جامعة الإسكندرية تستقبل وفد جامعة ولاية بنسلفانيا الأمريكية لبحث سبل التعاون الأكاديمي    سيف زاهر يشدد علي ضرورة التواصل الدائم مع المواطنين عبر لقاءات ميدانية دورية    البورصة المصرية تربح 13.2 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    البنك المركزي يعلن رفع فائدة مبادرة التمويل العقاري لمتوسطي ومحدودي الدخل    استكمالًا لخطة الحماية الاجتماعية: تسليم 219 جهازًا تعويضيًا وكرسيًا متحركًا للمرضى غير القادرين بأسوان    بنى سويف تنفذ ماراثون الدراجات ومسيرة مشي ضمن فعاليات مهرجان النباتات الطبية والعطرية في نسخته الرابعة    نتنياهو يدعي عدم ارتكاب إبادة بغزة ويتمسك بإعادة كل الأسرى    وزير الخارجية: العديد من الدول العربية والإسلامية مستعدة للتطبيع مع إسرائيل بشرط قيام دولة فلسطين    برشلونة يستعيد توريس قبل مواجهة جيرونا وسط غيابات هجومية مؤثرة    فيريرا: الأزمة المالية تؤثر على تركيز اللاعبين.. وأتحمل مسؤولية الأداء    ترتيب هدافي الدوري المصري قبل مباريات الأسبوع الحادي عشر    تعرف على تعديلات لائحة النظام الأساسي للنادي المصري    وزير الرياضة وأبوريدة يدعمان بيراميدز في السوبر الأفريقي    بطلها حسام عبد المجيد.. صفقة تبادلية بين الزمالك وبيراميدز    رجال يد الأهلي يواجه البوليس الرواندي في بطولة إفريقيا    مصرع شخص وإصابة آخر في حادث تصادم بطريق مرسى علم جنوب مرسي علم بالبحر الأحمر    قرار جمهوري بترقية اسم الشهيد اللواء حازم مشعل استثنائيا إلى رتبة لواء مساعد وزير الداخلية    المؤلفة الموسيقية سعاد بشناق تنضم إلى لجنة تحكيم الأفلام القصيرة في مهرجان الجونة السينمائي    السبت.. مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية يعقد ندوة ثقافية عن أم كلثوم بين الماضي والحاضر والمستقبل    إصابة الفنان معتصم النهار خلال تصوير مشاهده بفيلم "نصيب" بالغردقة.. صور    مسرح السامر يحتضن عرض من يكون ضمن فعاليات ملتقى شباب المخرجين الجدد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-10-2025 في محافظة الأقصر    محافظ الجيزة يوجه بسرعة تجهيز مبني سكن أطباء مستشفى الواحات البحرية    مع الدايت والرياضة.. 5 مشروبات للتخلص من دهون البطن بسرعة    373 مستوطنا يقتحمون باحات المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال    كامل الوزير: تجميع قطارات مترو الإسكندرية بنسبة 40% تصنيع محلى    نبيلة مكرم تشارك في انطلاق قافلة دعم غزة رقم 12 ضمن جهود التحالف الوطني    الأمن السوري يلقي القبض على ابن عم بشار الأسد    كلاكيت خامس مرة.. دويتو شيري عادل مع يوسف الشريف يعود من جديد فى رمضان 2026    مدرب منتخب المغرب للشباب: سنقاتل أمام الأرجنتين للفوز بكأس العالم    كيف ظهرت سوزي الأردنية داخل قفص الاتهام فى المحكمة الاقتصادية؟    بيان عملى وتوعية ميدانية.. الحماية المدنية تستقبل طلاب مدرسة بالمنوفية    عمرو الورداني: مصر قادرة على إطفاء نيران الفتن وصناعة السلام بشرف وعدالة    الحكومة: الانتهاء من كل الاستعدادات لافتتاح المتحف المصرى الكبير خلال أيام    انطلاق احتفالية قوات الدفاع الشعبي والعسكري تحت عنوان "ويثبت أقدامكم"    انطلاق قمة مؤتمر الاستثمار العربي الإفريقي والتعاون الدولي الأحد    اتحاد طلاب جامعة أسيوط يكرم الدكتور أحمد المنشاوي تقديرًا