في المجتمعات الانقسامية التي تعاني من الطابع الفسيفسائي المركب من جماعات دينية ومذهبية وقومية ولغوية وقومية ومناطقية وطائفية ... إلخ استخدمت القنوات التلفازية، كأداة لفرض القيم السياسية وسياسات النظام وخطاباته وسياساته لخلق تعبئة سياسية واجتماعية حولها. من ثم شكل التلفاز ذ وبرامجه وأشكال الدراما والمقابلات ونشرات الأخبار المرئية ذ أداة، وسلطة للقمع الرمزي، وضمن أدوات أخري، وذلك في ظل ثورة التلفاز التي واكبها بعد الاستقلال ثورة الترانزستور ذائعة الصيت.
‎في ظل تزاوج ثورتي المعلومات والاتصالات والوسائط المتعددة الرقمية، وأثرها علي الفنون التليفزيونية وتداخلها في الأعمال الفنية والبصرية، حدثت تطورات نوعية تختلف كثيراً عن مراحل التوظيف الأدائي والسياسي / الأيديولوجي للتلفاز في إطار سياسات النظم التسلطية، وإنما أثرت الثورة الرقمية المستمرة، والتي تنتقل بوتائر سريعة من اكتشاف وتطوير إلي آخر، علي تقنيات الصورة والبث وطبيعة الخطاب المرئي المتلفز، وعلي التواشج بين عديد الأدوات. الأهم هو أن اللغة المرئية والرقمية باتت هي صانعة الرؤي ومخلقة للإدراكات، والتفكير والأحري ربما صانعة عالمنا المرئي / الرقمي الذي هدم الحدود والسيادة وفق المفاهيم التقليدية، وفتحت الأبواب علي عالم بلا حدود أمام تيارات متلاحقة وسريعة من تدفق الصور والأخبار والمشاعر. إن عولمة الصور والمعاني والسلع الرمزية وسواها، جعلت من التلفزة كلغة بصرية ورقمية فاعلا مركزيا في السياسة عموماً أياً كانت الدول والمجتمعات وحظها من التطور الديمقراطي ورسوخ تقاليد وقيم وممارسات الحريات العامة والشخصية أو من نقص وعدم تكامل في تحققها في بعض الدول والمجتمعات في جنوب العالم.
‎والأهم هو أن ظاهرة تلفزة السياسة، تتمثل في تداخل العمل السياسي وأنشطته وتأثرها بالتلفزة وصورها والقيم واللغة والأفكار والأيديولوجيا التي تحملها وفق التوجه الأيديولوجي والانتماء السياسي والاجتماعي لملاك القنوات التلفازية الخاصة، وأيضاً توجهات النظم التسلطية، والطبقات السياسية الحاكمة، ومن ثم طبيعة المصالح الكامنة فيما وراء من يطلق عليهم مجازاً رجال الأعمال المالكون لها، أو السلطة السياسية أياً كانت.
‎التأثير البصري وجمالياته، وإشاراته ومحمولاته القيمية بل والشعاراتية باتت أكثر أهمية ومركزية في مخاطبة كتل جماهيرية واسعة النطاق -أياَ كانت انتماءاتها الاجتماعية والطبقية من أساليب الاتصال المباشر، أو التحركات الحزبية والخطب الشفاهية في المؤتمرات، ولكنها لا تغني عنها، لأن تلفزة السياسة تتطلب في بعض شروط فاعليتها ضرورة وجود حضور فاعل من القوي السياسية، والقادة و"النشطاء" في الواقع السياسي الفعلي، والأهم ارتباطهم العضوي بقوي اجتماعية، لها مجموعة او مجموعات من المصالح، وتعبيرهم عنها في خطابهم وسلوكهم السياسي ومطالبهم في المجال العام وفي التلفزات، وفي جميع مؤسسات الدولة، إن كانوا جزءاً منها ذ كالبرلمان أو الحكومة ذ أو في المعارضة الرسمية او المحجوب عنها الشرعية القانونية إذا كان ثمة حجب سياسي وحظر قانوني لها، ولأنشطتها علي اختلافها.
‎الأسئلة التي نطرحها هنا: ما المعني الذي تكتسبه ظاهرة تلفزة السياسة في مصر لاسيما بعد 25 يناير 2011 وما بعده؟ وما الأسباب التي أدت إلي تزايد الظاهرة وما الذي أدت إليه في مشاهد السياسة المصرية؟
‎تلفزة السياسة في الحالة المصرية تتمثل في أن بعض القوي السياسية "المدنية" -"الليبرالية" و"القومية المصرية" و"اليسارية" والناصرية ذ وفق المجازات التي تطلق علي بعضهم في المجال العام السياسي، تركز علي حضورها التلفازي المكثف بديلاً عن المستوي المطلوب لحضورهم الفعلي في الواقع الاجتماعي وتركيباته. من ناحية أخري غموض طبيعة المصالح الاجتماعية والاقتصادية لدي بعضهم والتي يعبرون عنها، ويطالبون بتحقيقها لصالح القوي الاجتماعية التي يمثلونها ويحاولون الدفاع عن حضورها في السوق السياسي لصراع المصالح المتنافسة أو المتعارضة في لحظة أو مرحلة تاريخية محددة مع مراعاة اعتبارات الصالح العام، وتطور الدولة وأجهزتها وسلطاتها، والاستقرار السياسي والأمني النسبي، وتطور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
‎إن الترحال السياسي النسبي من الواقع الفعلي إلي الواقعين المرئي / التلفازي والرقمي ذ المجال العام الافتراضي في مواقع التفاعل الاجتماعي وغيرها ذ أدي إلي حالة سوسيو نفسية وسياسية لدي النخب السياسية "المدنية" تتمثل في الولع بالظهور علي شاشات القنوات الفضائية، بديلاً عن الحركة في الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي الفعلي التي اتسمت بالتراجع والتثاقل، وفي نطاق سياسة ردود الأفعال علي ما يحدث من جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعات الإسلامية، السياسية الأخري، أو سياسة وقرارات ما بات تطلق عليه مواقع السلطة الفعلية، في البلاد من المؤسسات الفاعلة في إنتاج السياسة أو قراراتها، ومن الحكومة والسلطة الانتقالية في المرحلة الثالثة من مراحل الانتقال السياسي في البلاد في أعقاب التظاهرات الجماهيرية واسعة النطاق التي شهدتها البلاد في 30 يونيو، 3، و26 يوليو 2013 والتي ترتب عليها عزل الرئيس السابق د/ محمد مرسي.
