وزير العمل والأكاديمية الوطنية للتدريب يبحثان تعزيز التعاون في الملفات المشتركة    تحالف الأحزاب يدفع بمجموعة من المرشحات في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ    وزير التعليم يبحث مع وفد الوكالة الألمانية سبل تعزيز التعاون    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال إنشاء مجلس مدينة السنبلاوين والممشى الجديد    نقيب المحامين يترأس جلسة حلف اليمين القانونية للأعضاء الجدد بنقابة المنوفية.. ويطالبهم بالتسلح بالفكر والعلم    النفط في عين العاصفة.. تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل يشعل الأسعار    صور | إيران وإسرائيل.. موجة نزوح واسعة للمدنيين مع تجدد القصف المتبادل    بوكا جونيورز يواجه بنفيكا في صدام مرتقب بكأس العالم للأندية 2025    الاتحاد السكندري يعلن استقالة محمد مصيلحي من رئاسة النادي بشكل نهائي    على طريقة ريا وسكينة.. إحالة تاجر فاكهة للمفتى لقتله شخص بقطعة قماش بشبين القناطر    ضبط المتهم بالشروع في قتل طالب بدمياط    أمين الفتوى يوضح حكم الجمع بين الصلوات في السفر    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    البنك التجارى الدولى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بجلسة الاثنين    وزيرا الشباب والعمل يشهدان احتفال مرور 10 سنوات على انطلاق «مشواري»    تقرير يكشف موعد خضوع فيرتز للفحص الطبي قبل الانتقال ل ليفربول    تطبيق صارم للمواعيد الصيفية لفتح وغلق المحلات.. وتشكيل لجان فرعية للمتابعة    التضامن تعلن تبنيها نهجا رقميا متكاملا لتقديم الخدمات للمواطنين    تفاصيل القبض علي المتهم بتقييد نجلته وسحلها بالشارع في حدائق أكتوبر    وزير الثقافة يشارك في إزاحة الستار عن "استديو نجيب محفوظ" بماسبيرو    إلهام شاهين توجه الشكر لدولة العراق: شعرنا بأننا بين أهلنا وإخواتنا    مجانا حتى 21 يونيو.. فرقة بني مزار تقدم "طعم الخوف" ضمن عروض قصور الثقافة    توقيع بروتوكول الشراكة بين اسوان والهيئة العامة لقصور الثقافة    افتتاح توسعات جديدة بمدرسة تتا وغمرين الإعدادية بالمنوفية    إيران تعلن إسقاط 3 طائرات مسيرة إسرائيلية    رئيس جامعة القاهرة يستقبل رئيس المكتب الثقافي الكويتي لبحث التعاون ودعم الطلاب الوافدين    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    الجامعة الألمانية تنظم ورشة عمل مع هيئة الدواء والمهن الطبية عن اليقظة الدوائية    رئيس جامعة المنوفية والمحافظ يدشنان قافلة طبية متكاملة بمنشأة سلطان    بعد عيد الأضحى‬.. كيف تحمي نفسك من آلالام النقرس؟    