في الخمس سنوات الأخيرة لمع اسم الكتور عز الدين شكري فشير ككاتب ومحلل سياسي بارز لكن هذا الوجه لم ينجح في تغييب وجه الروائي الذي يراهن على تحويل الموضوع السياسي الى موضوع للفن وهي مغامرة يصر فشير على خوضها للنهاية. وخلال مسيرته الروائية التي قدم فيها " مقتل فخر الدين " وغرفة العناية المركزة ، وأبو عمر المصري " واسفار الفراعين " ثم عناق عند جسر بروكلين " استثمر فشير خبراته الدبلوماسية لتقديم رواية معجونة بالسياسة وفي روايته الجديدة " باب الخروج " الصادرة مؤخرا عن دار الشروق يواصل اللعبة بمخاطر أكبر. هنا حديث معه عن الرواية الجديدة وعن كتابه " في عين العاصفة " الذي صدر عن دار بلومز بري في قطر ويتضمن جوانب من رؤاه حول الثورة المصرية ومستقبلها. تبدو الأخيرة "باب الخروج" ممتلئة بالتشاؤم، بينما كتابك السياسي الذي صدر في نفس التوقيت تقريبا وعنوانه ً "في عين العاصفة" يعطي ملامح للتفاؤل بالمستقبل ، كيف تفسر هذه المفارقة ؟ - تقديري أن رواية " باب الخروج" مفعة بالبهجة، فما الذي أعطي لكما إحساس بالتشاؤم. *هي تأخذ كل الحلول وتصل إلي آخرها ، وتبدو تلك الحلول في النهاية غير مناسبة، فالحل الديمقراطي توافقي والرمز الذي يأتي بالديمقراطية يستقيل لأنه لم ينجح في مهمته، وباقي الحلول في الرواية تؤدي إلي مصير شديد الظلامية. - التفاؤل في "في عين العاصفة" لا يعني أن الأمور ستتحسن فوراً، وما أقدمه يقول أننا لازالنا مقبلين علي اتجاهات أخري ونضال آخر، ويقول أنه إذا الأخوان تحالفوا مع القوي المدنية فسنسير إلي طريق تركيا، أما إذا تحالفوا مع السلفيين فسنسير في طريق أفغانستان وباكستان. و"عين العاصفة " كتاب يقول أننا في عين العاصفة، أي أن دورة العاصفة الشاملة مستمرة وهي تدعو للتفاؤل بهذا المنطق، لكن علينا أن نخوض تلك المراحل وننظم أنفسنا، ونستكمل استعدانا لمواجهة مقبلة وفي النهاية حجم المواجهات وتكلفتها يتوقف علي حساب ومدي غباء أو عقلانية الناس، وهذا شيء لا يمكن التنبؤ به، أما رواية "باب الخروج " فلا تتعارض مع التفاؤل ولكنها تقول أن كل الدعاوي هذه مدمرة للذات والمجموع، وكل جماعة دفعت دعواها للآخر ففشلت، وهناك مستوي ثان أن كل هذه الناس في حالة تيه، وكلها مربوطة برؤي وطرق قديمة وما يخرج من تحت هذه الدعاوي هو الأمل وهو من يجد الحل في النهاية، ومن وجدوا الحل في النهاية مرتبطين بسياسة أخري من حيث التنظيم والرؤية والسياسة. لكني أؤكد دائما أن قراءة الرواية كأطروحة سياسية يبتسرها جداً، كما أن محاولة شرحها أيضاً تقضي عليها. * ما قلته ذكرني بأعمالك السابقة، حيث تنجح في الدفع بالموضوع السياسي لجعله في قلب الموضوع الفني، هل يلخص هذا مشروعك الروائي؟ - ما قمت به في باب الخروج هو أنني دفعت هذه الرؤية لآخرها، بمعني أن سطح الرواية فيه صبغة سياسية، هي مدهونة سياسة من كل جانب، واللعبة هي أن تصنع أدب وفن من خلال الإتكاء علي السياسة، وبالبسبة لي هذه الرواية مغامرة ولا أريد لها أن تقرأ علي أنها تعليق علي الأحداث أو أنها رواية سياسية. ونتيجة لهذا لدي شعوربأن رواية المقبلة لن أقترب من السياسة، فمشروعي الروائي ليس هو أن أزوج السياسة للأدب. والطريقة التي أحب أن أري بها رواياتي هو أن المسار السياسي الإجتماعي سياق لشخصيات هي إنسانية بالدرجة الأولي وما