يسرى الغول علي متن الخطوط الأمريكية (يونايتد إيرلينز)، وفي رحلة استغرقت تسع ساعات ما بين واشنطن وفرانكفورت في المانيا، جلست بجوار شاب أمريكي يتصفح رواية (Line of control) للكاتب الأمريكي جيف روفين، وقمت بإخراج الرواية التي لم أنته من قراءتها بعد، وقد كانت بعنوان افتاة القرفةب للسورية سمر يزبك، وقبل أن تقلع الطائرة سألني جاري الشاب عن لغة الكتاب، فأخبرته عن اللغة والكتاب، فتعارفنا، وتحدثنا كثيراً، بدءاً من الرواية التي بين يديه حتي الواقع العربي وصراع الحضارات والثقافات. ولتسع ساعات بين الدردشة والنوم والتململ ومشاهدة الأفلام والمسلسلات الأمريكية نصل فرانكفورت. وقبل أن ننزل من الطائرة، يستوقفني ذلك الأمريكي ويهديني روايته التي بين يديه، فابتسم، وأحاول رد الجميل بإهدائه روايتي، فيعتذر من أنه لا يعرف العربية، ثم نفترق. تلك الحادثة الجميلة زادتني حماساً لممارسة دوري كمثقف يؤمن بأن حل كل المعضلات يكمن في المعرفة، فقد حملت منذ نعومة أظفاري شعار (مكتبة في كل بيت) مذ كنت بالجامعة، فكانت جميع الهدايا التي أقدمها لأصدقائي عبارة عن (كُتب) باختصار، ونجحت بعمل مجموعة مكتبات في محيطي الاجتماعي، وأصبح في بيت كل أخ وأخت لي مكتبة، وصاروا يمارسون الدور ذاته، فنحن نؤمن بأنه لا يمكن لبيت يؤَسَس علي الفكر والثقافة والمعرفة أن يتهاوي، وشتان بين يمارسون الثقافة قولاً وفعلاً وعملاً من أجل تحقيق مجتمع متنور، وبين من يمارسونها كمهنة يقتاتون منها دون أن يدركوا مقاصدها. ولقد أثارني ذات مرة موقف بعض الزملاء في وزارة الثقافة حين تركوا مجموعة كبيرة من الكتب تحت المطر دون أن يحركوا ساكناً، وكأن الأمر لا يعنيهم، وحين طالبتهم بمساعدتي بحمل الكتب وإدخالها في مخازن الوزارة رفضوا بحجة أنه ليس من اختصاص عملهم، فغرقت يومها مع الفراشين والأذنة تحت المطر لكنني نجحت بإدخال جملة كبير من الكتب وتوزيعها بعد ذلك مجاناً في أسبوع ذكري النكبة علي أرض الكتيبة. ولعل هذا المثال بسيط أمام أمثلة أخري حدثت وتحدث كل يوم، كما تكثر القصص في حال كثير من موظفي وزارات الثقافة العربية الذين يجهلون التاريخ والهوية، بدءاً من كبرائها وانتهاء بموظفيها العاديين. ولعلك حين تتحدث مع بعضهم ستكتشف المصيبة بأنهم لا يعرفون كبار أدباء العرب أو مفكريهم، عدا عن لصوص الثقافة، الذين يستثمرون وجودهم في تلك المؤسسات لاستغلال مناصبهم أو الاستفادة من أماكن عملهم للارتشاء أو تنصيب الأقارب والأصحاب أو استثمار المال من خلال مشاريع تدر الوبال علي الدولة، وكل ذلك تحت شعار الثقافة. وعليه، فهي دعوة لكل فرد أن يسعي للارتقاء بمحيطه، بدلاً من انتظار دعاة الثقافة الذين انشغل كثير منهم بتحقيق المآرب الشخصية علي حساب تنوير المجتمع والنهوض به.