وفود دولية رفيعة المستوى تتفقد منظومة التأمين الصحي الشامل بمدن القناة    أردوغان: تركيا مستعدة للوساطة بالمفاوضات النووية بين أمريكا وإيران    اليوم .. محاكمة 15 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية في مدينة نصر    تخفيف عقوبة 5 سيدات وعاطل متهمين بإنهاء حياة ربة منزل في المنيا    سفير إيران لدى الكويت: لسنا بصدد توسيع الحرب ولن نتوانى في الدفاع عن سيادة بلادنا بحزم    تصنيف الاسكواش.. نوران جوهر ومصطفى عسل يواصلان الصدارة عالمياً    نائب رئيس هيئة الرقابة المالية: 75 مليون جنيه للتأمين الطبي و15 مليونا ضد الأخطاء المهنية    إسرائيل تستعد لإطلاق رحلات جوية لاستدعاء العسكريين والعاملين في الصناعات الدفاعية من الخارج    إيراد فيلم ريستارت فى 16 يوم يتخطى إيراد "البدلة" في 6 شهور    المصرف المتحد سابع أكبر ممول لإسكان محدودي ومتوسطي الدخل ب3.2 مليار جنيه    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    شوبير يكشف سبب تبديل زيزو أمام إنتر ميامي وحقيقة غضبه من التغيير    أحمد السقا يرد برسالة مؤثرة على تهنئة نجله ياسين بعيد الأب    الدخول ب 5 جنيهات.. 65 شاطئًا بالإسكندرية في خدمة المصطافين    مراسلة القاهرة الإخبارية: صواريخ إيران تصل السفارة الأمريكية فى تل أبيب.. فيديو    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    أسعار الفراخ اليوم.. متصدقش البياع واعرف الأسعار الحقيقية    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    وزارة التعليم: ليس ضروريا حصول الطالب على نفس رقم نموذج الأسئلة بالثانوية    الرئيس الإيراني: الوحدة الداخلية مهمة أكثر من أي وقت مضى.. ولن نتخلى عن برنامجنا النووي السلمي    إصابة 3 أشخاص بطلقات بندقية فى مشاجرة بعزبة النهضة بكيما أسوان    إعلام إسرائيلى: تعرض مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب لأضرار جراء هجوم إيرانى    إيران تنفذ حكم الإعدام فى مدان بالتجسس لصالح إسرائيل    "عايزة أتجوز" لا يزال يلاحقها.. هند صبري تشارك جمهورها لحظاتها ويكرمها مهرجان بيروت    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أديب نوبل وجد في الصوفية الاشتراكية حلاً لمشكلة المصير الإنساني
نشر في القاهرة يوم 13 - 12 - 2011

في بدايات عام 1972 أعلن الرئيس السادات أن عام 1972 هو عام الحسم لقضية الصراع العربي الأإرائيلي، وخاصة فيما يتعلق باحتلال اسرائيل لشبه جزيرة سيناء المصرية. وانتظر الشعب حتي قرب عام 1972 علي الانتهاء، وبدأت الأصوات تعلو هنا وهناك.. حتي خرج السادات علي الشعب المصري خاصة، والشعوب العربية بل والعالمية عامة بحجة واهية لم يقتنع بها الناس - كل الناس - وهي أن هناك حربا بين باكستان والهند.. والدول الكبري ذات التأثير في مشاكل وقضايا العالم، وخاصة أمريكا والاتحاد السوفيتي، مشغولة في حل المشاكل بين الهند وباكستان حتي لا تقوم الحرب بينهما أو علي الأقل.. توقف تداعياتها الخطيرة في وقت مبكر من لحظة اندلاعها. لهذا توقف عن حسم المشكلة. في ذلك الوقت قام عدد من المثقفين (حوالي مائة أوأكثر) بكتابة عريضة يطلبون فيها من السادات مجموعة من المطالب من أهمها اعلان الحرب علي اسرائيل لاسترداد الأرض المغتصبة في سيناء وعودة الكرامة للجندي المصري خاصة، والشعب المصري عامة. وكان نجيب محفوظ من بين الموقعين علي هذه العريضة مع توفيق الحكيم ولطفي الخولي وغيرهم من كبار المثقفين وأصحاب القلم والفكر في مصر وكان نجيب محفوظ في ذلك الوقت يعمل كاتبا بالأهرام بعد إحالته إلي المعاش عام 1971. كان هذا الموقف يمثل الالتزام للأدب.. وعدم الانحيازللسلطة، رغم ما كان يمثله ذلك من خطر عليه وعلي كل الموقعين علي هذه العريضة، ولكن الرئيس السادات بحنكته السياسية وخبرته لم يتعرض لأي أحد منهم.