الإدارية العليا تتسلم طعون نتائج المرحلة الثانية.. وتؤجّل قراراتها لآخر الجلسة    وزير الري: التحديات المائية لا يمكن التعامل معها عبر الإجراءات الأحادية    "الجبهة الوطنية" يفصل مرشحه ل"النواب" عن دائرة أرمنت في الأقصر    رئيس الطائفة الإنجيلية يختتم زيارته إلى الأردن    بنسبة 40%.. «التموين» تنتهي من صرف مقررات ديسمبر.. والمنافذ تعمل حتى 8 مساء    بقيمة 27.7 مليون دولار.. توقيع اتفاقية «أردنية- مصرية» لمشروعات الصرف الصحي    «المشاط»: 48.5 مليار جنيه استثمارات بمنظومة التأمين الصحي الشامل    ارتفاع الاحتياطي الأجنبي لمصر إلى 50.21 مليار دولار بنهاية نوفمبر 2025    وزير قطاع الاعمال :خط الإنتاج الجديد بطاقة 5000 طن شهريًا وتكلفته الاستثمارية نحو 17.5 مليون دولار    البنك المركزي المصري يعلن ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى 50.2 مليار دولار    مسؤولة أممية تدعو لاتخاذ إجراءات لحماية مليوني طفل في جنوب السودان    وزير الخارجية يلتقي نظيره السوري على هامش أعمال منتدى الدوحة    وزير الدفاع الأمريكي يدافع عن ضربات قوارب المخدرات    زيلينسكي يبحث عن ضمانات لحماية الأراضي الأوكرانية ومنع الاعتراف بسيطرة روسيا    انطلاق أعمال مؤتمر المشرفين على شئون الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة للاجئين    كلمة السر فى اقتراب حمزة عبد الكريم من برشلونة على حساب البايرن وميلان    صحة غزة: 6 شهداء و17 إصابة جراء عدوان الاحتلال آخر 24 ساعة    حصاد الجولة الثانية من دور المجموعات ببطولة كأس العرب 2025.. بالأرقام    وزير الرياضة يهنئ محمد السيد بعد تتويجه بذهبية كأس العالم لسلاح الإيبيه    نائب رئيس الزمالك: المجلس يريد استكمال مدته    مصدر بالزمالك: عمر فرج فسخ تعاقده مع النادي منذ فترة    ضبط سائق ميكروباص تعدى على سيدة بالإسكندرية بعد خلاف حول التعريفة    إصابة 4 أشخاص في تصادم سيارتي نقل وملاكي بطريق شبرا بنها الحر    10 سيارات إطفاء لإخماد حريق داخل مخزن سلع تموينية بالبراجيل    ضبط كميات من اللحوم المصنعة منتهية الصلاحية ومختومة بأختام مزورة في بورسعيد    الشك أنهى حياتها فى الصباحية.. الإعدام شنقًا لطالب قتل زوجته بأسيوط    فيديو "الرشاوى الانتخابية" بالمنيل يكشف مفاجأة: مصوّر المقطع شقيق مرشح منافس    كيف أعادت نسمة محجوب إحياء أغاني أم كلثوم في «الست»؟    انطلاق الملتقى الأول للطفل وقوافل المسرح المتنقل بسيوة في أجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع    انطلاق مسلسل حد أقصى ل روجينا وإخراج مايا زكى.. صور    مرض غامض يمنع الشيخ طه الفشن من الكلام.. اعرف الحكاية    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء تجيب    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    حادث في بنها.. صبة خرسانية تسفر عن 8 مصابين بمبنى تحت الإنشاء    رئيس جامعة سوهاج يتحدث عن المبادرة الرئاسية "تمكين" لدعم الطلاب ذوي الهمم    هيئة الرقابة المالية تلزم شركات التأمين بإمساك بعض السجلات    محمد السيد يتوج بذهبية كأس العالم للسلاح بعد اكتساحه لاعب إسرائيل 15-5    وزير الصحة يستعرض تطوير محور التنمية البشرية ضمن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    المجلس الأعلى لشئون الدراسات العليا والبحوث يعقد اجتماعه الدوري    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة والعظمى 20 درجة    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 7 ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    وزير الصحة يعلن اليوم الوضع الوبائى لإصابات الأمراض التنفسية    مستشفى كرموز تجح في إجراء 41 عملية لتغيير مفصل الركبة والحوض    وزارة الصحة توضح أعراض هامة تدل على إصابة الأطفال بالاكتئاب.. تفاصيل    تعليمات من قطاع المعاهد الأزهرية للطلاب والمعلمين للتعامل مع الأمراض المعدية    هل تعلم أن تناول الطعام بسرعة قد يسبب نوبات الهلع؟ طبيبة توضح    مواعيد مباريات اليوم الأحد 7-12-2025 والقنوات الناقلة لها    الخشت: تجديد الخطاب الديني ضرورة لحماية المجتمعات من التطرف والإلحاد    الشرع: إقامة إسرائيل منطقة عازلة تهديد للدولة السورية    نائب ينتقد التعليم في سؤال برلماني بسبب مشكلات نظام التقييم    23 ديسمبر، انطلاق المؤتمر الدولي الأول لتجارة عين شمس "الابتكار والتكنولوجيا المالية"    انضم له كبار نجوم الفريق .. محمد صلاح يقود جبهة الإطاحة بسلوت في ليفربول    محمد عشوب: نتمنى تنفيذ توجيهات الرئيس نحو دراما تُعبّر عن المواطن المصري    شجع بلدك.. منتخب مصر يجمعنا من جديد    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    "ولنا في الخيال حب" يفاجئ شباك التذاكر... ويُحوِّل الرومانسية الهادئة إلى ظاهرة جماهيرية ب23 مليون جنيه    رحمة حسن تكشف عن خطأ طبي يهددها بعاهة دائمة ويبعدها عن الأضواء (صورة)    الأزهري يتفقد فعاليات اللجنة الثانية في اليوم الأول من المسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أين الله من قلوبكم؟
نشر في أخبار الأدب يوم 26 - 10 - 2013

في مجموعته القصصية "أين الله" التي اتخذها البعض ذريعة للإرهاب الفكري والتنكيل به وحبسه يحاول كرم صابر أن ينقل لنا مشاعر أهل الريف وتساؤلاتهم. وريفيته تنضح من بين السطور حيث يتكلم عن البراح بحنين ناجم عن الفقد وعن الأرض وحاجتها للراحة مما يشي بمعرفته بالفلاحة وشئونها عن قرب.
وحين تقرأ المجموعة لا يمكنك أن تغفل الروابط بين القصص وبعضها البعض، فتجد شخوصا وحيوانات وأحوالا مكررة هنا وهناك، وكأن كل قصة هي تتمة لأخري سبقتها.
وقد تبدو المجموعة للوهلة الأولي معنية بالشأن الإلهي، ولكنها في حقيقة الأمر معنية بمسألة العدالة الاجتماعية والحرية والحب، وكلها في زعم أبطاله وجوه للإيمان الحق بالخالق. إذ يستهل المجموعة بمناجاة للرب وتلمس رحمته، فأين الإلحاد في ذلك وإن حملت المناجاة بعض العتاب!؟ ألا يكون العتاب من المحب للمحبوب!؟ ثم يستعرض لنا في القصة الأولي "النوم في الصلاة" ثلاثة نماذج من أسرة واحدة يتفاوت لدي كل منهم مفهومه عن الإيمان، فنري البساطة والتسليم بإيمان القلب أولا لدي أم عبد الله، وعلي النقيض منها نجد الالتزام الشكلي بالدين وطقوسه لدي أبي عبد الله، لينتهي الأمر بعبد الله ابنهما منافقا لا يتورع عن الصلاة بغير وضوء، لينتهي به الأمر مفضوحا بالنوم في المسجد أثناء الصلاة.
وينتقل بنا في "لغة الأحاسيس" لقضية أخري وهي الرضا بالمقسوم كإجابة "حاسمة" علي تساؤلات الولد الأخرس الأصم، بيد أن الجدة لا تفتأ تذكره بأنه الأسعد حالا لعدم اضطراره لسماع الأكاذيب أو ترديدها مثل بقية الخلق، في إشارة خفية لعبارة طه حسين الشهيرة عن العمي. وتحرص الجدة علي تعليمه الرقص والتحليق بروحه فوق الخلق وهو الأصم الذي لا يعرف الموسيقي!
ثم ينتقل بنا في "الميراث" إلي قضية المرأة التي يفاخر الإسلام بأنه أنصفها، فيضع علي لسان عواطف والتي صورها ينبوعا للعواطف تساؤلات حول العاطفة في مقابل المادة، لتأتيها الإجابة الجاهزة أن تلك هي حكمته وقولها كفر بمشيئته.