‎حدث قدر كبير من الاسترخاء الجماهيري والتظاهرات-باستثناء مظاهرات واعتصامات جماعة الإخوان وتحالف الشرعية وبعض العاطفين عليهم-، ومن ثم قلت نزعة الظهور في مقدمة المتظاهرين من بعض قادة هذه الأحزاب والجماعات السياسية التي تطلق عليها الصفة الثورية مجازاً. ويلاحظ أيضاً أن حضور بعض هذه الشخصيات "القيادية" غالباً ما تظهر لبعض الوقت في وسط أو مقدمة -حسب ظروف كل تظاهرة هذه التظاهرات، بهدف أن يكونوا جزءاً من تركيز كاميرات القنوات الفضائية، أو كي يدلوا ببعض من تصريحاتهم الشعاراتية في سياقاتها. استأثرت التلفزة كساحة للفعل السياسي المرئي بقسط وافر من الفعل السياسي القولي الشفاهي، ومن ثم تراجعت الحركة علي الواقع الاجتماعي والسياسي الفعلي. من ناحية أخري يمكن القول إن الفضاء المكاني للفعل السياسي في إطاري التلفزة أو التظاهر يركز علي مدينة القاهرة، والإسكندرية أساساً أي علي سياسة الميادين، ومن ثم لا يمتد إلي نطاقات مكانية أوسع نطاقاً لتشمل غالب المحافظات والمدن والقري في البلاد.
‎يمكن القول أيضاً إن سياسة الميادين- كجزء من سياسة الشارع وفق بعض المصطلحات التي أطلقها بعضهم في هذا الصدد- تركزت علي بعض مكونات فضاء المدن التي زحف عليها الترييف- كإدراك وثقافة وزمن وصورة- علي نحو جعلها قبلة الاعتصامات، أو التظاهرات الاحتجاجية، أو أحد مصادر العنف المحمول علي هذه الأشكال الاحتجاجية، وذلك لكي تستقطب عيون الكاميرات التلفازية، أو الموبايل فون، وال I pad أو سواها من الكاميرات داخل أدوات وسائل الاتصال الرقمية المتعددة الوسائط، وثورتها المستمرة.
‎من ثم شكلت سياسة المكان والأحري الفضاء المكاني وسياسة الميادين ثورة جاذبة لمنظمي التظاهرات والاعتصامات لاسيما من المجموعات الثورية الشابة(3)، وهو ما استطاعت جماعة الإخوان المسلمين، وأعضاؤها وطلابها أن يمارسوه علي نحو مكثف علي نحو ما ظهر في أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي. ظهرت بعض القدرات التنظيمية الإخوانية التي تركز علي رأسمال تنظيمي تاريخي متميز عن أقرانه في المنظمات السياسية الأخري، والتي انطوت علي بعض من التكيف مع الثورة الرقمية والثورات المخملية الملونة في أوروبا الشرقية والمصحوبة ببعض من السمت الكرنفالي التي عادة ما تشهدها مباريات كرة القدم، والكرنفالات وبعض من طقوس وطبول وشعارات ورموز وإشارات مجموعات الألتراس، وهي التي استطاعت الجماعة اختراق بعضهم. من أبرز ما استطاعت الجماعة استيعابه وتوظيفه من الانتفاضة الثورية في 25 يناير 2011- التي لم يشاركوا فيها إلا قليلاً- استخدام الألوان، والشعارات والرموز- علي نحو ما فعلت في شارة رابعة في استخدام كف اليد ذات السبابة الملونة باللون الأسود علي الأرضية الصفراء- من شباب الطبقة الوسطي- الوسطي الثائر، فضلاً عن الطبول، والشعارات المنغمة والمرقصة، وهي أدوات وإيقاعات ورموز ورقصات وهتافات مموسقة، وذلك لأنها تمثل أحد مراكز اهتمامات الكاميرات التلفازية وغيرها، لكي تسجل وتبث سواء في الأقنية الفضائية علي اختلافها- في تحقيقاتها المصورة، أو في نشراتها الإخبارية أو تبث في حال عدم عرضها كاملة علي القنوات المصرية الخاصة، أو الرسمية علي عديد القنوات الداعمة لجماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسي كالجزيرة، أو بعض التلفزة التركية، أو علي الواقع الافتراضي / الرقمي.
‎من هنا استطاعت تلفزة السياسة كظاهرة أن تؤثر علي التفكير التنظيمي والحركي لجماعة الإخوان، في بلورة سياسة الجذب التلفازي والرقمي إذا جاز التعبير وساغ، بل وفي تحقيق الهدف من الاعتصامات أو التظاهرات، وهو البث ومحاولة التأثير علي لغة العيون وذاكراتها، وتأثيراتها وانعكاساتها المختلفة.
‎تلفزة السياسة كظاهرة ولغة ومؤثرات وإدراكات حولها، ارتبطت بما يمكن أن نسميه بظاهرة رقمنة السياسة، أي تحول جزء من الممارسة السياسية- أيديولوجياً وسياسياً وتنظيمياً وحركياً- إلي الواقع الرقمي- المجال العام الرقمي أو الافتراضي أو الفتي- سواء في بياناتها علي مواقع المدونين Blogers، ثم مواقع التفاعل الاجتماعي Face Book، وتويتر Twitter، والمواقع الإخبارية الشخصية أو الخاصة ببعض الجماعات، أو الصفحات الرقمية للصحف والمجلات والقنوات الفضائية،... الخ. وتأثير اللغة الرقمية ومواقعها إلي التأثير علي المستهلكين لها، أو إلي تحولها إلي أداة أيديولوجية وسياسية لعديد الأطراف والفاعلين السياسيين، والنشطاء والحركيين، والمجموعات الفكرية... الخ. للتعبير عن مواقفهم وآرائهم السياسية أو الدينية أو الإيديولوجية أو الفكرية، وفي المساجلات الحادة والفظة في بعض الأحيان، من قبل بعض المنخرطين في جماعة الإخوان، أو الجماعات السلفية، أو بعض الماركسيين والقوميين والليبراليين، أو بعض الفوضويين ذ الأنركيين-، والاشتراكيين الثوريين.