ولكنه وجه لهم عتابا بعد ذلك وعلي ما أذكر بعد الانتصار في حرب أكتوبر 1973. ويقول نجيب محفوظ عن معني الالتزام لديه انه الشيء الذي نمارسه بطبيعتنا، ونظن اننا نحتاج إلي توجيه أوتعليم. اما الموقف الثاني.. وهوعكس الموقف الأول حيث الأاحياز للسلطة من أجل هدف قومي كبير رآه نجيب محفوظ واقتنع به. فبعد زيارة الرئيس للقدس في نهاية عام 1977، حيث تصورت الجماهير المصرية في معظمها أن هذه الزيارة هي بداية الطريق إلي السلام والاستقرار والرخاء والخلاص من الاحتلال. خاصة أن اسرائيل لم تخرج تماما من سيناء بعد حرب أكتوبر 1973، ثم كانت اتفاقية" كامب ديفيد" في سبتمبر1978، وبعدها اتفاقية السلام مع اسرائيل في مارس 1979 والتي انقسم الشعب المصري فيها إلي مؤيد ومعارض.. وكان نجيب محفوظ من بين مؤيدي الزيارة والمعاهدة.. وأعلن ذلك صراحة. وكان من نتيجة ذلك.. قيام ما سمي جبهة الصمود والتصدي بزعامة العراق وصدام حسين، واليمن وسوريا وليبيا وحتي الفلسطينيين. ووقعت القطيعة والتباعد بين هذه الدول العربية، ودول عربية أخري من آسيا وأفريقيا.. وإزاء موقف نجيب محفوظ الذي يعبر عن الانحياز للسلطة ولكن من أجل هدف قومي كبير رآه واقتنع به كما قلت..منعت هذه الدول التعامل مع محفوظ ومنعت كتبه كلها من دخول أراضيها. بل تجاوز المنع إلي مفكرين ومثقفين وكتاب وصحفيين آخرين. كان هذا الانحياز للسلطة.. ليس لهدف شخصي يتعلق به، وإنما لهدف قومي يتعلق بالوطن. فالوطن بكل ما فيه من شخوص وأماكن، كان في قلب ووجدان وعقل وفكر نجيب محفوظ.. عبر عنه كثيرا في معظم كتبه..من قصص وروايات ومسرحيات. فكان الإنسان المصري هومحور عمله الروائي.. وكان المكان وخاصة الحارة والحي الشعبي هو مسرح أحداث قصصه ورواياته. هذا هو نجيب محفوظ.. ابن البيئة والوراثة.. ابن مصر. كتبه... وإبداعاته تعددت وتنوعت ابداعات نجيب محفوظ.. بين عدة مجالات أهمها: المقال، القصة القصيرة، الرواية المسرحية، السيناريوالسينمائي . أ- المقال.. بدأ نجيب محفوظ ابداعاته الأدبية بالمقال والقصة القصيرة، وليس بالرواية، حيث نشر له أول مقال عام 1930 وهوطالب في قسم الفلسفة بكلية الآداب. وفي احصاء أعده الدكتور عبدالمحسن بدر عن عدد المقالات التي نشرها محفوظ في الفترة من عام1930 وحتي عام 1946 وجد انها حوالي 46 مقالة في مختلف مجالات العلم والمعرفة وخاصة العلوم الإنسانية. ولم يتوقف محفوظ عن كتابة المقال كما تطلب الأمر ذلك، بالرغم من استمراره في كتابة القصة والرواية. وتنوعت مقالاته إلي مختلف الموضوعات الإنسانية. وقام بعض الناشرين بتجميعها في كتب تحمل عناوين متعددة تشير إلي أهم ما تتضمنه هذه المقالات. وهذه الكتب التي تتضمن مقالاته هي: حول الدين والديمقراطية - حول الشباب والحرية- حول الثقافة