أكتب عنه هو ليس هذا السياق ولكن الشخضيات التي هو موجودة داخله وليست منفصلة عنه أبداً، وهذا ينطبق علي "غرفة العناية المركزة" وشخصيات "عناق عند جسر بروكلين"، أما" باب الخروج " ففيها الأسئلة السياسية أعلي بكثير، بينما السياق الإجتماعي أقل، ولكن ظني أو أحد تحديات هذه الراية هو أنها مثل "أبو عمر المصري" الإجابة عن الأسئلة الدرامية القديمة، حول الإنسان والمصير والوجب، الحرية وجدوي الفعل، وهي الأسئلة التي واجهت أبو عمر المصري ومحاولة تحقيق العدالة، هذه كلها كانت أسئلة حاكمة. في آخر الرواية هو يسأل أسئلة حول الحرية وعن السبب الذي يدفعه للمغامرة، وهل سيحدث ذلك فرقاً، هل سيصلح الكون، هناك الكثير من العظاماء بعد أن ماتوا انهارت الدنيا من بعدهم. الرواية تطرح أسئلة وجودية غارقة في السياسية، مياهها وهواها تأتي من السياسة، وهذه الأسئلة الوجودية هي التي أكتب عنها، واعترف بأنن مللت من السياسة في هذه الرواية، وكما قلت نيتي أن لا تكون هناك أي سياسة في روايتي القادمة. * شعرت أن هذه الرواية يمكن أن تندرج تحت ما يمكن تسميته ب"الخيال السياسي "؟ - الرواية غارقة في السياسة، وأحد تحدياتها أنه هل ستفلح الرواية في أن تظل أدباً أم ستتحول إلي مجرد سيناريوهات سياسية مفترضة، إذا تحولت الرواية إلي مجرد تخيل ماذا سيحدث لو السلفيون تولوا السلطة ستكون الرواية قد فشلت، وهذا هو التحدي أثناء الكتابة طول الوقت ، خاصة أن القراء كانوا يجذبون التحدي إلي ناحية السياسة هم لا يريدون تفاصيل الشخصيات وإنما ما الذي سيحدث. * هل كانت الرواية منتهية لديك قبل أن تنشرها مسلسلة أم أنك كنتت تكتبها بشكل متسلسل ايضا ومع عملية النشر الصحفي اليومي؟ لا ولا كان هناك أي كلمة منها قبل أن تنشر مسلسلة، هي مغامرة جنونية من أولها لآخرها. * إذن هل يجعل هذا من كون الملاحظة بأن السياسة فرضت ظلها علي الرواية أمراً صحيحاً؟ - لا كانت للرواية خطتها منذ البداية، امتلكت أفكارا حول شخص مترجم في القصر الرئاسي، يكتب رسالة لإبنه، الخطة كانت موجودة، لكن حين بدأت تحدث اشياء في الواقع السياسي اعلى من التي توجد في مسار الرواية، بدأ الواقع يأكل من الرواية، فكنت أمام وضع سيصبح فيه نشر الرواية كلاما فارغا، فواتتني فكرة ا لنشر المسلسل، فطرحت علي إبراهيم عيسي الفكرة، وأنا كنت اكتب مقالات في صحيفته وتحمس وبدأت أكتب وطوال الوقت كان أقصي ما كتبته يسبق بحلقتين أو ثلاثة عن المنشور فقط، في أقصي حال كان 5 حلقات. * ألم تؤثر استجابات القراء في مسار الكتابة؟ بالطبع أثرت، ليس فقط في النهايات ولكن الأحداث نفسها، كانتت الإستجابات عملية تفاعلية للغاية. و،هناك أشياء كانت تعجبني في استجابات القراء على موقع الجريدة فكنت استعملها في الحلقات التي تليها مباشرة ،.التجربة بأكملها استغرقت 75 يوم كتابة، وكنت أكتب طوال النهار وأنتظر وأعيد النظر فيما كتبت، * هنا سؤال، أنت اصبحت معروفاً كمحلل سياسي، الإرتباك الذي يمكن أن يقع فيه شخص لا يعرف عز الدين شكري الروائي ولكن يعرف المحلل السياسي، فبالتالي حين يقرأ هذه الرواية قد يرتبك في التعامل معها ويبدأ هو في أن يتجاوز بخياله التوقعات الموجو دة فهل تعتقد أن جمهورك تطور معك، كما كان يقول محمود درويش؟ ليس لدي من الإدعاء بأن أظن أن لي جمهور، هناك أناس قرأوا رواياتي ولكن أن يكون لي جمهوري فهذا امر مختلف، يعني أن هناك أناس يتابعوك وإذا حدث هذا سأكون مندهشاً للغاية، أنا أكتب من البداية وكأنه لا يوجد جمهور، ليس لانني غير مهتم بالجمهور، ولكن لأن بداخل لا وعيي لازلت غير مصدقاً لمسألة أن هناك أحداً سيقرأ ويتابع ما أكتبه. *كيف تختار مواضيع رواياتك، كل الكتاب في العالم يبدأون من بذرة لها علاقة بتجربة شخصية، يبدو لي أن كل عملك له علاقة بخبرات شخصية ومهنية وأنت تصطاد منها العناصر التي تطورها روائياً؟ هذا وارد ولكني سأخبرك كيف تأتي الموضوعات، كل الموضوعات تبدأ من بذرة صغيرة جداً عادة لا علاقة لها بحياتي الشخصية، حياتي الشخصية هي رحم لتلك البذرة، هي كالأجنة المستوردة، مثلا عناق عند جسر بروكلين بدأت من متحف التذكاري ل11/9 في نيويورك، وبدأت أفكر في أشياء لها علاقة بهذا، من هنا بدأت تتكاثر الحكاية. رواية باب الخروج بدأت من نقطة غريبة جداً، وبالتحديد من مشروع مصر النووي، الذي خططه جمال مبارك، وكنت سأكتب مقالاً عنه في 2009 اسمه "المخطوطة النووي" أؤكد فيه أنهم سيقيمون هذه المحطات ويديروها كما أداروا السكك الحديدية في مصر، وبالتالي سيدمر هذا المشروع وفكرة المخطوط تحكي عن كارثة بعد حدوثها هي البذرة، وبعد الثورة وتكاثر الأحداث، والناس بدأت تتحدث عن مشروعات بدأت افكر لو هناك مخطوطة تحكي ما حدث في مصر وما حدث، ماذ إذا مشينا وراء هذا، الرواية كان اسمها الأول "المخطوطة الصينية" لأن البطل كان في الصين وكتب هذه المخطوطة بالصيني، كان المطلوب وجود شاهد رأي كل شيء ولم يكن يفعل أي شئ، حاجة شفافة وكان هو المترجم في القصر الجمهوري الذي جعلته بطل الرواية، فاستقررت علي المترجم. * هناك سطور في الرواية تشير الى شخصك فهل قرار بوضع نفسك داخل الرواية لعبة لوضع افكارك موضوع تساؤل ؟ سؤالك له شقين، جزء خاص بالفانتازيا، حاولت أن أبقي في الواقع مع لعب علي حدود العبث، أنا أشعر أن الفانتازيا تشبه "الاستظراف" إما أن تكون مضحكة أو مملة للغاية، هي نوع صعب للغاية. ومسألة مراجعة الذات، هناك جزء به مراجعة للذات وهناك جزء سخرية منها وهي سخرية حادة، جزء من التحرر الشخصي، وهذه ظاهرة صحية. هناك ألعاب كثيرة في الرواية، وهذه أحدها، أنا كنت ألعب مع نفسي لعبة أخري لها علاقة ببناء الشخصيات نفسها، أنت لديك البطل الرئيسي والشخصية التي تواجهه، انا اضلل القارئ حوالي ثلثي الرواية، بحيث أن لا يعرف الشخصية الضد للبطل إلي حينها، البطل حتي نفسه لا يعرف هذا. تحدثت كثيراً في كتابك، في عين العاصفة، عن التغيرات التي تحدث في الشخصية المصري، هل كان ذلك تحليلاً أن تفاؤلاً؟ اعتقد أن الشخصية المصرية قد تغيرت، ولو لم يكن هذا ما كانت الثورة قد حدثت، لا توجد لدي الناس أي قدرة علي احتمال القمع مرة أخري، هم يقبلون فكرة المساواة وبشكل براجماتي للغاية، وهذا التغيير الكاسح حدث للجميع، ليس فقط للرجال أو للأغنياء وغير الإسلاميين.ى فقد ساعد هذا التغيير المعارضة غير الإسلامية علي كسب المزيد من الثقة، وفهم أن القوي في التوحد. وساعد الإسلاميين علي التقدم تجاه الفردية والأسواق الرأسمالية وسياسات الدولة إضافة إلي الحريات الشخصية، كل هذه العوامل أدت ببطء إلي إجبار الإسلاميين علي التقدم للأمام، عليهم استخدام الدولة كأداة للتغيير، وليست اداة للقمع .