‎ودخل إلي هذا الفضاء من مواقع التفاعل الاجتماعي حركيون آخرون من ضمن هؤلاء أو بعضهم من الذين لا انتماءات إيديولوجية محددة لهم وتحركهم بعض المبادئ العامة والتي بها تخليط من بين الآراء العامة الشائعة في المجالين العامين الافتراضي والفعلي بعد 25 يناير 2011 وحتي كتابة هذا الفصل. (4) بل وتوظيفها في التعبئة والحشد للنزول إلي الواقع الفعلي، وثمة من يتعامل تنظيمياً مع الفضاء الرقمي ولغته في سياسة التجنيد أو في تبادل الشفرات والرموز التنظيمية والحركية.
‎إن اتساع نطاق وإعداد مستخدمي الفضاء الافتراضي والرقمي ومواقع التفاعل الاجتماعي ذ تويتر وفيس بوك- والتداخل الذي يتسع ويتمايز بين الرقمي والافتراضي، وبين الواقع الفعلي، أدي إلي تأثيرات متبادلة بين كليهما ومن ثم تزايد دور الظواهر واللغة الرقمية علي النشاط السياسي من جميع الأطراف في الصراع السياسي الدائر في البلاد، بل يساهم في تزايد الانقسامات علي عديد المستويات وفي تعرف بعضهم علي الآخر فكراً ولغة وشعارات ورموزاً وإشارات.
‎إن رقمنة السياسة يستخدمها غالب الأطراف في التعبير، بل وفي بعض الحروب الرقمية إذا جاز التعبير- بين عديد النشطاء من جميع القوي السياسية علي اختلافها.
‎أن تلفزة ورقمنة السياسة في مصر أدت إلي عديد من الظواهر الإيجابية والسلبية، نذكر من الأخيرة علي سبيل التمثيل لا الحصر ما يلي:
‎أ- خلق بعض الفجوات بين الافتراضي والرقمي وبين الواقعي والفعلي، وأدت إلي عديد المثالب السياسية لاسيما لدي من يطلق عليهم بالتيارات "المدنية"- الليبرالية واليسارية والقومية والناصرية- سواء في خطابها وممارساتها التي تحولت أساساً إلي المجالين التلفازي والرقمي بديلاً عن الحركة النشطة علي المستويين التنظيمي / الحزبي والجمعيات والعمل الطوعي عموماً بين قطاعات جماهيرية لاسيما بين القطاعات الشعبية التي تعاني من تراكم مشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية، وعسر حياتهم لاسيما خلال المرحلة ما بعد 25 يناير 2011 حتي المرحلة الانتقالية الثالثة. من ناحية أخري تأثرت جماعة الإخوان والسلفيون والجماعات الإسلامية السياسية وأحزابهم السياسية، بالتلفزة والرقمنة، وذلك كفضاءات حركة مضافة ومتفاعلة مع نشاطهم التنظيمي والتجنيدي والتعبوي والحركي في الواقع الفعلي، من خلال بناء شبكات من الخدمات الاجتماعية، وفي التعامل المباشر مع هذه القطاعات المعسورة في المدن والأرياف. ثمة تركيز من غالب هذه القوي علي القطاعات الريفية، وفي قيعان المدن وهوامشها، بينما القوي المدنية تركز في غالبها علي الفضائين التلفازي والرقمي، أو تركز علي بعض المؤتمرات المحدودة والمتلفزة داخل بعض قوي ما يسمي بجبهة الانقاذ أو من هم خارجها وهي تعقد لإعلان مواقف سياسية من داخل مدينة القاهرة، في حين أن الحركة خارجها- أو داخلها تتقلص- لاسيما في المدن المريفة، والقري في أرياف محافظات الدلتا وصعيد مصر، التي تبدو محدودة جداً وهامشية وغير مؤثرة مقارنة بحركة القوي الإسلامية
‎ ان تكرار الظهور والمشاركة في البرامج الحوارية، يوزع صورهم وخطابهم علي نطاقات واسعة من المستهلكين، مما قد يحقق لبعضهم من غير المعروفين حضوراً وذيوعاً في المجال العام السياسي وقد يعتقد بعضهم أن ذلك بديل عن الحضور المنظم والحركي والخطابي في إطار الواقع الاجتماعي والسياسي في المدن والأرياف
‎ علي اختلاف منظماتها، وأحزابها.
‎2- تشوش العلاقات المعقدة بين الرقمي / الافتراضي/ النتي والمرئي وبين الواقع الموضوعي -المركب بأزمنته المختلفة وسياقاته وتعددياته- وبروز بعض الخلط في الإدراك السياسي، والسلوك، والرؤية بين حدود التلفازي/ المرئي والرقمي، وبين الحركة علي الواقع الفعلي، وفي أوساط قوي وشرائح اجتماعية متعددة، بل وما هي اللغة والخطاب الذي يوجه إلي كل منهم في سياق بعض من التماسك النسبي لهذا الخطاب في بنيته أو منطوقه أو حتي في أطره المرجعية التي ينطلق منها؟
‎ أن التلفازي والرقمي قد يولد لدي بعض هؤلاء "النشطاء"(5) الذين يتحركون في "المجال العام" التلفازي" والرقمي. (6) وبعض هؤلاء من يتدربون معهم علي السياسة التي عادت بعض من عناصرها الجزئية والمحدودة بعد 25 يناير 2011 وما بعد-، ويطلق عليهم مجازاً برجال السياسة(7) إدراك شاعري بأنهم يؤدون "العمل السياسي" المطلوب منهم، خاصة أن التلفاز ومواقع التفاعل الاجتماعي، غالباً ما تكون حاملة معها ردود أفعال، ومتابعين للتغريدات، ويقومون بتوزيعها من بعضهم سواء علي تويتر وفيس بوك، أو يعلقون عليها أياً كان نوعية "خطاب التغريدات"- إذا جاز التعبير وساغ- من حيث التحبيذ أو التقبيح، الاتفاق أو الخلاف، سواء أكان "خطاب التغريد" رصيناً أحياناً، أو سوقياً أو بذيئاً في أحيان أخري.
