وائل عبد الفتاح لماذا يحرمون؟ لان هذه سلطتهم. يريدون تعميم خطاب الفقهاء ونظرتهم علي كل المجالات. الادب الفن ذائقة ، لكنه هدف في الحرب علي السلطة. هي لغة سلطوية لا تتذوق ..هذا ما افهمه من تكرار استدعاء نجيب محفوظ كلما شعر الاسلاميون بقوتهم. انه رمز و روايته " اولاد حارتنا" تفاحة الادب المحرمة. شخصيا لا احبها من بين روايات نجيب محفوظ ، ولا اعتبره كاتبي المفضل ، ربما احب اقتراب يوسف ادريس الخشن من عالمه ، او لمسات ابراهيم اصلان الحذرة المتوترة ، نجيب محفوظ هو مهندس في الصنعة ، و استاذ في مدرسة تعليم الخطوط. نجيب محفوظ كتب »أولاد حارتنا« بعد 5 سنوات من التوقف. هي اول رواية يكتبها بعد ثورة يوليو. انتهي من كتابه الثلاثية في 1952 ولم يجد ما يكتبه بعد أن تحقق التغيير الذي كان يسعي اليه من خلال نقد المجتمع المصري في رواياته. بعد اربع سنوات في كتابه الثلاثية.. وغروب نظام الملك وشروق امل جديد بوصول موديل الضباط الأحرار إلي السلطة.. سأل نجيب محفوظ نفسه : ماجدوي الكتابة الآن ؟! تزوج سنة 1954 وبحث عن مهنة تدر اموالاً اكثر.. سجل اسمه في قوائم كتاب السيناريو بنقابة السينمائيين.. وظن انه انتهي كروائي. لكن في 1957 شعر نجيب محفوظ بدبيب غريب يسري في اوصاله (كان نظام الجنرالات في عز سطوة فكره المستبد العادل والديكتاتور المخلص العارف بكل شيء.. وهو ما فجر اسئلة كثيرة في اوساط الثقافة والسياسة).. »أولاد حارتنا« كانت اول اسئلة نجيب محفوظ علي انبياء الثورة.. محاولة لاستخدام تاريخ البشرية من الحكايات الكبيرة (عن الأنبياء وغيرهم)في فهم مايحدث في مصر.. ابطال هذه الحكايات (بعيدا عن رسالتهم الدينية).. هم من وجهة نظر مجردة.. سعاة إلي الحق والخير والعدل.. .كل بطريقته وحسب زمنه وتبعا لتكوينه الشخصي.حكاية كل بطل تكشف عن جانب من تاريخ الحارة التي يمكن أن تعتبرها الكون.. او مصر.. لكنهم مثل شخصيات في درس فلسفي يشرح كل منهم جانبا من جوانب مشكلة الإنسان في الحياة. وهذا سر جاذبية الحكايات الكبيرة لروائي مغرم بفهم قوانين المجتمع المصري.. وكما قال مرة في أحد حواراته إن: »المقصود من الرواية هو تصور ماذا سيفعل الأنبياء لو نزلوا حارتنا.. من هنا بدأت كتابة روايتي الكبيرة »أولاد حارتنا«.. وهي التي تصور الصراع بين الأنبياء والفتوات.. كنت اسأل رجال الثورة هل تريدون السير في طريق الأنبياء أم الفتوات؟ فقصة الأنبياء هي الإطار الفني ولكن القصد هو نقد الثورة والنظام الاجتماعي الذي كان قائما«. هذا الفهم اكبر واكثر قيمة من البحث عن تفسير لرموز الرواية علي طريقة فوازير رمضان. اعتبار أن الجبلاوي الساكن في البيت الكبير والذي لا يراه احد من سكان الحارة هو الله. وادهم هو ادم. وجبل هو موسي. وقاسم هو النبي محمد. ربما يكون صحيحا أن كل شخصية في الرواية تستوحي تفاصيل من حياة وتركيبة كل نبي. لكنها ليست رواية عن الأنبياء. هي رواية عن ابطال يعيشون في خيالنا.ابطال تروي قصصهم علينا ونحن اطفال. يتحولون إلي اساطير تصارع شياطين الظلم والفساد والشر. ويمكن لروائي مثل نجيب محفوظ (مغرم بالفلسفة وطريقتها في النظر إلي العالم بل انه فكر في اول ايامه بعد التخرج في تكملة حياته في دراسة الفلسفة) أن يتخذ من قصص الأنبياء وغيرهم من ابطال خيالنا مسرحا لمناقشة فكرة بسيطة إلي متي يتحمل الناس في الحارة البغي والظلم. والأهم من فكرة الاستفادة من قصص الأنبياء هو انحياز نجيب محفوظ إلي »عرفة« (والاسم كما يبدو مستلهم من فكرة المعرفة).. وهو في الرواية رمز العلم.. الذي كانت الفلسفات الحديثة تقدمه في الخمسينيات علي أنه »الدين الجديد«.. وهو يتصارع حسب خريطة الرموز مع الأبطال الآخرين.. وهذا ما يجعل محفوظ وهو ينحاز إليه يضيف إلي قدراته ميزة أخري وهو الجمع بين العلم والإيمان.. وبين التعرف علي العلم الحديث والمعرفة بخبرات العطار القديم.. »عرفة« حسب بناء الرواية كان أقرب »أنبياء حارتنا« إلي نجيب محفوظ. هذا ما يمكن أن نناقش فيه نجيب محفوظ. نناقشه لا أن نكفره. او نشتمه باعتباره مؤلف رواية تمنح سلطة للاسلاميين علي الادب.