ما بين الصحراء المتماسكة المليئة بما "يؤذي كل يوم" من "فراغ متروك" و"أعباء رومانتيكية" و"خيانات ميتافيزيقية" والصحراء الاحتياطية التي يعيش بين طياتها الصحراويون والتي تتأهب "لالتقاطهم في اللحظة المناسبة" يجول ديوان "صحراء احتياطية" للشاعر السيناوي أشرف العناني الصادر عن دار شرقيات حيث تتجسد لحظات الحب والحيرة والقلق والبحث الأزلي عن أسرار الوجود من قبل الإنسان ككائن جدلي في مواجهة قوي الطبيعة التي يعتبر الوقت أحد أهم مفرداتها. تتجلي تيمة الوقت بقوة بين صفحات الديوان حتي تصل إلي قصيدة بعنوان "سنوات" يكرس فيها الشاعر كل محاولاته للتفاوض ولو قليلاً مع الوقت حين يقول: "نهيب بالوقت:/ من فضلك انتظر قليلاً... لم العجلة؟؟/ نحن مذعورون ونتحلي بضبط النفس كما علمتنا/ ألا تري ذلك؟؟" ثم تأتي المحاولة الثانية من الاستجداء ومحاولات التفاوض التي غالباً ما تؤتي ثمارأ أقل حيث التناص الواضح مع الاقتباس السابق حيث يستجدي العناني الوقت ان يتعاطف وينساه وذلك عن طريق رغبته الجامحة في ان تتجمد تكة الساعة بفعل البرد في قصيدة "معادلة لا ينقصها شيء". كذلك تتضح الفكرة ذاتها في قصيدة "إلي أندي" حين يقول: "وسعوا القبر ولو قليلاً/ وامنعوا الليالي ان تمر". ثم يتدخل تيار الوعي ليكشف لنا عن هم وجودي يتضح في قصيدة " ورطة" حيث يقول الشاعر: "هنا/ أو هناك../ أنت تحت سلطة الوقت"، أو عندما يعلن صراحة أن تيمة الوقت تتغلغل في ذاكرته الشعرية بقوله: "نشيب../ نموت../ وتزدحم القصائد بالسنين". إنها سلطة الوقت التي تتشكل في صورة "سبع ليلات كما ظلام متحرك" أو "الليالي التي تشبه بعضها" كانعكاس سوداوي لأيام الإنسان السبعة. ليست وحدها الليالي بظلامها ووجومها وعبثيتها التي تطارد الشاعر ولكنه النهار كذلك حيث يشبه نفسه بناسك "اكتشف فجأة أن نهاراً كاملاً مر دون أن يفعل شيئاً سوي التحديق في يديه". وحيث إن الشاعر دائماً وأبداً تحت سلطة الوقت، فقد تم تشخيص الوقت كإنسان "يقمط رباط حذائه الجديد" ويمر من أمام الشاعر دون أن يرمي عليه السلام . وفي محاولات لتحقيق ماهيته بعيداً عن الوجود الذي يسيطر عليه الوقت، يلجأ الشاعر إلي الليل كي ينتصر الخيالي الخفيف علي فساد الواقعي. يتضح ذلك عن طريق محاولات التملص من مطرقة الوقت حين يقول الشاعر: "في ساعة متأخرة كهذه/ أحتاج ان أغلق عيني". هذه الخدعة الميتافيزيقية يؤكدها ميلان كونديرا عندما يقول: "من يفتش عن اللانهاية ما عليه إلا أن يغمض عينيه". البحث عن اللانهاية أو التماهي ما هو إلا انعكاس لمحاولة تضميد لجروح غائرة تسببت فيها "السنوات التي تلفت بفعل الحرارة والندم". الساعات المتأخرة في الليل هذه هي ملاذ الشاعر للانفكاك من العبثية، هذا الليل الذي "يعلق نجومه هكذا حول أعناقنا كتمائم تحفظنا من الحياة" التي لا تمثل للشاعر سوي مجموعة من "حجارة العدم" التي تنهار فوق رأسه فتخلق عاهات بالذات. يتوحد الشاعر في الليل مع سيجارة أو نجمة حيث يعاملها كعيشقة تزورة في لحظات ليلية حيث تخرج النجوم من الثقوب السوداء لتذكره ببداوته فيقول: "كبدائي/ أفهم الوجود هكذا:/ ثقوب عديدة/ لا تنغلق أبداً"، ولذا يطرح تلك التساؤلات: "كيف يعيش من لا يدخنون؟؟" "نفد التبغ يا أمي فماذا أفعل طيلة هذا الليل؟؟" مع شروق الشمس وعدم القدرة علي الانفكاك من الجنس البشري بشكل تام يحدث الجفاء الذي وضع له الشاعر عنواناً لقصيدة يقول فيها: "وحيث أنتهي من جر آخر ساعة في الليل/ إلي مكان لا يصلح سوي لبياض ذاكرتي".