‎الظهور التلفازي يعطي ويولد بعض انطباعات لدي المشاركين. ان تكرار الظهور والمشاركة في البرامج الحوارية، يوزع صورهم وخطابهم علي نطاقات واسعة من المستهلكين، مما قد يحقق لبعضهم من غير المعروفين حضوراً وذيوعاً في المجال العام السياسي وقد يعتقد بعضهم أن ذلك بديل عن الحضور المنظم والحركي والخطابي في إطار الواقع الاجتماعي والسياسي في المدن والأرياف في نطاق أنشطة منتظمة علي عديد المحاور السياسية والاجتماعية من خلال ربط بعض القوي والمصالح الاجتماعية والاقتصادية لهذه المجموعات أو تلك بهذا الحزب السياسي أو ذاك، أو غيرها من الجماعات أو الائتلافات "الثورية".
‎بعض "رجال السياسة" ذ لاسيما ممن خرجوا من أعطاف النظام التسلطي وثقافته وتمثيلاته- يحاولون الربط بين حضورهم الشخصي داخل بعض دوائرهم الانتخابية، وبين حضورهم التلفازي، أو الرقمي.
‎من ناحية أخري يلاحظ أن جماعة الإخوان والسلفيين ومشايخهم وأحزابهم أكثر كفاءة نسبياً في توظيف التلفازي والرقمي سواء في مشاركتهم في البرامج الحوارية- التي تستدعي بعضهم في عديد الأحيان لإعطاء مسحة سجالية وبعض من الإثارة السياسية أو الدينية التي تؤدي إلي استقطاب عيون وآذان ووجدان كتل جماهيرية واسعة من أنصار هذه الجماعات والأحزاب والمشايخ، كذلك الأطراف الأخري، وهو ما يعطي ذيوعاً لهذا النمط من البرامج والمقابلات.
‎يلاحظ أيضاً أن الإسلاميين السياسيين والسلفيين تنبهوا مبكراً لأهمية الواقع الافتراضي والرقمي في بث خطابهم وفتاويهم وآرائهم السياسية والدينية علي مواقع تم تأسيسها، وتطويرها.
‎إن نظرة علي هذه المواقع تشير إلي دينامية في عملها، وفي سرعة ردود أفعالها علي ما يحدث في إطار السلطة الانتقالية، والأحزاب السياسية المدنية، أو علي مستوي الحراكات السياسية والفئوية في عديد من مناطق البلاد ومحافظاتها، ومدنها. من الأمور اللافتة القدرات التقنية والاتصالية والرقمية للإخوان المسلمين والعاطفين عليهم، في نطاق سياسة خطاب التغريد والدينامية السريعة سواء في حروب التغريدات، أو علي الفيس بوك وتويتر مع عديد النشطاء الآخرين المخالفين لهم سياسياً، بل وفي سرعة الجماعة في التعامل مع وسائل الإعلام الغربية والتركية، لاسيما في أعقاب رحيل الرئيس السابق د. محمد مرسي عن السلطة في أعقاب الانتفاضات الجماهيرية واسعة النطاق بدءاً من 30 يونيو، و 3، 26 يوليو2013، وما بعد.
‎3- أدت تلفزة السياسة إلي تفكك الائتلافات والمجموعات الثورية الجادة التي شارك بعضهم في الانتفاضة الثورية- أو مهدوا لها في الحركات الاحتجاجية أو علي الواقع الافتراضي-، أو هؤلاء الذين ظهروا فجأة، ولا يعرف لهم سابق دور أو مشاركة فعالة في العملية الثورية، وتكاثروا إلي مئات الائتلافات والمجموعات غير الجادة، ولا يعرف من وراءهم من أجهزة الدولة المسماة بالعميقة، أو بعض الجماعات الإسلامية، وعلي رأسها جماعة الإخوان. التفكك بينهم ظهر ومن ثم تراجع حضور هؤلاء في حركة الشارع وحراكاتها واحتجاجاتها، وإنما يظهر بعضهم في بعض الصحف أو التلفاز الرسمي عندما تكون ثمة حاجة لحضور أصوات تنسب "للثورية" داعمة للسلطات الانتقالية علي تعددها، وتحت دعاوي الدفاع عن خطاب المصلحة الوطنية العليا، والأمن القومي، وضرورات الاستقرار- كي تستعيد البلاد عافيتها الاقتصادية -إلي آخر هذا الخطاب الخشبي الممل.
‎إن غالب المجموعات الثورية الشابة الجادة تم استيعاب بعضها في إطار سياسة الدولة العميقة في الاحتواء السياسي للمعارضات الثورية، أو في التمهيد لإزاحة رئيس الجمهورية السابق وجماعة الإخوان المسلمين.
‎أثرت تلفزة السياسة والظهور الإعلامي والرقمي، إلي تزايد خطاب بعضهم الصاخب والبسيط والمتكرر في غالب المشكلات والقضايا إلي حرق بعضهم تماماً، بالنظر إلي ضعف التكوين السياسي المعرفي، وكذلك بالنظر إلي خطابهم التلفازي السطحي، والذي لا يفسر ولا يشرح ولا يحلل شيئاً، بالإضافة إلي صخب هذا الخطاب الشعاري الذي لا يحمل أية آمال أو أساليب للتعامل مع قضايا وإشكاليات ومشاكل المراحل الانتقالية، ناهيك عن رؤي كلية أو قطاعية تمس مستقبل الدولة والنظام والسياسة والقانون والاجتماع في مصر.
‎4- استرخاء الفعل السياسي ودينامياته للقوي المدنية المؤيدة للانقلاب الشعبي- وفق تعبير السيد يسين-، مع دينامية وحركة سياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وأجيالها الشابة، من ناحية أخري غياب رؤية لمواجهة أزمات الاندماج الوطني الذي أصابته شروخ هيكلية تاريخية ذ منذ نهاية عقد الأربعينيات وفي ظل نظام يوليو التسلطي- وتفاقم مع وصول جماعة الإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية السياسية الأخري وأحزابهم إلي صدارة المشاهد السياسية في البلاد.