والتعليم -حول التدين والتطرف- حول العدل والعدالة - حول التحرر والتقدم - حول العلم والعمل - حول العرب والعروبة ويقول بعض النقاد انه هو الذي اقترح علي الناشر أن يسيق عنوان الكتاب كله" حول" فأخذ الناشر بذلك. القصة القصيرة بالرغم من أن نجيب محفوظ بدأ ابداعه الفني الروائي بالقصة القصيرة، الا أن هناك بعض النقاد يقولون إنه بدأ بكتابة الرواية، ولما لم يتمكن من نشرها. التقط بعض المواقف أو الموضوعات منها وصاغها في قصة قصيرة استطاع أن ينشرها وخاصة في المجلات المتخصصة في بداية الأمر مثل" المجلة الجديدة" . ويقول الكاتب د / علي شلش.." إن بعض هذه القصص يكاد يكون هيكلا عظمياً لروايات قدمها نجيب محفوظ بعد ذلك" ويقول د / عبد المحسن بدر" لعل أخطر ما يميز هذه المجموعة من قصص نجيب محفوظ الأولي يتمثل في سيطرة الطابع التجريبي.. فهي في غالبيتها تمثل روايات طويلة اختصرها في قصص قصيرة." وعلي كل حال.. فقد أحصي النقاد قصصه القصيرة في مجموعات كما يلي:- همس الجنون 1948- بيت سيئ السمعة 1965- خمارة القط الأسود 1969- تحت المظلة 1969 - حكاية بلا بداية أونهاية 1971- شهر العسل 1971- الجريمة 1973 - الحب فوق هضبة الهرم 1979- الشيطان يعظ 1979- رأيت فيما يري النائم 1982- صباح الورد 1987- الفجر الكاذب 1988- أمل الهوي 1988- القرار الأخير 1997- صدي النسيان 1998. الرواية وجد نجيب محفوظ في الرواية مجالا خصبا للتعبير عن آرائه وأفكاره الفلسفية، فهو يقول" وبينما نجد في كل شكل فني مجالا محدودا للتعبير لا يستطيع الفنان أن يتجاوزه، فإن الرواية لا حدود تحدها.. فهي شكل فني لا نظير له" ، وهكذا ترك محفوظ المقال والقصة القصيرة، واتجه إلي الرواية فكتب وأبدع فيها حوالي 37 رواية.. إلا أنه بدأ بترجمة رواية باسم" مصر القديمة" من تأليف" جيمس بيكي" وكان ذلك عام 1932.. ثم توالي إبداعه الروائي في الاجتماع والاقتصاد والسياسة وعلم النفس، والدين وغير ذلك من العلوم الإنسانية..التي كان الإنسان محورها.. والحي الشعبي مسرحها.. والفكر الفلسفي محركها. وهي كما يلي: مصر القديمة تأليف جيمس بيكي (ترجمة عن الإنجليزية) (1932)- عبث الأقدار (1939)- رادوبيس (1943) - كفاح طيبة (1944) - خان الخليلي (1945) - القاهرة الجديدة (1946) 7- زقاق المدق (1947) - السراب (1949) - بداية ونهاية (1951) - بين القصرين (1956) - قصر الشوق (1957) - السكرية (1957) - أولاد حارتنا (1959)- اللص والكلاب (1961) - السمان والخريف (1962)- الطريق (1964) - الشحاذ (1965) - ثرثرة فوق النيل (1966) - ميرامار (1969) - المرايا (1971) - الحب تحت المطر (1973)- الكرنك (1974) - حكايات حارتنا (1975) - قلب الليل (1975) - حضرة المحترم (1975) - ملحمة الحرافيش (1977) - عصر الحب (1980) - أفراح القبة (1981) - ليالي ألف ليلة وليلة (1982) - الباقي من الزمن ساعة (1982) - أمام العرش (1983) - رحلة ابن فطوطة (1983) - التنظيم السري (1984) - العائش في الحقيقة (1985) - يوم مقتل زعيم (1985) - حديث الصباح والمساء (1987) - صباح الورد (1987) - قشتمر (1988). المسرحية كتب حوالي سبع مسرحيات من ذات الفصل الواحد، خمس منها في مجموعة" تحت المظلة" وهي: يميت ويحيي- التركة - النجاة - مشروع للمناقشة - المهمة. ومسرحيتان في مجموعة" الشيطان يعظ" وهي: الجبل - الشيطان يعظ كما يوجد بعض المسرحيات التي تم اعدادها عن قصص أوروايات له من أهمها: زقاق المدق، بداية ونهاية، الجوع، حارة العشاق. السيناريو السينمائي قام نجيب محفوظ باعداد عدد من سيناريوهات الأفلام السينمائية بعد أن تعلم كتابة أو فن السيناريو علي يد المخرج صلاح أبوسيف وهي تبلغ حوالي 25 سيناريوأولها فيلم" المنتقم" وهناك من يقول إن أول فيلم هو.." مغامرات عنتر وعبلة" . عام 1948، أما آخر فيلم فهو"وكالة البلح" عام 1983. ومن أهم سيناريوهات هذه الأفلام فيلم" الناصر صلاح الدين" عام 1963. كما يوجد حوالي 20 فيلما أعدها آخرون عن قصصه ورواياته منها" بداية ونهاية" و"اللص والكلاب" و"الكرنك" و"بين القصرين" وميرامار" . ويجب أن نضيف في النهاية ابداعاته في آخر ايامه والتي أملاها علي بعض محبيه وتلاميذه.. وهي ما سماها:"أحلام فترة النقاهة" وهي تبلغ حوالي 70 حلما. وضع فيها حصاد العمر في كلمات. ويجب أن نشير ايضا أن بعض قصصه ورواياته قد ترجم إلي العديد من اللغات الأجنبية، كما أن بعض الكتب العربية والأجنبية قد كتبت عنه.. حررها مصريون وعرب وأجانب، كما أعدت بعض الرسائل العلمية كالماجستير والدكتوراة عنه. هذا هو نجيب محفوظ.. صاحب نوبل 1988.. وآخر عظام الرواية المصرية، والتجسيد الرائع لوطنه.. مصر تراثا وثقافة وحضارة.. بل وحياة. ليس فقط لمصر.. وإنما للعالم العربي واللغة العربية. آراؤه وأفكاره يقول نجيب محفوظ.. أي رواية هي مجموعة من السلوك، وأي سلوك هو حركة أخلاقية، فلا يخلو أدب من أخلاق معينة. احيانا يكون الأديب مؤمنا بمجتمعه فيحكم بالطريقة التي يختارها علي شخوصه، تبعا لأخلاقيات جاهزة يؤمن بها. وهناك من يقترب من قيم جديدة، وقد تبدو لذلك روايته غير أخلاقية، أو أنها جمالية بحتة، علي حين أنها تبشر ضمنا بأخلاق جديدة. الالتزام والتنظيم والجدية.. هي مبادئ ليست فقط.. كأسلوب في الحياة، ولكن ايضا في التعامل مع القصة أو الرواية.. وحتي مع أحداثها.. وايضا مع شخصياتها. يقول محفوظ: إن الفن هوالتعبير عن العاطفة.. وهذا تعريف واف، من حيث انه لا يميل إلي مذهب من مذاهب الفن خاصة، ولا يجنح إلي فلسفة من فلسفاته من دون غيرها. وهذا يعني أن نجيب محفوظ يميل إلي الوسطية.. وفي هذا الصدد يقول الدكتور" علي شلش": نزوعه إلي الاعتدال والوسطية هو الجديد في الأمر. ويمكن أن نضيف إلي هذه النزعة الوسطية نزعة أخري عقلانية. تظهر بذورها في فكره وأعماله، وكلتاهما رافقته منذ البداية، ومالت به نحو كراهية التعميم" .ويستطرد دكتور علي شلش قائلا:"لقد أكسبته الوسطية والعقلانية في الفكر خاصية اخري حددها هو بنفسه... وهي خاصية المحايدة والموضوعية عند تناول الأمور. وكلها - بغير شك - نتاج لتكوينه العقلي وتربيته الجامعية ودراسته للفلسفة والمنطق."