لجهوده    بعد ملاحظات الرئيس.. النواب يؤجل تطبيق قانون الإجراءات الجنائية إلى 2026    الداخلية تكشف ملابسات فيديو سائق ميكروباص بالبحيرة رفع الأجرة وحمّل ركابًا أكثر من المقرر    الداخلية تكثف حملاتها لضبط الأسواق والتصدي لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز    الصحة: فحص 19.5 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    الأهلي: لا ديون على النادي وجميع أقساط الأراضي تم سدادها.. والرعاية ستكون بالدولار    وزير الاستثمار يعقد مائدة مستديرة مع شركة الاستشارات الدولية McLarty Associates وكبار المستثمرين الأمريكين    إحالة مسؤولين في المرج والسلام إلى النيابة العامة والإدارية    انقلاب سيارة ملاكي على طريق فرشوط الزراعي بقنا    جامعة بني سويف ال 7 محليا و99 عربيا في تصنيف QS    الأولى من نوعها.. جامعة أسيوط تنجح في أول جراحة باستخدام مضخة "الباكلوفين" لعلاج التيبس الحاد بالأطراف    بعد توقف 7 سنوات.. انطلاق الدورة الرابعة من معرض الأقصر للكتاب    شوقي علام: سأنضم للجنة الشئون الدينية بالشيوخ لمواصلة الجهد الوطني في مجال الدعوة    "إكسترا نيوز" تكشف تفاصيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة    الصحة تنصح بتلقي لقاح الإنفلونزا سنويًا    التحالف الوطني يستعد لإطلاق قافلة دعم غزة 12 لدعم الأشقاء في فلسطين    «ممنوع عنها الزيارة».. عمرو ياسين يكشف تطورات الحالة الصحية لزوجته    «الري»: مشروع مشترك بين مصر والأردن وتونس والمغرب لتحلية المياه لإنتاج الغذاء    كوريا الجنوبية.. عودة خدمة "يوتيوب" للعمل بشكل طبيعي بعد انقطاع مؤقت    محافظ الغربية ووزير الاوقاف يشهدان احتفالية مولد السيد البدوي    مشكلة الميراث    .. ورضي الله عن أعمال الصالحين الطيبين لاغير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة
يا ألله !
نشر في أخبار الأدب يوم 06 - 07 - 2013

طالعه ميدان السيدة زينب بزحام المولد: السرادقات والخيام وفرق الصوفية والأعلام والرايات والأضواء الملونة والطبول والمرقعات والأناشيد والأدعية والابتهالات والتوسلات والأناشيد والجوقات والأجساد المتلاصقة.
دفعه الزحام - في البداية - إلي شوارع جانبية وحارات، التقط أسماءها دون أن يدرك مدي قربها، أو ابتعادها، من مقام رئيسة الديوان.
مضي - بقوة التدافع - إلي نهاية الطريق، دار، دخل في زحام جديد، دفعه إلي شوارع وحارات أخري.
منّي النفس - لرؤية أعلام الشاذلية فوق سرادق علي جانب الشارع - بأن يعينه شيخ الطريقة علي ما قدم من أجله .
أشار الشيخ لينهي كلامه.
قلص الشيخ ملامحه بما لم يعهده فيه:
- يا محفوظ.. ضاقت بك الإسكندرية فتبعتني إلي القاهرة؟!
لجأ محفوظ إلي أبو العباس سلطان الإسكندرية وأوليائها مرات كثيرة: الصحن الفسيح، المشكاة الهائلة المعلقة في الوسط، الأعمدة الرخامية الهائلة، المقرنصات والزخارف والنقوش في الأسقف والأبواب والنوافذ، العقود المحملة بالنقوش، مقام السلطان إلي جانب الباب الجانبي، النسوة يطفن به، يكنسن حوله، يستندن إلي مقصورته النحاسية، يقبلنها، يغرفن بأيديهن من الهواء المحيط، يضعنه داخل الملاءات.
همس بما ينغص عليه حياته، تطلعه إلي النصفة والمدد.
لما طال انتظاره، دله مريد في الشاذلية علي رئيسة الديوان، السيدة الطاهرة - منذ وقفتها أمام يزيد بن معاوية - هي المدافعة عن المظلومين.