‎رؤية ختامية:
‎إن ظواهر تلفزة ورقمنة السياسة في بعض مظاهرها وادوارها وانعكاساتها علي العلميات السياسية تبدو جزءاً من تطورات تاريخية تمت في إطار ثورتي الاتصالات والمعلومات والوسائط المتعددة. من هنا قد لا يبدو فيها جديد من هذه الزاوية علي المستوي العالمي أو الكوني لاسيما في البلدان الديمقراطية، العريقة، أو التي يتمتع فيها التعدد السياسي- والديني والعرقي والقومي واللغوي- بحرية الحركة والتنظيم والتعبير السياسي، وقواعد ومقاليد لممارسة العمل السياسي. من ناحية أخري تتوافر لهذه النماذج السياسية الديمقراطية احترام حريات الاتصال والإعلام والرأي والتعبير علي نحو أدي إلي تطور العلاقة بين السياسة والتلفزة والاتصال علي نحو كبير ومتسارع ومكثف في الجدل والتفاعل بينهم.
‎من هنا تبدو سرعة تداخل الطبقات السياسية وزعاماتها وقادتها في الولايات المتحدة وأوروبا، واليابان، في إطار الثورة الرقمية، وحضورهم المجال العام الرقمي الكوني والوطني داخل بلدانهم.
‎الجدل بين الرقمي والتلفازي والمعلوماتي، وبين السياسي والاجتماعي والثقافي بل والجمالي في المجتمعات الأكثر تطوراً في عالمنا تبدو جزءاً من تفاعلات وجدل بين الثورات التقنية علي تعددها وتطورها وتراكماتها وبين السياسة تاريخياً في إطار تطور الدولة القومية وما بعدها، وساعدت علي تشكيل القوميات، وما بعدها، وأثرت علي الأديان والمذاهب والأعراق واللغات والثقافات، انطلاقاً من الجدل الرئيسي بينها وبين السياسة والطبقات السياسية، ومن ثم لم تعد سياسة التلفزة، وتلفزة السياسة ورقمنة السياسة محض أدوات، وإنما لغة وإدراك ووعي رقمي وتلفازي أثر علي الخطابات السياسية والدينية والمذهبية، وشكلت محركاً قوياً وفاعلاً علي السياسة والمجال العام الواقعي / الفعلي، ولغة الاتصال السياسي الأكثر تطوراً.
‎في الحالة المصرية دخلت الطبقة السياسية والأجيال الجديدة الشابة للطبقة الوسطي- الوسطي، وبعض الوسطي- الصغيرة إلي هذا العالم المفعم بالتطورات التقنية علي استحياء في البداية، في ظل نظام تسلطي، وثقافة سياسية تقوم علي الامتثال والإجماع والخضوع والخنوع للحاكم. يمكن القول إن بعض الشروخ انتابت هذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم منذ عقد التسعينيات من القرن الماضي، وتزايدت في العشرية الأولي من القرن الحالي قبل 25 يناير 2011- في أثناء وبعد الانتفاضة الثورية مما أدي إلي تزايد الشروخ وبعض التفكيك في العلاقة التسلطية بين الحاكم والمحكوم في مصر في ظل مواطنة مبتسرة، وتحرر نسبي للسياسة من معتقلاتها، او من موتها الأكلينيكي إلي عودة لا تزال معاقة. من ثم انكسرت بعض حواجز الخوف بعد 25 يناير 2011، وحتي المرحلة الانتقالية الثالثة. لا شك أن بعض التسيس كان ناتجاً عن تفاعل تلفزة ورقمنة السياسة التي أثرت كثيراً علي إدراكات ومواقف الفاعلين والمستهلكين للسلع السياسية واللغوية التي تنتج وتتفاعل في الأطر الرقمية والتلفزية بكل سلبياتها وإيجابياتها لاسيما بين المتعلمين وشباب الفئات الوسطي- الوسطي وبعض الوسطي الصغيرة. ناهيك عن تأثير تلفزة السياسة علي قطاعات جماهيرية وشعبية أوسع نطاقاً وتشكيلاً وتوزيعاً في الفضاء الوطني المصري.
‎إن تلفزة ورقمنة السياسة في مصر فتحت الأبواب أمام عولمة الصور والسلع السياسية والقيم، ومن ثم تربط بين ما هو وطني وداخلي، وبين تطلعات قوي اجتماعية لإحداث تغييرات كبري في السياسة وتفاعلاتها وهياكلها في إطار ديمقراطي وتوق عارم لتحقيق نظام سياسي جديد في البلاد، أياً كانت المقومات البنائية والثقافية التسلطية الموروثة والمستمرة حتي مراحل الانتقال الثلاث.
‎إن السعي إلي ما بعد التسلطية السياسية، لا يزال يحتاج إلي خيال سياسي خلاق، ودأب وعمل سياسي بامتياز، وهو ما يزال يدور في دائرة الآمال السياسية الغائمة في الآفاق المصرية المقامة حتي الآن!.
‎1 - أن ظاهرة "الناشط" عموماً في الحالة المصرية، جاءت في البداية مع بدء تشكل جماعات حقوق الإنسان، ثم الجماعات الدفاعية advocacy groups الأخري في هذا السياق التاريخي، وذلك منذ منتصف عقد الثمانينيات من القرن الماضي يمكن ملاحظة أن بعض الذين بدأوا في عملية تأسيس المنظمات الأولي في مجال حقوق الإنسان، جاء بعضهم ممن سبق أن أطلقنا عليهم "جرحي الحياة السياسية السرية"، أي هؤلاء الذين جاءوا من أصلاب المنظمات الماركسية علي اختلافها- والناصرية. وانغم لهم في نهاية عقد التسعينيات، وأوائل العشرية الجديدة من القرن الحادي والعشرين، بعض عناصر من جماعة الإخوان المسلمين، للاستفادة من هذه القناة في بث خطاب نقد الممارسات الأمنية، والنظام عموماً، وتقديم أفكارهم السياسية، وعرض أنفسهم كجزء من هذه الحركة الحقوقية.
‎بعض هؤلاء جميعاً جاءوا من ثقافة السرية، أو الأحري ثقافة المنظمات السياسية السرية التي سبق أن أطلقنا عليها في عقد الثمانينيات في التقرير الاستراتيجي العربي- القوي المحجوبة عن الشرعية.