وأيضا علم النفس. يقول محفوظ عن الحب.. هو أن يجد الانسان في شخص آخر ما يحدث في شخصيته بشطريها المادي والروحي توازنا وانسجاما. وهذا تعبير واضح عن تأثيره بدراسته في علم النفس. كما يقول عن الخير.. هو السلوك الذي يدفع الانسان كفرد وكمجتمع وكإنسانية نحو الأفضل. ويقول عن الجمال.. هوما يضم تعريف الحب والخير. لقد تأثر محفوظ بسلامة موسي ويقول" محمد جبريل" :" أخذ عنه دعوته للاتجاه الواقعي في الأدب والمنهج العلمي في التفكير، والتيار الاشتراكي لتغيير صورة المجتمع... نحن نجد في أعمال نجيب محفوظ تأثرا واضحا بدعوة سلامة موسي لاستبدال الخرافات بالعلم، والمساواة بين الجنسين، والتبشير بعصر الصناعة والآلة والأشتراكية، والأدب المرتبط بالمجتمع الهادف إلي الإنسانية." كان هذا في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، ولكن الاشتراكية بدأت تتلاشي وتنحسر منذ أواخر ثمانينات نفس القرن بعد سقوط وتفكك الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية. ولكن محفوظ ظل متمسكا بالفكرة الجوهرية في الاشتراكية وهي دعوتها إلي العدالة الاجتماعية. يعتبر نجيب محفوظ أبوالواقعية الطبيعية.. أخذها وتأثر بها من" اميل زولا" و"دارون" وعبر عنها في كثير من رواياته مثل الثلاثية والحرافيش وخان الخليلي وزقاق المدق وبداية ونهاية. وفي ذلك يقول محفوظ." بالطبع الشخصية الواقعية تنسي، لأن الخلق يحيلها إلي شيء آخر. الأصل في الواقع ينسي ولا يعرف تاريخنا إلا طبقا لتسجيلك انت. فالأصل لا يهم." وعن رأيه في المرأة.. كتب يقول لكي يدلنا علي الدور الحقيقي الذي تلعبه المرأة في معرفة معادن الرجال علي لسان الملكة" نفرتيتي" في قولها: (في رواية كفاح طيبة): "لقد
خلق الإله الواحد النساء ليكشفن معادن الرجال، الثمين منها والخسيس" . لقد قدم محفوظ المرأة في نموذج.. الأم، والزوجة المتفانية المتسامحة من أجل ابنائها حتي ليصل بها الحال إلي الاستسلام والخضوع وهوما يجعلنا نشعر تجاهها بالقهر والظلم الواقع عليها" أمينة في الثلاثية" ومع ذلك لقد ربت أولادها علي الحرية والكرامة وعدم قبول الذل والهوان وعدم الخضوع والاستسلام، وبذلك تكون قد رسخت فيهم القيم الوطنية.. من انتماء وتضحية في سبيل الوطن. كما قدم نموذج المرأة الغانية اللعوب" حميدة" في"زقاق المدق" علي عكس" زهرة" في" ميرامار" التي اختارت أن تعلم نفسها لكي تخرج من الفقر والجهل، وتعيش حياة الكرامة والاحترام للنفس أو الذات. وكانت هي تعبيراً عن جيل الستينات الذي كان يحاول الخروج من نكسة أو هزيمة يونية 1967 الله... في حوار لنجيب محفوظ مع الكاتب الصحفي" محمد سلماوي" يسأله عن الله؟. يقول محفوظ" حين تكون المبادئ مستوحاة من الاله صاحب الكون وخالق البشر، يكون لها معني آخر. فالله هو الذي يعطي للقيم معناها. الله هو الذي يعطي الوجود معناه بدونه لا معني للوجود، لا معني للقيم، وبديله هو العبث..