كتب له العرضحالجي أمام المحكمة الكلية رسالة يشرح فيها مظلمته, وما جري له حتي لجأ إلي الديوان أخيراً. الديوان يعقد كل خميس، ترأسه أم العواجز، يحضره البدوي والشافعي والدسوقي والرفاعي, يناقش مشكلات المسلمين واستغاثاته ، يقضي بالنصفة والمدد, لكل ولي في الإسكندرية مريدوه، يؤمنون ببركاته وأفعاله الحميدة، يضعون رسائلهم في صندوق النذور، أو علي أرضية المقصورة، يلتمسون النصفة والمساندة. للدرجات غاية تنتهي إليها، ربما لجأ الأقطاب إلي قضاة المحكمة فيما غمض عنهم فهمه وتفسيره، يستوضحون معني، أو إشارة، أو دلالة، يطالع الناس من الشر ما لا يملكون رده.
المريد هو البداية، قضاة الديوان خاتمة الدرجات الروحية، قبلها درجات كثيرة، لم يتيقن من أن المريد هو موضعه في الطريقة الشاذلية، المريدون درجات، أولها المؤمنين بمكاشفات أولياء الله وبركاتهم، يلوذون بالأضرحة والمقامات، يترددون علي الجوامع والمساجد والزوايا، يشاركون في الموالد والجلوات وحلقات الذكر، ترقي الدرجات بمعرفة الأسرار والرموز والدلالات والإيحاءات والإشارات, لم يزد ما يفعله عن المشاركة في الحضرة، وترديد إنشادها وتسبيحاتها وابتهالاتها، والسير في مواكب المولد وجلوة الخليفة، ربما ترقي من مقام إلي آخر: التوبة، الخوف، الرجاء، الصالحين المريدين، الغاية التي يتمناها. ترقي الدرجات حتي تبلغ مرتبة الولي، قطب الأقطاب ، يخص الله بها من وهبهم الله قدرة علي الشفاعة، والسعي لصالح الناس، حتي لو غابوا داخل قبورهم، محكمة الديوان هي الدرجة الأعلي في القطبية الصوفية، لا تماثلها، ولا تقترب منها، درجة أخري، لكل رئيس من يفوقه مكانة، وأقطاب المحكمة الجوانية يحظون بالمكانة الأعلي، وهبهم الله أسراراً لا حد لها، اطلعوا علي خزائن الغيب، امتلكوا ما تترامي آفاقه من الخبرات الروحية، تأهلوا لقضاء حاجات الناس في الحضرة البرزخية.
لا شأن للمحكمة بزمان أو مكان، نورها يبلغ آخر بلاد المسلمين، يغيث القضاة الموقرون كل من ينطق بالشهادتين، بصرف النظر عن مكان عيشه، ولا إن كانت الاستغاثة في ليل أو نهار.
روي عن قضاة الديوان ما يرقي إلي الخوارق والمعجزات .
تمني الصياد قرني عبد الوهاب أن يسحب الطراحة يوماً، يجد بداخلها المصباح السحري، يدلكه، يعطي أوامره، يحقق له جني المصباح ما يتمناه، يريحه من التعب، يزيح الظلم والأفعال القاسية.
كثر نزول الصياد مياه الأنفوشي، ينتظر، فلا يجد المصباح، ولا يجد من الصيد ما يبيعه، أو يطعم به عياله، دعا رئيسة الديوان والأولياء الأربعة بكلمات هامسة، طيرتها البركة إلي حيث تعقد محكمة الباطن جلساتها, ميزت المحكمة استغاثة الصياد, ألقي طراحته - ذات عصر - وهو في وضع المتشكك، وربما اليائس، صعدت بصرة صغيرة، وجد فيها من المال والنفائس ما أغناه طول حياته.
استمرت النوات أيام الشتاء، اتصلت كل واحدة بالأخري, صار النزول إلي البحر خطراً ماثلاً، لزم الصيادون البيوت، طالت جلساتهم علي المقاهي، لاذوا - يلتمسون الشفاعة والفرج - بحضرة المرسي أبو العباس, ذات صباح, يذكرونه, ملايين الأسماك علي رمال الأنفوشي، حية ما تزال، ملأ منها الصيادون وأبناء السيالة ورأس التين مئات القفف والأجولة والأكياس, تبدلت قسوة أيامهم بقضاء محكمة الديوان.