‎أن الطبيعة السرية لأنشطة هذه المنظمات، وتكوين الكوادر إيديولوجيا وسياسياً وتنظيماً، نفرض ذاتها علي عضو هذه المنظمات في شركاته داخل التنظيم، وعلاقاته وشبكاته، وخارجه مع الأخرين حتي لا يتم اكتشافهم أو اختراقهم من أجهزة الأمن، أو بعض المنظمات الأخري إلا قليلاً داخل تركيبة اليسار الماركسي في مصر. من ناحية أخري يلاحظ في العلاقات الداخلية لهذه المنظمات احتفاظ بعض القيادات بمعرفة الخريطة الكاملة للهيكل التنظيمي بمختلف مستوياته وكوادره، في حين أن ذلك لم يعرفه عديد الأعضاء. ويلاحظ أن الترقي التنظيمي داخل هذه المنظمات كان يعتمد علي عديد المعايير علي رأسها- إلي جانب بعض الأمور الشخصية بالقيادات العليا-: الانضباط، والكتمان، والقدرة علي تنفيذ المهام التي تناط بهم، والمعرفة بأيديولوجيا التنظيم، وأطرها المرجعية، والتمايز بينها وبين إيديولوجيا وبرامج المجموعات النظيرة، أو من التيارات الأخري من الملاحظ في بعض الأحيان والمنظمات تداخل الذاتي مع بعض المعايير الموضوعية في إدارة هذا النمط من المنظمات الإيديولوجية السرية، أو التي فرض عليها النظام السياسي القانوني التسلطي العمل السري للقيود الأمنية المفروضة عليها مما يضطرها إلي اختيار السرية.
‎أن منطق وأجواء السرية والتقاليد الأمنية داخل هذه المنظمات يفرض بعض من السرية والشك في العلاقات داخل التنظيم، أو في التعامل مع الجماعة الإيديولوجية أو الدينية النظيرة، أو المنافسة علي ذات البني الإيديولوجية والدينية والفكرية.
‎لا شك أن هذا الإطار الت كويني- من حيث الإيديولوجيا ونظامها القيمي- وثقافة التنظيم السري، انتقلت إلي بعض الممارسات داخل بعض المنظمات الدفاعية لحقوق الإنسان علي تعددها، وتنافساتها، وتعاضدتها أثناء الأزمات، في التحالف أو التنسيق أو الدعم المتبادل إزاء بعض الضغوط التي تمارسها بعض أجهزة الدولة الأمنية، أو الاستخباراتية حول أشكال الدعم والتمويل الخارجي، سواء قبل الانتفاضة الثورية في 25 يناير 2011، أو أحداث 30 يونيو، و3 ، 26 يوليو 2013، وتكييف الطبيعة السياسية والقانونية لهذه الأحداث، وعملية تغيير وعزل الرئيس السابق د. محمد مرسي الذي ينتمي إلي جماعة الإخوان المسلمين. هل نحن إزاء انقلاب عسكري، أم ثورة أم انتفاضة، أم انقلاب شعبي ذ وفق السيد يسين- يؤدي إلي لاديمقراطية. يلاحظ تطابق بعض مواقف هذه المنظمات، وبين التكييف الأمريكي- الأوروبي أساساً لأحداث خلع الرئيس السابق محمد مرسي، ومن ثم ربط بعضهم بين مصادر دعم وتمويل هذه المنظمات، وبين التكييف الأورو أمريكي لما وقع ووصفه بالانقلاب العسكري، بما يتوافق مع موقف جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي، وغيرها من الجماعات الإسلامية السياسية الأخري العاطفة عليها، أو المساندة لها. لا شك أن ذلك أدي وسيؤدي إلي بعض التوترات بين هذه المنظمات وأجهزة الدولة الأمنية والاستخباراتية.
‎من الملاحظ أن خطاب حركة حقوق الإنسان الرئيسي الذي تتبناه غالب هذه المنظمات ذ ذو الطابع الإصلاحي والأنسانوي- كان أحد أبرز الخطابات الممتزجة بالإيديولوجيا والسياسة ومن ثم كان أبرز الخطابات الأساسية في المجال العام المقيد- أثناء حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك-، ويجد دعماً وتمويلاً له من المنظمات الغربية والكونية لحقوق الإنسان.
‎من ناحية أخري أدي تداخل بعد إيديولوجيو وحركيو المنظمات اليسارية والناصرية- وبعدهم جماعة الإخوان المسلمين- في عملية تكوين وتأسيس وممارسة أنشطة هذه المنظمات الدفاعية، إلي تحويل خطاب حقوق الإنسان ذ وأجياله المختلفة- إلي إيديولوجيا وإلي منصة سياسية وإيديولوجية في بعض الأحيان كي يمرروا عبرها عن عديد المواقف السياسية، وفي ذات الوقت تحويلها إلي قناع جديد لبعض هذه الشخصيات، وخلفياتها الإيديولوجية، ومواقفها السابقة أو الجديدة. من ثم يمكن أيضاً ملاحظة أن بعض الانقسامات التنظيمية والإيديولوجية السابقة علي نشوء منظمات وحركة حقوق الإنسان، انتقل بعض منها، أو من ---- الإيديولوجية والتنظيمية والذاتية إلي داخل الحركة وإدارتها وعلي بعض أنشطتها. ثمة بعض العاملين في هذا
‎المجال يعملون بمنطق شبه احترافي في ظل تطور تكوينهم المعرفي والمهني رغماً عن بعض الابتسار والتشوش. من ناحية أخري يلاحظ أن بعض العاملين في هذا المجال لا يزالون يشغلون موقع القيادة في هذه المنظمات دونما تغيير في البنية القيادية علي نحو يطرح تساءولاً حول مدي إيمانهم بالقيم والقواعد والتقاليد الديمقراطية في إدارة وتسيير هذه المنظمات الدفاعية، بعضهم الآخر مستمرون لأنهم يقودون جمعيات حقوقية تم تأسيسها كشركات في الجهات المختصة في هذا الصدد.
‎أن مفهوم ناشط حقوق الإنسان- وفق المعاني المعروفة كونياً- بدت غائمة لدي بعض العاملين في هذا الحقل، الذي تحول إلي مهنة لدي بعضهم، ومن ثم تخضع لموجات التغير في قائمة اهتمامات المنظمات الدولية الكبري التي تقوم بتمويل هذه المنظمات، أو بتقديم خدماتها في التدريب، أو في استراتيجيات المناصرة والتشبيك وأشكال الدعم الفني.
