الكتاب :» باب الخروج« المؤلف: عز الدين شكرى الناشر: الشروق في الأيام الأخيرة لمرسي، زاره أحد الوسطاء في محاولة لاقناعه بالبحث عن حلول للأزمة. لم يكن مرسي يري فيما يجري في مصر أي أزمة.. ولكن سحابة سرعان ما ستمر، وبعد جدل ونقاش سأله الوسيط:سيادة الرئيس هل قرأت رواية اب الخروجب؟ فرد مرسي »آه« فكرّر الوسيط السؤال: اهل قرأت رواية عزّ الدين شكري؟ فردّ مرسي: »لا« عندها، قال له الوسيط: خلاص بقي مفيش فايدة! هذه واحده من الحكايات التي ارتبطت بالرواية التي صدرت بعد 25 يناير، حكاها الكاتب الصحفي عماد الدين حسين ، الرواية التي يتخيل كاتبها الدكتور عزالدين شكري سيناريوهات المستقبل (التي قد تحدث أو لا تحدث) تجاوز نقادها أو معظمهم الحديث عن جمالياتها الفنية، ليتعاملوا معها كأنها بلورة سحرية يمكن النظر فيها لمعرفة ما سيجري، وامتلأت ساحة "التواصل الاجتماعي " بنقاشات لا عن قدرة الكاتب علي التخييل السياسي .. بقدر ما قد يعرفه الكاتب بحكم " منصبه الدبلوماسي؟ ربما كانت هذه النقطة هي مشكلة تلقي هذا النوع من الروايات، أو تعامل البعض معها باعتبارها " بلورة سحرية" ننظر فيها لنري ما يمكن ان يحدث في المستقبل، وخاصة ان كثيرا من احداثها تكررت، وكأننا أمام سيناريو محكم ودقيق. كان مدهشا أن كثيرا من التيارات السياسية حاولت توظيف الأحداث الخيالية في الرواية لتطابق واقعا لم يحدث بعد، حاولت استنساخ الخيال. بعد أن صدر حكم القضاء ضد قتلة " التراس" أهلاوي، اجتموا ليحددوا موقفهم من الحكم. تشاور قادة المجموعة هل يكتفون بالحكم أم لابد من التصعيد. قال أحدهم أن في هذا الحكم إدانة لضابط الشرطة، وهذه هي الادانة الوحيدة لهم بعد الثورة، لكن خرج أحد افراد المجموعة ليقرأ مشهد لقصاص الألتراس من " باب الخروج"..مؤكدا هذا هو الحل. كان المشهد عن الحكومة التي استيقظت في أحد الأيام علي خبر مقتل عدد من الضباط بكوفيات مكتوب عليها شعار الرابطة، اعتراضًا علي صدور أحكام البراءة،لابد من القصاص إذن. عز شكري نفسه أدهشه استخدام روايته في مثل هذا الموقف..كتب علي موقع التواصل الاجتماعي " تويتر" رسالة إلي الألتراس: كان أملي ان تروا في "باب الخروج" مثالاً علي فشل فكرة الانتقام، وعاقبة استدراجكم لدائرة العنف المفرغة، الانتقام لا يفيد، ولن يريحكم حتي لو قتلتم القتلة. هناك طرق لمعاقبة القتلة والمتآمرين خير وأبقي من القتل، هناك طرق تخلد ذكري الشهداء وتحافظ علي حياتكم، وتفضح من شارك وحرض وقتل وتنزل به العقاب - دون أن تلوثوا أيديكم ونفوسكم بالدم". وفي مشاهد أخري تتصاعد " الفتنة الطائفية"..أو يسقط الرئيس " بيومي" الإخواني، وغيرها من أحداث.. وهكذا يتحول الخيال إلي واقع أحيانا، بل يسبق الواقع الخيال بدرجات. لكن السؤال الأهم : ماذا لو أن بعض احداث الرواية لم يتكرر في الواقع؟ هل سينقص ذلك من أهمية الرواية؟ ربما قبل الإجابة علينا أن نطرح سؤالا آخر: هل ما فعله "علي" بطل رواية " باب الخروج" للروائي المصري عز الدين شكري يعد خيانة للوطن؟ ربما كان السؤال واحدا من الأسئلة الهامة التي تطرحها الرواية التي صدرت عن دار الشروق. في مشهدها الأخير يقرر بطلها مترجم الرئاسة إبلاغ الإدارة الأمريكية عبر صديقة له عن اعتزام قيادات مصرية استيراد شحنة رؤوس نووية ستوجهها لتدمير إسرائيل. ورغم أن البطل يسرد في رسالة طويلة لأبنه (هي الرواية) مبرراته لقيامه بهذا القرار " الحكيم" إلا أنه كان يتوقع أيضا عواقب قراره:" حين تصلك رسالتي هذه بعد يومين بالضبط من الآن، سأكون سجينا أو جثة. وإما سيقولون لك إن أباك مات بطلا، وإما ستقرأ في الجرائد نبأ خيانتي الكبيرة والقبض عليَ. أنا الذي شاهدت بأم عينيَ صنوف الخيانة كلها سيرمونني بدائهم وينسلون كما فعلوا من قبل عشرات المرات". ربما كانت أهمية رواية شكري انها تحرر المفاهيم القديمة من صياغاتها المتعارف عليها، صياغات إبراء الذمة المريحة، تطرحها في إطارها الأوسع. ربما في طموحها الأهم أنها رواية بحث عن إجابات جديدة للأسئلة القديمة. ما الخيانة؟ ما الوطنية؟ متي يمكننا أن نصف شخصا بأنه خائن أو متي يمكن أن نصفه بالوطنية؟ هذا النوع من الأسئلة هو مركز حكايات الرواية المتشابكة والمعقدة. وهل كانت الثورة سوي محاولة لتحرير اللغة والخيال من قيودهما..والإبحار بعيدا عن " الصياغات المريحة". باختصار هل نحن أمام " مغامرة فنية" أم مغامرة سياسية؟ تنتمي " باب الخروج" إلي ما يمكن تسميته رواية "التاريخ البديل" وهو مصطلح نقدي ظهر لتوصيف اعمال فنية تتناول " التأريخ للمستقبل" ولكن لا تنتمي هذه الأعمال إلي " الخيال العلمي"..وكان الأديب الإنجليزي جاك لندن من أشهر من كتب هذا النوع من الأدب وخاصة روايته " غزو لا مثيل" التي صدرت عام 1914 وتتناول احداث حرب تقع بين الغرب والصين عام 1975، وتنتهي بإبادة كاملة للصينين. كما كتب ج. ه ويلز عام 1933 روايته " شكل الأشياء القادمة " والتي يحددها ويلز بأنها مذكرات دبلوماسي سابق يدعي فيليب يتنبأ فيها بما سيمر به العالم من أحداث وصولا إلي العام 2106، ولإضفاء الاحساس بالواقعية يستخدم ويلز في الرواية مراجع تاريخية ( متخيلة) وينقل عن مؤرخين في القرن العشرين شهدوا حروبا ستقع بين المانيا وبولندا في الأربعينات، وبين فرنسا وروسيا، وكما تتأسس شرطة جوية مهمتها مطاردة المتدينين، وهدم أماكن العبادات والإبقاء فقط علي بعض المباني ذات الطرز المعمارية المتميزة من كنائس ومساجد، يحدث في العالم ما يسميه صاحب "سفينة الزمن" " ديكتاتورية الهواء" والمفارقة أن شيئا مما تنبأ به ويلز لم يتحقق حتي الآن ولكن ظلت الرواية كقيمة فنية تطرح سؤال الدين في حياة الإنسان. علي هذا المنوال يمكن اعتبار رواية شكري هي " الثورة التي لم تقع بعد" او رواية " الحكاية كوهم " وهي تقنيات ما بعد حداثية في مقابل تقنيات الحداثة التي استخدمتها رواية أخري تؤرخ لثورة حدثت وانتهت بالفعل. واقصد " ثلاثية" نجيب محفوظ..التي تعتبر هي رواية ثورة 19 بإمتياز. محفوظ كتب روايته في أوائل الخمسينيات، وأصدرها عام 1956- 1957.. وتناولت فترة زمنية امتدت من عام 1917 وحتي 1944 كانت رواية عن " الثورة التي كانت"، كانت عن عالم يتلاشي ويحل محله عالم آخر، رواية محفوظ جاءت بينما تنشأ دولة الضباط الأحرار بعد انقلاب عسكري أو ثورة في نظر البعض..تتناول سيرة حياة أسرة السيد احمد عبد الجواد ومصائر شخصيات العائلة وتقاطعاتها. وينهي محفوظ روايته بحفيدي السيد عبدالجواد الذي ينتمي احدهما إلي جماعة الإخوان، وينتمي الآخر إلي " اليسار المصري"... إذن نحن أمام رواية حنين لعالم يتبدد ويغيب تحت معاول عالم آخر، بينما يكتب عز شكري روايته في لحظة افول دولة "الضباط" التي أقلقت محفوظ، يكتب فيها سيرة فرد ومصيره وهواجسه، هي رواية "محاكمة" إذن لا "حنين"، يطلق فيها العنان لألعاب المخيلة، ويصبح فيها التاريخ مجرد وقائع فلسفية. كان شكري إذن علي وعي تام بأنه يكتب تاريخا لم يحدث، وثورة لم تأت بعد.. ليس مهما الأحداث ولا مطابقتها للواقع، لسنا أمام حدوتة سياسية، بل أمام خيال صرف قد يطابق الواقع لصدفة خاصة، وقد ينفصل عنه تماما..هذا الوعي هو الذي جعل شكري يكتب رؤاه للثورة في كتاب آخر نثري بعنوان " في عين العاصفة"..ويكتب شهادته عما جري من وقائع كشهادة بعنوان " ثلاثية التحرير"..لكن الرواية شيء آخر، مختلف بالقطع، عالم مستقل بذاته فيها الكتابة مجرد " اقتراح" فني قد يكون بلا وصاية او رسالة محددة، وإنما يمكن للقارئ أن يحدد الرسالة التي يصل إليها. هذا الوعي هو الذي جعل البطل يكتب رسالته/ روايته مدركا ما فيها من نقائص، محددا للقاريء العيوب الفنية التي يمكن أن يقابلها وهو يقرأ النص. يكتب علي لأبنه في الصفحة الثانية من الرواية:" ستجد رسالتي مشوشة بعض الشيء، ومؤكدا انني سأكرر بعض الأشياء، واطيل حين تظن أن عليَ الإيجاز، وأوجز حيث ينبغي الإطالة، سامحني لو كان الوقت يسمح لكنت راجعت هذا الخطاب بعد إنهائه، شذبته لكي يصبح نصا متماسكا منمقا كما اعتدت أن أفعل..ولكن لم يعد هناك وقت لأي من هذا..". هذا الوعي هو الذي يصنع الرواية ويجردها من كونها خطابا سياسيا..لتصبح سؤالا مفتوحا حول القيم الجديدة التي ينبغي أن تطرحها الثورة. وبالتالي سنجد أنفسنا امام "أبواب" للخروج لا باب واحد.. وعلي القاريء أن يختار الباب الذي يريحه.