أما "معروف"، ولاحظ هاهنا كيف حرص الكاتب علي اختيار الأسماء معبرة عن الشخصيات بالرمز المباشر الواضح، فنجده يصنع المعروف ويعرف الكثير، ونري حديثه عن فضل الماء مذكرا القارئ بحابي دونما تصريح. وفي ظني أن جريمة المؤلف الحقيقية هي التحريض علي التفكير ومحاولة فهم الإله دون وصاية المفسرين والمبشرين. بل إن معروف لا يتورع عن رمي الصارخين في الجوامع بالكفر والجهل، ورغم ذلك فهم يلجأون له لأنهم يحتاجون علمه لدرايته الواسعة بالفلاحة التي تمثل محورا رئيسيا في المجموعة.
وفي هذه القصة نلمس ميل الكاتب للعدالة الاجتماعية في إشارة بارعة حين نفقت جاموسة معروف في الترعة، فصوب وجهه نحو الغرب ليسب الشيطان الذي طمع في جاموسته، ولكن أي شيطان يعني؟ فلو أنه يوجه كلامه لله لولي وجهه شطر المشرق حيث القبلتين، ولكنه ولاه شطر المغرب حيث تقع الشمس بين قرني الشيطان ليسبه ويتحداه، ولا يفوتنا استحضار عبارة "الشيطان الأكبر" الموصومة بها أمريكا معقل الرأسمالية المتوحشة.
وتمضي رحلة الكاتب في البحث عن الله من خلال الحب في "ورقة المأذون البالية"، فنجد سعاد وفتحي ومعهما الجار وفوقية، ثم سعدية وفتحي وبالمثل معهما الجار وفوقية، وكيف أن المجتمع نفس علي سعاد وفتحي سعادتهما حين لجأ كل منهم للحرام لإنعاش الأرض العطشي للحب، ولينتهي الأمر بسعاد وهي وحيدة مضطرة للعمل في ملهي ليلي لإشباع حاجتها للحب خارج الإطار الشرعي بعد أن أحست بالغبن من فكرة المباح للرجل والمحرم علي المرأة.
والملاحظ في هذه القصص أن الأسلوب أشبه ما يكون بكتب المطالعة إلا أن المواضيع المطروحة شائكة وتثير سلسلة من التساؤلات، وهو موفق في استخدام هذا الأسلوب إذ استحث روح التلميذ بداخلنا ليعلمنا التفكير في المسلمات وإعادة النظر فيها.
وتبقي فكرة الفلاحة وارتباطها بالخلق والخالق واضحة في "الحب الإلهي" التي تتكلم عن حلقة الذكر، والعودة بنا لمقولة ربنا رب قلوب التي جاءت في القصة الأولي، ونجد تشابها بين حجاج ومعروف اللذين يمثلان الفلاح أي المصري، فنشعر أنها تتمة لما سبقها من قصص.
وفي "الشيخ طه" لا نملك إلا أن نتساءل أين عدالة السماء وقد انتهي الأمر بالشيخ منتحرا في المصرف حين رأي اللصوص يسودون الأرض.
ويعود الفلاح معروف ليطل برأسه في "الفقري" التي حملت قدرا من السخرية وخفة الظل، وذكرتنا بحالنا مع ناهبينا.
أما "ست الحسن" والتي احتاط لها الكاتب وصورها في شكل حلم فهي في ظني الذي يقترب من اليقين رمز لمصر وأن الرب الغاضب المتجبر عليها وعلي حسن المقصود به أمريكا، فليست صدفة ولا حشوا أن تكون ست الحسن من المهجرين من السويس، أي أنه يذكرنا من طرف خفي بالعدوان الثلاثي والأطماع التي حاقت بست الحسان مصر. والرب في عرف الكثيرين تعني السيد، فنجد رب البيت ورب العمل الخ. مما يؤكد ألا عدوان علي الذات الإلهية كما حاول أن يصور البعض.
وعلي مدي قصص المجموعة نجد التساؤلات المطروحة كلها تساؤلات مشروعة لا تخرج عن تساؤلات الأطفال، وهي في حقيقتها أقرب لحالة "الطفل يتساءل"، ولكن ثقافتنا ونشأتنا التي درجنا عليها تجعلنا مثل الجد وحفيده الذي يريده أن يصدق في وجود الإله عبر تصديقه بوجود الغولة، ثقافتنا التي تجعلنا ننهر الطفل حين يسأل عن الله وحكمته إذ لا إجابة حقيقية لدينا، وتبقي الجريمة هي السؤال، ليختم الكاتب مجموعته بقصة "أين الله" وهي أقرب للمناجاة والحنين للبراح ولرحمة الله التي سرقها البشر، ليتساءل في لوعة: "من حلل مكاسب التجار، وحرم عي الفلاحين الشقيانين العلاج؟"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.