تقولُ لي: مِنْ أينَ تُشْرقُ الشّمسُ؟ فأَقولُ: - من شُبّاكِ حَبيبتي حينَ تَصْحُو مِن غَفوةٍ خَاطفةٍ * وكيفَ يبدُو القمرُ في ليالي الصّيفِ؟ - كابتسامةِ حَبيبتي في صَباحٍ من رَذاذِ مَارس * وكيفَ كانَ سَريرُها؟ - مثلَ قاربِ » رامبو« الثّمل وهيَ تُجدّف بنصِفها العُلوي في الرّياحِ * متَي تكتملُ القَصيدةُ؟ - الاكتمالُ وهمٌ تَعَلّقَ في عِصيّ الرّعاةِ الباحثينَ عن أُفقٍ في زمنِ الجرَادِ * متَي تتَخلّي عنْها؟ كلّ منْ عرَفتْهم تَخلّوا عنَها بموْتِهم وأنا لنْ أموتَ لأنّها أوْصَتْنِي بِدَفْنهَا في مقابرِ العَائلةِ ... .... ..... الطّريقُ إلي بيتِ حَبيبتي، لا يَبدأُ ولا ينْتهِي، والعَلاماتُ سَرقَها الّلصوصُ وكِلابُ السّكَكِ، ولا دليلَ يقودُني إلي رَائحةٍ تركتُها هناكَ:علي الملاءةِ، في الدولابِ. وَجْهي علي المِرآةِ، وأصَابعِي في شَرْخِ نافذةٍ، مَنحتْ عُمّالَ البِنايةِ المُجاورةِ متعةَ التُلصّصِ، علي الجمالِ النّائمِ، في إضَاءةٍ خَافتةٍ، والبنتُ التي تُشبهُ حَبيبتي كَثيرًا تَسألُ: * هل تحبّ الإسكندريةَ في الشتاءِ؟ - لم نذهبْ إلي بيتِ كَفافي وحُرّاسُ القلعةِ كذبوا علينا وأخفوا مفاتيحَ الخروجِ من المَتاهةِ * والبحرُ؟ - كانَ البحرُ أمينا فلم يكشفْ عن عِناقٍ باردٍ اخْتطَفناهُ في الظّلامِ، تَقولُ الِبنتُ التي تُشْبهُ حبيبتي: زينْهزمُ العَالمُ حِينَ تصمتُ فَقطْ عِدْني أنّكَ سَتبقَي بِجَانبي « فأَهرْبُ في شُرودِي وأَدْعُوهَا »حَنين « يَا حَنين حَبيبتي استَخارت الله في طَلبتْ عَلامَةً فَمُحِيَتْ سَحابةٌ وكَانَ هذا فراقا يا حَنين قُولي لها كَانَ يُكلّمُ الهَواءَ عن قِدّيسةٍ، تَخْضرّ الصّحَراءُ في خُطواتِها، ويَبْحثُ العُصَاةُ عن آثَامِهم في كَلامِها، وتأكُلُ الطيرُ من رأسِها، فيُصَفّقُ الحُضورُ، اسْأليهَا: لِمَاذا كَانتْ تَدفعُني منْ قَلبِ الغِيَابِ إلي بَرْدِ ديسمبر؟ ألأ نّني أَذْهبُ إلي مَوْعدٍ ثَابتٍ معَ اللّيلِ، وهيَ ترقّبُ النّهارَ من نَافذةٍ، تُضيءُ حُجْرتِها بإشَاراتٍ سَوداءَ؟ قولي لها إنّه الآنَ أعمَي، بدُونِ عَينينِ تَدلانه علي النّهرِ، فَيُفلِتُ المَاءَ من يَديْه، وتنتحِرُ الأسَماكُ بينَ سَاقَيهِ، ويَسترُ الزّبَدُ عُريَه القَبيحَ. قولي لها لقد فقدَ الطّريقَ إلي الكَلامِ، بعدَ أنْ كَفّتِ عَصافيرُ الّلغةِ عن الهِجرةِ إلي أحْبَالهِ الصّوتيةِ، إنّه الآنَ هَرِمٌ، غَارَ مَاءُ الرّغبةِ في ظَهره، ورَوّضَتِ الرّمَالُ مَخالبَ بَهْجتهِ المُتوَحّشةِ، أيّامُه اتّسَختْ بالقَدْرِ الكَافي، حَتّي بَاتَ نَظيفا مِنْ كُلّ ما يَجرحُ، والغَيمةُ التي اسْتخَرتِ الله فيها يومًا، صَارتْ بدَدا مَصنوعًا علي عَينيكِ قولي لها جُنّ الرّجلُ، يَبحثُ عن سَحابةٍ تَهْذي، كُلّما وَجَدها، نزَلتْ مَطرا علي مَظلّةٍ، تكْفي امرأةً واحدةً، تَصْحو الفراشاتُ علي أكْتافِها، عندما تنتبهُ من بَللٍ، يُصيبُ الذكري برِعشةٍ قاتَلةٍ قالت: »لديّ مَظلةٌ تَكفي اثنينِ فلا تُفوّتُ فُرْصةَ المَطرِ قولي لها إنه حَزينٌ.. ما بالكِ برَجلٍ يكتشفُ فجأةً أنٍّه مُجرّدُ فاصلةٍ جملةٌ لا مَحلّ لها من الإعرابِ، ما حاجتي يا حنينُ لأن أشرحَ لها أن الفوضي تُهذّبها فاصِلةٌ، أنّ رَجلاً لا مَحلّ له من الإعرابِ يعني أن الوجودَ = العدمَ، وأن غِيابَها وُجودٌ فائضٌ، يُمَثّلُ بشَيْخوختِه الصامتةِ؟ قالتْ: مأسَاتكَ الكُبري مَعِي أنّكَ لم تتركْ أيّ عَلامةٍ فَارقةٍ علي تقويمِ أيّامِي حَتّي أَتذكّركَ أو أبدأَ بتأريخِ الرّجالِ قبلكَ وبعدكَ قُولِي لها كَذبتِ عليه، وكلّ وعودكِ ماءٌ لا يَجيءُ، ورمالٌ تلهبُ عَيني الأعْمي، وشُطآنٌ ترفعُ رايةً أمامَ مَوْجةٍ غَادرةٍ، وعَلامةُ نَصرٍ، لا تصنعُ انتصارًا أو هزيمةً يا حنينُ، إنّ الغناءَ العذْبَ يَجرحُ، والصّمتَ يَجرحُ، والفرارُ أمامَ خَصْمٍ اسمُه الزّمَنُ، اعترافٌ بالخيانةِ وهَشاشةِ الغناءِ، هل رأيتِ أحدا يَأْبقُ من مُلكِ رَبّه فيهربُ من أرضٍ أو سَماءٍ؟ قالت : »أنا أُمسكُ بكَ كمن يُمسكُ بِحافّةِ الماءِ في لُجّةِ سَرابٍ هَاربٍ قولي لها إنه يَكرهُكِ، لأنّ شَجرةً تَبخلُ بِظلّها علي عابرِ سبيلٍ مآلُها الفَناءُ، ومَآلهُ البُكَاءُ علي يدينِ كانتا تطعمانه كطفلٍ، وتُربّتانِ علي كتفهِ بِحنانٍ، فتَهدأُ روحُه، وتَستكينُ في حِجْرها قِطةً دافئةً، هيَ لم تَكن لي أما، حتي تقولَ: لن يلدكَ رَحِمٌ سوايَ كما ادّعَتْ ذاتَ ليلةٍ يا حنينُ، لقد باعَ رُوحَه، لقاءَ ابتسامةٍ هَادئةٍ من مَلاكٍ أسودَ، يقودُ سَيّارتَه الصّغيرةَ دونَ فَزعٍ من عَرباتِ النّقلِ الثّقيلِ، وسَائقي الميكروباصِ، الذينَ تَربّت عيونُهم علي الوقاحةِ، فلماذا استبدلتِ الذي هو أدني بالذي هو خَيرٌ؟ قولي لها أن تَهُشّ الأحلامَ عن جفنينِ ناعِمينِ في الرّاحةِ، فأنا لا بيتَ لي في هذهِ الأرضِ يا حنينُ، ولم تعد قدمايَ تذهبانِ بي إلي مكانٍ، ما عادَ بهما حَوْلٌ حتّي تَشِيلا عن ظهري سنواتٍ ضاعتْ سُدَي قالت: »أنتَ أوّلُ الأشياءِ الشاردةِ حتي هذيانكَ يَتمكّنُ من الفوزِ علي العاصفةِ« قولي لها ظَهْركِ المصقولُ كتمثالٍ إغريقي يُعذّبني، حين يزحفُ الظّلامُ علي صَدري، في بيتٍ فقيرٍ من الشموعِ، في غُرَفٍ مُثقلةٍ بالهواءِ، أرأيتِ كيف تُغرقُ شُرفتَها في أضواءِ النيونِ حتي مطلعِ الفجرِ؟ فعن أيّ عدلٍ كانت تبحثُ يا حنينُ، وهي تمشي مَعصوبةَ العينينِ، فتخطيءُ الوصولَ إلي يديّ، وتكتبُ: »المشكلةُ في الوحدةِ وحدكَ تخطيءُ وحدكَ تصيبُ وحدكَ تُحبّ« يا حنينُ صمتكِ يقتلُ، وصخبكِ الآنَ ليسَ غيمةً مجنونةً، كما تدّعينَ، والحذاءُ الذي يقفُ تحتَ سمائكِ، سيَظلّ واحدا تبتعدُ الأقدامُ المرتعشةُ عنه، كَمن مَسّه شيطانٌ رحيمٌ اتركيه لحاله يا حنينُ يُكلّمُ العابرينَ فوقَ جُثّتهِ عن حِشْمةٍ تتَخفّي في الغُموضِ، وتعلنُ العداءَ للوضوحِ، فيهتفُ التوّابُونَ والخَطّاءُونَ: هذا رجلٌ دَفعهُ قَدَرهُ، نَحوَ هَاويةٍ، فَعانقَها، وماتَ راضيا * متي تكونينَ حقيقيةً يا حنينُ ؟ - عندما تُريدُني امرأتكَ - اذْهبي يا حنينُ فالجُمَلُ التي لها مَحلّ من الإعرابِ، تُباعُ في الدّكاكينِ، وتَصنعُ كُتبا مَصيرها الحَريقُ، والرّجالُ المَحشوّونَ بالقَشّ، مَرميّون علي قارعةِ الطّريقِ اذهبي يا حنينُ !