‎لا شك أن ثمة دور عام لعبته هذه المنظمات ومنصاتها وأنشطتها في مجال التعريف نسبياً بحقوق الإنسان، في مجال الدفاع ورصد الانتهاكات وفي بث الحساسية بهذه الحقوق في وسط من يمارسون أنشطة المعارضة والدفاع عن حقوقهم إزاء السلطات الرسمية، واتهامات وإجراءاتها واتهاماتها ومحاكمات النظام. تحول العاملين في مجال منظمات حقوق الإنسان إلي جماعة أقرب إلي جماعات الضغط- المدعوم دولياً من نظائرها وأشباهها علي المستوي الكوني-، ومن ثم غام مفهوم الناشط الحقوقي لدي بعض ممارسات بعض العاملين فيها. شارك بعض هؤلاء العاملين، في حركات الاحتجاج السياسي والاجتماعي في مصر لاسيما في حركة كفاية وبعضهم شارك في إطار العملية الثورية في 25 يناير 2011 وما بعد.
‎لوحظ أيضاً أن هذه المنظمات خفت صوتها، ومعها بعض أدوار نشطاءها أثناء العملية الثورة، والمرحلتين الانتقاليتين الأولي والثانية، التي تعرضت فيها هذه المنظمات لهجوم واتهامات قديمة وجديدة من قبل الحكومة في المرحلة الانتقالية الأولي وتعرضت لعديد الضغوط الأمريكية والأوروبية، التي أدت إلي وقت هذه الحملة الرسمية علي هذه المنظمات وأدت إلي الإفراج عن بعض ذوي الجنسية الأمريكية، وخروجهم خارج البلاد
‎ بموافقة المجلس العسكري.
‎ثمة تراجع حدث في أنشطة ودور وحضور المنظمات الدفاعية في قلب المجال العام السياسي خلال المرحلتين الانتقاليتين الأولي والثانية لصالح حضور النشطاء والسياسيين الشاب الذين لعبوا دوراً هاماً من خلال الواقع الافتراضي، والواقع الفعلي مع جماعات 6 أبريل، وكلنا خالد سعيد، ثم بعض شباب ميدان التحرير، وما أطلق عليهم شباب الائتلافات الثورية بعض هؤلاء كان جزءاً من الحركة السياسية والحزبية المصرية، وبعضهم الاخر برز مع الانتفاضة الثورية.
‎بعض مسئولي ومديري وأعضاء المنظمات الحقوقية شاركوا في تأسيس بعض الأحزاب السياسية الجديدة التي تشكلت في أعقاب الانتفاضة الثورية. من هنا لعب بعض هؤلاء دور الناشط السياسي مع تراجع دوره كناشط حقوقي، وبعضهم الآخر دمج بين كليهما لكن مع علو صوت الناشط السياسي الحزبي حتي يكون جزءاً من ظاهرة تلفزة السياسية أو من الفرص السياسية الجديدة المحدودة في المراحل الانتقالية، وهو ما ساهم في عملية تشكل المشهد السياسي الانتقالي، لكي يكون أحد حضوره لاسيما تلفازياً. بعض من لاعبي أدوار الناشط الحقوقي/ السياسي الحزبي، لا يعدو دوره سوي الظهور التلفازي في البرامج الحوارية، أو في الصحف والمجلات من خلال كتابة المقالات الشائعة، أو إعطاء رأي في تحقيقاتها، أو أن يكون جزءاً من ظاهرة المقابلات الصحفية المكتوبة مع الناشط.
‎تحول بعض هؤلاء النشطاء متعددي الأدوار علي الساحة الإعلامية، إلي مهنة جديدة من المهن الذائعة كمقدم البرامج الحوارية/ المرئية. تم تحويل الوظيفة الحقوقية والدفاعية إلي الناشط السياسي الدعوي علي أيدي جرحي الحياة السياسية السرية في ظل نظامي السادات، ومبارك، وهو ما أدي إلي إفراغ المصطلح والدور من دلالته ووظيفته القائمة علي النزعة التطوعية، التي غامت لدي بعضهم، وغابت لدي بعضهم الآخر، وتحولت إلي مهنة ووظيفة احترافية لم تتكامل لديهم مقوماتها من حيث التكوين المعرفي، والرأسمالي الخبراتي، والفكر والسلوك.
‎2 - لا نستخدم الصفة سوقي/ سوقية بالمعني الأخلاقي القدحي، وإنما وصف لاستخدامات اللغة والأوصاف في الخطاب الإعلامي الشعبوي الذي يستخدم من بعضهم في بعض البرامج الحوارية أو الشخصية علي بعض القنوات الفضائية المصرية.
‎3 - سياسة المكان أو سياسة الميادين كجزء من من ظاهرة تلفزة ورقمنة السياسة، أعادت إلي المدن المريفة بعض من حيويتها السياسية القديمة كمركز للسياسة الحديثة والمعاصرة، وفي ذات الوقت استقطبت بعض الكتل الجماهيرية من المجموعات الريفية التي تم استدعاءها وحشدها للاعتصام والتظاهر في بعض عواصم المحافظات، لاسيما القاهرة والإسكندرية، وذلك من خلال وسائل النقل المختلفة كالمايكروباسات وعربات نقل الركاب الخاصة، علي نحو ما قامت به جماعة الإخوان المسلمين، والجماعة الإسلامية والجهاد، والجماعات والأحزاب السلفية، في بعض التظاهرات الكبري كجمعة قاندهار الشهيرة، وغيرها مما سمي بالمليونيات مجازاً في عديد الأحيان، وغيرها من التظاهرات في مناطق متعددة من القاهرة سعياً إلي الوصول إلي ميدان التحرير/ أيقونة الانتفاضة المصرية في يناير 2011، وما بعدها. ومنذ رحيل الرئيس السابق محمد مرسي عن السلطة، تحولت التظاهرات والاعتصامات إلي ميادين أخري في رابعة العدوية بمدينة نصر، والنهضة مصر بالجيزة. أن مظاهر الترييف السلوكي وفي لهجة الهتافات، وفي التعامل مع فضاء الميادين ذكالتحرير- في المأكل والمشرب والمخلفات، وكذلك في استخدام النيل لقضاء حاجة بعضهم... الخ.
