اسمحولى أن أحاول محاولة نملة تؤمن أن بوسعها الحصول على حبة السكر اللى واقعة على الرخامة اللى فى المطبخ والعودة بها إلى جُحرها آمنة بدون أن تُنهى حياتها نقطة ميه مغلية قد تُطَرطِش خارج كوب شاى يصبُّه شخص واقف فى المطبخ.. لا تدركه النملة لكِبر حجمه.. ولا يدرك هو النملة لصغر حجمها.. اسمحولى أن أحاول محاولة مثل تلك.. وأسأل نفسى سؤالا مثل هذا.. «إيه ال Dead Line بتاع الحياة»؟! من المؤكد أنكم مش مستنينى أنا عشان آجى أقولكم إن كل بنى آدم أثناء أدائه لعلم ما يحتاج إلى معرفة ال Dead Line الخاص بإنهاء هذا العمل. يحتاج إلى الارتكاز على معرفة زمن معين ينبغى عليه أن ينجز ما يود إنجازه فيه قبل أن يجئ هذا الزمن.. قد ينجز البنى آدم منَّا العمل قبل ال Dead Line بفترة كبيرة.. وقد ينجزه قبل ال Dead Line بالظبط.. المهم أن هناك وقتا محددا يعلمه البنى آدم منَّا ينبغى عليه فيه إنهاء عمل ما.. الطالب يعلم أن هناك Dead Line لإنهاء مذاكرته.. وهو وقت الامتحان.. والنجار يعلم أن هناك Dead Line لإنهاء الكنبة اللى فى إيده، وهو الموعد الذى اتفق عليه مع الزبون.. والصحفى يعلم أن هناك Dead Line لإنهاء الكتابة اللى فى إيده.. وهو وقت تقفيل الصفحات وشد الأفلام والذهاب إلى المطبعة.. والمقاول يعلم أن هناك Dead Line لإنهاء العمارة اللى فى إيده.. وهو الموعد الذى اتفق عليه مع الشركة التى تملك العمارة.. (هذا فى حالة ما إذا كان للسيد أحمد عز رأى آخر فيما يخص أسعار الحديد.. عندها قد يتأخر ال Dead Line.. شوية.. الدكتور يعلم أن هناك Dead Line ينبغى عليه فيه قفل بطل العيان اللى نايم قدامه وإنهاء العملية الجراحية.. كل بنى آدم بحاجة إلى معرفة وقت محدد ينبغى عليه فيه أن يكون قد أتم فيه العمل.. الشىء الوحيد الذى نفعله ونمارسه فى كل لحظة نعيشها وفى كل فيمتو ثانية نحياها ولكننا مش عارفين ال Dead Line بتاعه.. هو فعل الحياة نفسه.. ولكى تتخيلوا الموضوع أكثر.. تخيلوا معى طالبا منهمكا فى المذاكرة طوال الوقت، وهو لا يعلم أدنى فكرة عن المعدل الذى ينبغى عليه أن يذاكر تبعا له.. هل يقرأ الكتاب كله فى البداية بسرعة.. حتى يستوعب الفكرة العامة الكاملة على أساس أن ال Dead Line قد يكون بعد ساعات.. أم يقسم فصول الكتاب على فترات زمنية، ويستوعب كل فصل جيدا قبل الانتقال إلى الفصل اللى بعده.. على أساس أن ال Dead Line قد يكون بعد شهور.. أم يأفور أكتر فى إعطاء المادة حقها من الفهم والاستيعاب، ويحاول تطبيق النظريات، التى قرأها فى المادة على حياته بشكل عملى.. وهذا طبعا سوف يكون على أساس أن ال Dead Line قد يكون بعد سنوات.. ماذا يفعل الطالب فى موقف معقد مثل هذا.. وفى حسبة صعبة مثل تلك.. وفى ورطة سودا زى الورطة اللى هو واقع فيها.. والتى تتمثل فى إنه بيذاكر آه.. بس مش عارف إيه ال Dead Line بتاع المذاكرة اللى بيذاكرها! «إذا عُرِفَ السبب. بَطَلَ العجب».. الغريب والعجيب فى هذا المثل أنه فى تلك الحالة التى نحن بصدد التحدث عنها سوف ينبغى علينا أن نشقلبه رأسا على عقب.. ليصبح «إذا عُرِفَ السبب.. ازداد العجب».. ففى تلك الأمور التى تخص تجربة الحياة المقدسة.. كلما انجلى فى عقل البنى آدم منَّا كشفا لسر من الأسرار.. وكلما نوَّرت فى روح البنى آدم منَّا حتة من الحتت اللى كانت مضلمة.. كلما ازداد عجبنا أكثر.. وهل هناك عجبا أكثر من تلك الحقيقة الحياتية الكوميدية العجائبية المقدسة.. أنك كلما عرفت أكثر.. كلما شعرت بجهلك وعدم معرفتك أكثر وأكثر! لذا.. دعونا نعود للنملة التى لا تزال تشق طريقها باتجاه حبة السكر الواقعة على رخامة المطبخ.. ولسؤالنا الرئيسى «إيه ال Dead Line بتاع الحياة»؟! فى إحدى حلقات برنامج (The Docotor.s) على MBC4 كانت الفقرة تناقش إجابة هذا السؤال.. «لماذا ينجز بعضنا العمل بشكل أفضل إذا كان واقعا تحت ضغط معين له علاقة باقتراب ال Dead Line، الذى ينبغى عليه إنهاء عمله فيه؟ وتلك كانت هى إجابة هذا السؤال.. أن الجسم عندما يتوتر، التوتر المصاحب لاقتراب ال Dead Line الخاص بإنهاء عمل ما يفرز أدة الأدرينالين التى تسرع بدورها من ضربات القلب.. وتسمح تلك المادة للدماغ بالولوج داخل منطقة زمنية أبطأ من الزمن الفعلى والحقيقى الذى تحياه.. وهذا هو السبب فى شعورك أثناء وقت الخطر أن الوقت يمر بشكل أبطأ مما هو عليه (ولكم فى أى وقت محتسب بدل ضايع على منتخبنا القومى فى أى مباراة دولية خير مثال على ما أقول).. بينما تمر أوقات شعورك بالسعادة بشكل سريع وخاطف.. (ولكم فى ال29 عاما الماضية خير مثال على ما أقول).. هذا الشعور ببطء الزمن يفسح المجال أمام خلايا التركيز فى المخ لتعمل بقوة أكبر.. وهذا هو شعور طالب فى ليلة الامتحان.. لم يستعد جيدا على مدار السنة الدراسية.. إلا أن ذلك الطالب فى تلك الليلة القصيرة والمكثفة يمكنه إنجاز ما أنجزه طالب آخر فى أسبوع مثلا.. حيث إن شعوره باقتراب وقت الامتحان قد يجعله أكثر توترا أى نعم.. ولكنه أيضا سوف يجعله أكثر تركيزا.. وقاموا لإثبات ذلك بتجربة عملية على فتاتين كل فتاة جلست فى حجرة وحدها.. فتاة منهم جاءها صوت دافئ ومحب عبر سماعات فى الحجرة يخبرها بأنها أمامها الوقت الكافى لحل تلك اللعبة الحسابية.. استمرى فى طرح رقم 7 من رقم 100 وانطقيهم تباعا.. بمعنى (100.. 93.. 87.. وهكذا) أخبرها الصوت المنبعث من السماعة بضرورة الاسترخاء الكامل.. واتبعوا ذلك بتشغيل موسيقى كلاسيك هادئة لتساعدها على الاسترخاء والإجابة بدون تحديد وقت محدد لها لتجيب خلاله.. الفتاة الأخرى.. دخلت عليها حجرتها سيدة متجهمة وصارمة.. جلست أمامها ووضعت وجهها فى وجهها.. وأخبرتها بجفاء أن أمامها 60 ثانية فقط، كل نفس اللعبة الحسابية، وأخبرتها أيضا أن التجربة مسجلة عبر كاميرا فى الغرفة، وأنها سوف تذاع فى البرنامج أمام الشعب الأمريكى بأسره.. وبدأ العداد يعد.. وبدأت الفتاتان التجربة العملية.. الفتاة المتوترة الواقعة تحت ضغط توتير السيدة المتجهمة لها بالإضافة إلى ضغط ال Dead Line، الذى يقترب كانت فى قمة تركيزها وانهمرت الأرقام منها تباعا.. 100.. 93.. 87.. 80.. حتى انتهت إلى الرقم 2 فى 45 ثانية فقط.. أى قبل 15 ثانية من ال Dead Line. الفتاة الأخرى المسترخية والمستريحة نفسيا، والتى لم يخبرها أحد بأى Dead Line من أى نوع.. توترت أكثر من الفتاة الأخرى.. ولكنها لم تستطع بالرغم من توير كل عناصر الراحة لها نطق الأرقام الصحيحة.. إلى هنا انتهت فقرة البرنامج.. يمكننا الآن أن نعود القفز إلى رخامة المطبخ حيث نملتنا المثابرة قد حصلت بالفعل على حبة السكر.. وبذلت مجهودا لكى تستطيع تحميلها على ظهرها.. واستدارت فى طريق عودتها.. بينما الشخص الممسك بالبراد فى يده يبدأ فى صب الشاى فى الكوب الذى تعبر بجواره النملة.. هل تطرطش نقطة ميه مغلية على النملة لتنتهى حياتها فى لحظة.. أم تستطيع العودة بحبة السكر آمنة سالمة غانمة إلى جحرها الدافئ فى الحائط؟! هذا ما لا يمكننا التكهن به.. حيث إن لا النملة تدرك ما يفعله الشخص الذى يصب الشاى.. ولا الشخص الذى يصب الشاى يرى النملة من أساسه.. لهذا.. جميع الاحتمالات واردة! يالصعوبة تجربة الحياة.. التى يشبه البنى آدم فيها البنت اللى ما تعرفش ال Dead Line بتاع إجابة السؤال.. ولكنه.. لكى يستطيع إنجاز أى شىء فى تلك الحياة.. ينبغى عليه أن يقنع نفسه طوال الوقت أنه أشبه بالفتاة الأخرى.. التى تعرف أن ال Dead Line بتاعها.. بعد 60 ثانية فقط!