غاظ القضاة ما حملته العريضة عن ظلم شيخ الطريقة لمريديه، يستأثر لنفسه بما يهبه الطريقة الصالحون وفاعلو الخير وطالبو القرب من الذات الإلهية. ما كاد يصفق بيديه، إشارة بداية الذكر حتي انتتر في موضعه، وعلت صرخاته المستغيثة، اختطفته قوة لم يروها، قذفت به في الفراغ، شحب صراخه، ثم تلاشي تماماً.
تكرر حصول مفتش الصحة علي إتاوات من الباعة السريحة في شارع الميدان والشوارع الجانبية، يحرر محاضر المخالفة، فيواجهون الغرامة أو الحبس, خلا - ليلة - إلي نفسه، بدأ في عد ما تقاضاه من الباعة, احترقت النقود في يده، قذفها، وتراجع فزعاً، لكن النيران ظلت مشتعلة بثيابه وجسده، حتي صار كومة من الرماد.
شكا سيدي محمد شرف صاحب الضريح الصغير في شارع رأس التين من التصرفات العابثة علي ضريحه. دنا شاب وفتاة بقبلاتهما من شباك الضريح، فأصابهما ما يشبه الصاعقة، ماتا لتوهما. لم يعد الناس - من يومها - يقفون أمام الضريح إلا للتبرك وقراءة الفاتحة.
تعددت بركات الديوان، محكمة الباطن المقدسة، بما يصعب حصره، صيادون اختطفهم البحر، عادوا إلي ذويهم بعد أن قهرهم الانتظار، مرضي وجدوا الشفاء من أمراض قاسية، رجال استردوا ذكورتهم، بعد أن دس السحر في قراميط، ألقيت داخل البحر، حتي سيدي المرسي، سلطان الإسكندرية، وقطبها الأعظم، أشفق أن يعاقب مريد في الطريقة الشاذلية، سحب قايش العسكري، أحاط به خصره، ورقص في صحن الجامع، بما يؤذي صاحب المقام، اعتاد الناس رؤيته بالقميص الخيش، غائباً عن نفسه في الموالد الأربعين لأولياء الإسكندرية، يتمتم بما لا يفهمه الناس، ولا يكلم أحداً.
زار محفوظ معارفه في شوارع بحري، وفي المساجد، وداخل المقامات والأضرحة، وفي السرادقات وخيام المولد وحلقات الذكر والإنشاد، يعرض حمل شكاوي واستغاثات من ناس في الطريقة، محكمة الديوان هي الجهة العليا لتدارس مشكلات المسلمين، والقضاء فيها، بأحكام ملزمة.
طلبت منه صابرين بائعة الدوم أول شارع الميدان أن يروي عن لسانها ما تقوله، لا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً، الاجتراء علي أولياء الله بما لا يجوز يأتي بعكس المراد، هي تطلب من أم العواجز أن تأمر مريديها بالتقليب في الشكاوي والمذكرات واستغاثات الغلابة والمظلومين. كانت قد دست الورقة في صندوق نذور سيدي ياقوت العرش، تعرف أنه قطب عظيم، لكنه في المكانة الأقل لما عليه بنت فاطمة الزهراء ، هي التي أشارت - في هاتف جاءها في صحو لا في منام - أن تضع شكواها في صندوق نذور ياقوت العرش، من بين صناديق النذور لأضرحة أولياء الإسكندرية ومقاماتهم، أشار الهاتف في صوت حي - هو ، في الأغلب ، لسيدة ، لامرأة : هل هي السيدة الرئيسة نفسها ؟ - ضعي رسالتك في صندوق نذور ياقوت العرش.
فضت ما بنفسها - صباح اليوم التالي - للعرضحالجي أمام المحكمة الكلية، روت الحكاية من بداياتها، حددت ما تريده - كما نصح الرجل - في نهاية الرسالة، تنال النصفة من محكمة الباطن، بشفاعة ياقوت العرش، كأمر السيدة زينب، وليس بوازع من نفسها.
حين تأخر الرد بما يفيد القضاء في الرسالة، أرجعت الأمر إلي زحام الأوراق في حضرة الديوان، يطيل الأولياء وقت القراءة، يستغرقهم الفحص والمعاينة والتأمل، يقضون - بعد التشاور - بالحكم ذي الصبغة القدسية، فهو يصدر عن أولياء كبار، يرفضون الظلم إعلاء لكرامة الدين.