‎سياسة الميادين استصحبت معها الترييف السلوكي والإدراكي حول المكان، ومن ثم كانت جزءاً من ظاهرة ترييف السياسة التي سبق أن أشرنا إليها في عديد المناسبات- كتابة وشفاهة -في بعض البرامج الحوارية أو التعليقات التحليلية علي بعض وقائع السياسة المصرية في المراحل الانتقالية لاسيما الأولي والثانية-، والتي تمثل تعبيراً عن غضب الأرياف في مواجهة المدن، والقاهرة تحديداً، وفي بعض أبعادها تعد تعبيراً عن الحرمان الاجتماعي والتهميش السياسي، ومن ثم هي تعبير مكثف عن صوت الأرياف المحجوب في السياسة المصرية تاريخياً.
‎4 - من الشيق ملاحظة أن لغة المساجلات والملاسنات الفظة يتراوح بعضها بين اللغة السياسية، واللغة العامية الشائعتين في الشارع ولغة عربية تنطوي علي أخطاء في استخدام التعبيرات والصفات والمجازات، مع أخطاء إملائية شائعة، وتدل علي تدهور مستوي تعليم ومعرفة اللغة العربية السليمة. إذا تجاوزنا هذه الملاحظة علي أهميتها، يلاحظ استخدام التعبيرات والأوصاف التي توصف بالسوقية والبذاءة التي تصل في بعض الأحيان إلي الفحش لاسيما بين المتساجلين، أو حتي هؤلاء الذين يعبرون عن تعليقاتهم وآراءهم علي بعض القوانين والقرارات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية التي تصدرها السلطة الانتقالية ذ في عديد مراحلها- أو بعض مواقف القوي السياسية "المدنية"- الليبرالية واليسارية والناصرية والقومية المصرية- أو جماعة الإخوان المسلمين وقياداتهم ونشاطهم علي الواقع الافتراضي أو الفعلي، أو خطابات بعض مشايخ الحركة السلفية أو حزب النور، أو غيرهم من قادة الجماعة الإسلامية، والجهاد الإسلامي وحزبيهما. ثم تداخل بين اللغة الدينية والإيديولوجية والسياسية وانتهاكات لهم من خلال استخدام السخرية، أو بعض الألفاظ والأوصاف والإيحاءات الجنسية، والسوقية وبقطع النظر عن التقويمات المعيارية والأخلاقية، إلا أن هذه الاستراتيجية اللغوية العفوية- أساساً- هي تعبير عن الحالة اللغوية والمزاجية/ السياسية السائدة في البلاد، والتداخل بين السخرية والجنس الذي يستخدم في عديد الأحيان للتحقير أو السخرية الشديدة من منظور ذكوري بامتياز وأمتد بعض هذه اللغة الساخرة إلي انتهاك بعض النفاق السياسي والأخلاقي وأنماط التدين الشكلانية التي تمثل تعبير عن نمط من الازدواجية شائع.
‎أن لغة مواقع التفاعل الاجتماعي السياسية والدينية سابقة الذكر، أسقطت بعض من الأقنعة السياسية والدينية- لبعض الفاعلين في المجالين العامين السياسي والديني، ومن ثم بعض الهيبة- المرتكزة علي أساس سلطوي سياسي وديني-، وتحويل بعض هذه الشخصيات والخطابات إلي أحد مراكز القصف اللغوي الساخر. لا شك أن هذه الاستراتيجية اللغوة- العفوية حيناً والمقصودة حيناً آخر- أدت وستؤدي إلي كسر، الحدود بين النخب في السلطة والمعارضة ورجال الدين المحترفين، ودعاة الشوارع أو الطرق، بين "المواطنين" العاديين، أو من المتعلمين، وبين هؤلاء. من ثم سوف ينهدم ما كان يسمي في ظل النظام التسلطي وتقاليده وقواعد عمله- قبل 25 يناير 2011 وما بعده -بالخطوط الحمراء التي لا يجوز انتهاكها. من ناحية أخري بعض القوة والهيبة التي يحاول بعض رجال الدين- أصبحوا هكذا- سواء من المحترفين أو الهواة أن يضفوها علي خطاباتهم الدينية والسياسية وفتاويهم، بل وإشاعة شبه قداسة علي ما يطرحونه من آراء وتأويلات وفتاوي تشكل خطاب ديني إيديولوجي وسياسي وضعي بامتياز تضعها ثمة أيضاً تحرير للمجال العام اللغوي والأحري السوق اللغوي السياسي والديني من قيود وضوابط نخب- في الحكم والمعارضة- فرضت لغة خطاباتها ذات النزعة السلطوية علي لغة الشارع والعامة والمتعلمين. هي ظاهرة تحتاج إلي دراسة لسانية Linguistics وسياسية.
‎5 - مصطلح نشطاء يستخدم هنا وفق المعني الشائع مصرياً، وذلك رغماً عن عدم ]قة المصطلح في بعض الاستخدامات الخطابية الكتابية، أو الشفاهية وليس وفق المصطلح في أصوله وتحولاته في الخطابات المقارنة.
‎6 - المجال العام التلفازي والرقمي أو الافتراضي، ارتبط بثورة الوسائط المتعددة في الاتصال والإعلام والمعلومات.
‎7 - مصطلحات رجال السياسة أو الطبقة السياسية، و النخبة السياسية تستخدم في بعض الكتابات والمشافهات الشائعة كجزء مما سبق أن أطلقنا عليه ظاهرة تشويه المصطلحات واستخدامها علي نحو إنشائي أو تجميلي للغة الخطابات السياسية الشائعة، وليست وفق المعاني والدلالات وتحولات هذه المصطلحات المعروفة في العلوم السياسية، وعلم الاجتماع السياسي. المصطلحات السابقة يستخدمها بعضهم مفترضين أن ثمة مجتمع سياسي مفتوح، وسوق لغوي سياسي حر، ومن ثم تستخدم كبلاغة خطابية وكتابية، ووفق محمولات إيجابية، أو سلبية في بعض الأحيان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.