هو اللامعني." وقد عبر عن ذلك في العديد من قصصه ورواياته ونذكر منها.. دنيا الله، عجائب الاقدار، الثلاثية، أولاد حارتنا، الطريق. السياسة.. كان يتعاطي السياسة، بمعني انه كان يقرأ عنها، ودرسها وفهمها.. الا انه لم يمارس السياسة، أي لم يشترك في حزب أوتنظيمات سياسية، مع انه كان من أنصار ثورة 1919 ومحبا لسعد زغلول.. وكان وفدي الهوي... الا انه لم ينضم إلي حزب الوفد، لأن ذلك كان يمكن أن يضع قيودا علي حرية إبداعه وكتاباته. يؤمن بالديمقراطية والحرية ويراها طريقا للنهضة كما أن الاستبداد لا يمنعها. كان متشككا وحذرا من ثورة يوليو1952، وظهر ذلك في رواية" ثرثرة فوق النيل" ثم تأتي نكسة يونية 1967، فينهار بسببها حلمه في الليبرالية والحرية والعدالة الاجتماعية، وعبر عن ذلك في" ميرامار" و"الكرنك" و"تحت المظلة" . وقد استمر ذلك الحذر حتي مع بداية حكم السادات، عندما قدم العريضة مع حوالي مائتين من المثقفين تضامنا مع أحداث الطلبة عام 1972 والمطالبة بما وعد به السادات بالحسم. الا انه عاد وانحاز للسادات بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد واتفاقية السلام. وظل علي حياده السياسي في عصر مبارك. ملاحظات نقدية أ- كانت تغلب علي رواياته احيانا الطابع الرومانسي الذي تأثر به من مصطفي لطفي المنفلوطي، والطابع الواقعي الطبيعي الذي تأثر به من اميل زولا.. كما ظهر في خان الخليلي، السراب، زقاق المدق، بداية ونهاية. ب- اكتفي نجيب محفوظ في قصصه ورواياته باختيار الحي الشعبي مكانا أو مسرحا لكثير من قصصه ورواياته، وخاصة الأحياء الشعبية في قاهرة المعز. ولم يكتب أويعبر عن الأحياء الراقية الا القليل جدا.. كما في رواية" السرايا" مثلا، حيث أدار معظم أحداثها في حي المنيرة. ج- لم يكتب محفوظ عن الريف أوالصعيد والفلاح المصري الذي كان - ولا يزال - يشكل أكثر من نصف المجتمع المصري. حتي روايته الأولي كانت عن الريف الذي لم يره، ولم يكن علي صلة أوعلاقة به. وكانت الرواية بعنوان" أحلام القرية" وهي من خياله، ولم يتمكن من نشرها، فوضعها في درج مكتبه حتي طواها النسيان أوهكذا أراد هو لها ذلك. د- كثير من رواياته.. كان الجنس هو المحرك الأساسي لبعض شخصيات رواياته، وخاصة" بطل الرواية" ويبدوأنه قد تأثر في ذلك بدراسته في علم النفس وخاصة عند" فرويد" و"أدلر" أصحاب مدرسة التحليل النفسي.حيث نجد" فرويد" يفسر كل سلوك انساني بأنه يرجع إلي غريزتين هما" الغريزة الجنسية أو غريزة الحياة وغريزة الموت. ولكن محفوظ كان يغلف الجنس بأشياء اخري مثل الدين أو التدين، والسياسة،والاقتصاد، والقيم الاجتماعية والأخلاقية، والجريمة أحيانا أخري، كما في.. السراب، بداية ونهاية، الطريق، الجريمة، والقاهرة الجديدة. ه- في السياسة لم يكن واضحا وصريحا مع نفسه أومع النظام السياسي القائم، فمع أنه كان وفديا صميما ومحبا لزعيمه الأول سعد زغلول، ومؤمنا بمبادئ وأهداف الوفد في الليبرالية والعدالة الاجتماعية والحرية والاستقلال، الا أنه بعد ثورة يوليو.. كان قد بدأ في تأييد الثورة وزعيمها.. واختار موقفا وسطا.. حتي لا يتنازل عن مبادئه الوفدية، ولا يندفع في تأييد الثورة كلية. بل انه انتقدها في كثير من رواياته مثل ثرثرة فوق النيل، وميرامار، اللص والكلاب، والشحاذ. وقد دفعه ذلك كله إلي تقديم أورسم صورة تكاد تكون غير كاملة