وجدت صابرين في عرضه ما يشجعها علي تذكير محكمة الديوان بما قد يغيب في كومات الرسائل والعرائض، هي مجرد ورقة صغيرة باسمها: صابرين بنت نفيسة. تلمحها العين الطاهرة، تقفز الورقة - بالقدرة القدسية - إلي أعلي الكومات الهائلة، تقرأها أم هاشم بصفة مستعجلة، تقضي بما تراه، ربما حتي دون أن تعرض الأمر علي أعضاء الديوان، الاستغاثة العاجلة لا تحتاج إلي مداولات قد تعيق وصول النصفة لطالبيها.
حمّله إبراهيم سلامة، الترزي العربي بالموازيني، دجاجة مشوية ، يحملها - صباح يوم سفره - إلي القاهرة, نذرها إبراهيم لمقام سادة الديوان، إن فكوا ضيقه، وخلصوه من الكربة التي طالت معاناته لها. لم يسعفه أصحاب المقامات والأضرحة في بحري، ولا أسعفه حتي السحرة والمنجمون وضاربو الرمل والودع وقارئو الكف والفنجان.
أعاره الرجل حقيبة بلاستيك، يضع فيها ما يحمله من رسائل، يلقيها علي كتفه، تخلي الحقيبة الجلدية في يده موضعاً للنذر.
شكا مريدو حضرة الذكر علي رصيف سيدي البوصيري من التعب، أنهك أجسادهم في اهتزاز الرءوس والأيدي والأجساد، وارتفاع الأصوات بالأدعية والابتهالات والتسبيح، يتطلعون إلي النصفة التي لا تجئ، ربما - لو أنه شرح الحال أمام مقام السيدة الشريفة في مولدها - تشفق علي ما يعانون، تأمر المحكمة العادلة بتبديل الأحوال، تنفذ الأشعة الغائبة من غيوم سوداء، متكاثفة، لا تنتهي.
وضع محفوظ المشكلة في رأسه جيداً، أضافها إلي ما يعتزم قوله أمام المقام الشريف من مطالب الناس، وإلي ما يحمله من رسائل وعرائض ونذور، يستروح النسائم في رياض القرب والمكاشفة .
تردد علي المقاهي وورش القزق وحلقة السمك، جالس المستندين إلي الأعمدة في صحن أبو العباس، والقعود لصق الجدران، خارج الجامع.
تسلطت الفكرة علي ذهنه، استحوذت عليه تماماً، مضي - مسكوناً بالزيارة - إلي ساحة المولد، يدفعه الشوق، ورفع شكايات الناس ومطالبهم إلي القضاة العظام: السيدة الرئيسة، وأولياء الله: الشافعي والبدوي والرفاعي والجيلاني, يقرءونها، يتدارسونها، يتشاورون بروح العدل والإنصاف، يقضون بالصواب، وما فيه صالح الناس.
عرف أنه وصل الميدان، بعد أن لمح المئذنة العالية والأضواء الملونة المتدلية عليها: السيدة زينب!
كرر الاسم، وهو يضع كل ما تبقي من قوته في اندفاعة جسده إلي قلب الميدان.
وضع يديه علي الحقيبتين يمنع ضياعهما، لكن التدافع قذف بهما بعيداً، ومزق ملابسه، امتصه الزحام الخانق، أجساد متلاصقة، متلاحمة، غابت ملامحها، وإن تناثر العرق، وعلت الأصوات بما يشبه الصراخ.
ترك التدافع يمضي به إلي مفترق طرق، قل فيه الزحام.
التفت - بعينين غائمتين - إلي الرءوس المتلاصقة، وإلي المارة والقعود حوله، لا يبدو أنهم قد رأوا في الأسمال المتبقية علي جسده ما يثير انتباههم.
أعطي كل شيء ظهره، واتجه إلي الشارع الذي قل فيه المارة، لم يستطع أن يتحكم في مشاعره، ولا أن يسيطر عليها، تملكه من الانفعال ما لم يعهده في نفسه، نسي ما قدم من أجله: عرائض الناس ومحكمة الديوان ومطالب النصفة والمدد، ترامي صدي صراخه - بآخر ما عنده - من مناطق بعيدة: يا ألله! يا ألله!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.