زينب فواز .. اسم لم يعد يذكره أحد ، زينب فواز العاملي الأديبة الشامية التي طرقت أبواباً غير مطروقة ، في زمن لم تكن المرأة يسمح لها بأن تخطو خطوة خارج بيتها . زينب فواز الفتاة الفقيرة التي لازمت نساء آل أسعد ، وبخاصة السيدة فاطمة بنت أسعد الخليل والدة محمد بك، ترجمت لها زينب فواز في كتابها " الدر المنثور في طبقات ربات الخدور " . كيف لهذه الخادمة أن تغادر موقعها وواقعها, وتترك الأسرة التي ربتها ، وتصر علي التعلم وتدرس وتطلع علي أهم الكتب والمخطوطات والمراجع ، كيف استقطعت من وقتها في الخدمة لتشبع نفسها وذاتها وتتعلم وتتثقف؟ لكن هذا لم يكن كل ما عانته زينب فواز وعرقل طموحاتها، فقد اصطدمت أحلامها بالواقع حينما قررت مخدومتها تزويجها من رجل مسن يعمل صائداً للصقور، فكيف يلتقي الجهل بالثقافة؟!، تركت القصر وذهبت إلي سوريا حيث احتكت بالحياة الثقافية، وتزوجت الكاتب السوري أديب نظمي أحد المثقفين السوريين، لكنها لم توفق في زيجتها الثانية، وتعرفت إلي أحد الضباط المصريين فتزوجها ورحل بها إلي الإسكندرية، ثم انتقلت إلي القاهرة، وفي مصر درست زينب فواز علي أيدي الشيخ محمد شلبي وحسن حسني الطويراني صاحب جريدة النيل. كتبت زينب فواز في صحف تلك الفترة، وردت علي كبار الكتاب، ومنهم عبد الله النديم، ودافعت عن قضايا المرأة، وأدانت المجتمع، ودعت إلي سن القوانين والتشريعات التي تثبت حقها، وإلي أن تخرج المرأة العربية، للمشاركة في المحافل الدولية، وفي المؤتمرات والمنتديات. كل هذا يهون أمام إقدام زينب فواز علي الكتابة عن هذا الكيان الذي ظلم كثيراً، وحجبت أخباره وكتاباته وخفت صوته، لكن زينب فواز تعيد الصوت وتستعيد نغماته، فتؤلف أول موسوعة عن النساء، عن الملكات والسياسيات والعالمات والشاعرات والمغنيات والفنانات، وهي أول موسوعة للسيرة الغيرية، أو الترجمة في الأدب العربي، هذه الجوهرة التي تركتها زينب فواز لبنات جنسها ليحافظن عليها، موسوعة تتحدي ما عانته المرأة، وما تلقته من ظلم وتجاهل، وبها ترد اعتبار المرأة، فقد أرادت الكاتبة أن تقدم بنات جنسها وهن يسهمن في الحضارة الإنسانية. تقول زينب فواز عن الكتاب إنه يكشف عن فضائل ذوات الفضائل من الآنسات والعقائل، وجمع شتات تراجمهن بقدر ما يصل إليه بالإمكان ". قدمت الكاتبة نماذج مشرقة من النساء، وتحدثت عن فضائلهن، في حين فوت الرجل علي نفسه مساعدة أخته، كيف يعطل هذا النصف، ويترك داخل جدران البيت يكتفي بأن تنجب وتربي الأبناء، وهي التي خرجت منذ فجر التاريخ. هل أصيبت ذاكرة الثقافة العربية بنسيان هذه الرائدة وجهودها في تراجم النساء، وهي لم تكتف بذلك، بل كتبت ما يشبه السيرة الذاتية في روايتها " حسن العواقب " قبل صدور الرواية العربية الأولي " زينب " لهيكل ، فنحن نجد أحداثاً وشخصيات حقيقية عاشتها الكاتبة في صباها لدي أسرة أسعد بك في جبل عامل بلبنان. ما الجرأة التي تملكها هذه المرأة لتثير تلك القضايا ، وتشتبك مع مثقفي عصرها ، فيكون محصلة ذلك كله كتابها " الرسائل الزينبية ". قرأت كتابها " الدر المنثور في طبقات ربات الخدور " وأنا طالبة في كلية دار العلوم ، وعدت له مرة ثانية أثناء إعدادي لرسالة الدكتوراة، وناقشت كتابها الذي تنبه إليه بعض الكتاب في لبنان، وأشارت إليه الدكتورة بثينة شعبان في معرض حديثها عن أول رواية عربية. الغريب أن زينب فواز حينما تتحدث عن المرأة وحقوقها تشير إلي أن النسوية لم تكن حركة غربية، فقد سبقتها المرأة العربية، وكانت علي اتصال مباشر بما يحدث في الغرب.