ومتكاملة للثورة وخاصة من الناحية الاجتماعية والسياسية. وقد انسحب موقفه من الثورة وعبد الناصر إلي موقف مشابه إلي حد كبير للرئيس السادات، الا في مواقف معينة أعلن تأييده له وخاصة في اتفاقية السلام مع اسرائيل.. اما في عهد الرئيس مبارك.. فبحكم السن وخاصة العقد الأخير من القرن العشريين فقد آثر أن يتولي بركنه أوبرجه شاهدا علي العصر.. يتأمل أويحلم. تلك بعض الملاحظات النقدية علي بعض أعمال نجيب محفوظ وبعض مواقفه السياسية. ومع كل ذلك.. فإن هذا لا يقلل ولا ينتقص من ابداعاته الرائعة التي توجت بحصوله علي جائزة نوبل في الأدب، وهذا دليل علي فكره المتميز في فن الرواية. يمكن القول بكل ثقة إن نجيب محفوظ، لم يكن مجرد أديب، ولكن ايضا كان مفكرا وفيلسوفا.. له فكره وفلسفته التي وضعها في إبداعاته.. سواء المقال أوالقصة أوالرواية وحتي المسرحية.. فهو يقول:" حتي نهايات القصص الحزينة ليس كل ما فيها هوالحزن، إن فيها حثا علي الثورة علي أوضاع المجتمع وتغيير نظمه... فطالما هناك انسان يستغل الاخرين، فالفساد والشر قائمان. وأنا اتطلع إلي حياة الاشتراكية (أوالعدالة الاجتماعية) حياة هي التطلع إلي الله.. والانسان لا يستطيع أن يعرفه الا اذا ارتفعت حياته إلي مستوي نظيف خال من المفاسد والشرور." فنجيب محفوظ في هذه الفترة من حياته الأولي قد وجد أن الفهم الاشتراكي هوالحل للمصير الاجتماعي، ثم حاول بعد ذلك في رواياته أن يجد حلا للمصير الإنساني بصفة عامة. ويري بعض النقاد.. أن محفوظ قد وجد هذا الحل للمصير الانساني في الصوفية الاشتراكية كحل ميتافيزيقي (فلسفي). لمشكلة المصير الانساني.. عن طريق الحرية والثقافة والعلم والصناعة والزراعة والتكنولوجيا والحزبية والعقيدة.. كما في.. حكاية بلا بداية ولا نهاية. وهويقصد بالصوفية هنا.. الصوفية الإيجابية التي تدعو الإنسان إلي الاقبال علي الحياة والناس، وليست الصوفية التي تدعو الي الانسحاب من الحياة والابتعاد عن الناس. وعلي ذلك.. يمكن القول إن نجيب محفوظ كان في رواياته وقصصه كان يقصد إقامة بناء ميتافيزيقي أوفلسفة عامة، تهدف إلي بذر البذور لكي تنبت وتثمر وتضع حلا لهموم الإنسان والمجتمع.. والتي تحدث التنوير والحرية والديمقراطية، التي يمكن أن ترشد الإنسان وترسم له أوتحدد له مصيره، وقد ظهر ذلك في رواياته الأولي أوحتي قصصه القصيرة.. ثمن الضعف، عبث الأقدار، كفاح طيبة، الشحاذ، خان الخليلي، السراب، أولاد حارتنا، السمان والخريف والطريق. وعلي سبيل المثال والمقارنة.. فإنني أري أن نجيب محفوظ لا يقل شأنا عن" جان بول سارتر" .. فكلاهما له أفكاره وفلسفته.. فسارتر زعيم الفلسفة الوجودية، وقد عبر عنها كثيرا من خلال ابداعاته في الرواية والمسرحية، ومحفوظ زعيم الفلسفة الواقعية الطبيعية، وقد عبر عنها ايضا في ابداعاته في الرواية والمسرحية. هذا هو نجيب محفوظ صاحب الفكر والفلسفة الواقعية، والصوفية الإيجابية.. التي تعبر عنها مقالاته وقصصه ورواياته التي أبدعها.. والتي اعطته بكل جدارة.. جائزة نوبل.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.