طلاب جامعة حلوان يزورون الكلية البحرية في الإسكندرية    تراجع مخزون النفط الأمريكي بأكثر من التوقعات    جهاز تنظيم الاتصالات يقر تعويضات لعملاء شركة فودافون مصر المتأثرين من العطل    بدء طرح الوطنية للطباعة بالبورصة 27 يوليو بسعر 21.25 جنيه للسهم    رئيس الوزراء: أي مشاهد للمعاناة الفلسطينيين بغزة تؤثر فينا جميعا فكلنا بشر    الخارجية الإيرانية: وفد تقني من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يزور طهران خلال أسابيع    الاتحاد الأوروبي يجهز حزمة رسوم عقابية حال فشل المفاوضات التجارية مع أمريكا    تُصنّع في الولايات المتحدة.. ألمانيا تستجيب لتركيا وتوافق على تسليمها 40 طائرة    إصابة محمد عواد    رسميًا.. برشلونة يحسم صفقة راشفورد على سبيل الإعارة    تأييد إعدام شخص والمؤبد ل4 آخرين لقتلهم شاب في المرج    الإفراج عن 1056 نزيلا بمراكز الإصلاح والتأهيل بمناسبة الاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو    أحمد سعد يفتتح الوش الثاني من "بيستهبل" ب"بلونة" (فيديو)    مهرجان إيزيس يطلق مسابقة للتأليف باسم فتحية العسال    وسط ارتفاع وفيات المجاعة في غزة.. حماس ترد على مقترح وقف إطلاق النار    الكنيست يصوت لصالح فرض السيادة على الضفة وغور الأردن    سلطان عُمان يهنئ الرئيس السيسي بذكرى ثورة 23 يوليو    رئيس "إسكان النواب": تصريحات الرئيس السيسي بشأن الإيجار القديم تؤكد أنه سيصدق على القانون    بالفيديو.. حمزة نمرة يطرح 3 أغنيات من ألبومه الجديد "قرار شخصي"    الحبُ للحبيبِ الأوَّلِ    مدرب خيتافي: كنت أراهن على نجاح إبراهيم عادل في الدوري الإسباني    مؤشرات تنسيق الثانوية العامة 2025 علمي.. كليات ومعاهد تقبل مجموع 50% فقط في 2024    اقتصادي: الجيش حمى الدولة من الانهيار وبنى أسس التنمية    البابا تواضروس يستقبل مجموعة خدام من كنيستنا في نيوكاسل    علي معلول يوقع على عقود انضمامه إلى ناديه الجديد    أوكرانيا وروسيا تستعدان لإجراء محادثات سلام في تركيا    خلال استقبال مساعد وزير الصحة.. محافظ أسوان: التأمين الشامل ساهم في تطوير الصروح الطبية    بالأسماء.. رئيس أمناء جامعة بنها الأهلية يُصدر 9 قرارات بتعيين قيادات جامعية جديدة    منهم برج الدلو والحوت.. الأبراج الأكثر حظًا في الحياة العاطفية في شهر أغسطس 2025    متحدث الوزراء يكشف السبب الرئيسي وراء تأجيل احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    وزير الدفاع يكرم أصحاب الإنجازات الرياضية من أبناء القوات المسلحة (تفاصيل)    ماذا يحدث لجسمك عند تناول السلمون نيئًا؟    خادم الحرمين وولى العهد السعودى يهنئان الرئيس السيسى بذكرى ثورة 23 يوليو    القاهرة والرياض تبحثان مستجدات الأوضاع بالبحر الأحمر    «اتصرف غلط».. نجم الأهلي السابق يعلق على أزمة وسام أبو علي ويختار أفضل بديل    فسخ العقود وإنذارات للمتأخرين.. ماذا يحدث في تقنين أراضي أملاك الدولة بقنا؟    خطة استثمارية ب100 مليون دولار.. «البترول» و«دانة غاز» تعلنان نتائج بئر «بيجونيا-2» بإنتاج 9 مليارات قدم    ب2.5 مليون.. افتتاح أعمال رفع كفاءة وحدة الأشعة بمستشفى فاقوس في الشرقية (تفاصيل)    لماذا لا ينخفض ضغط الدم رغم تناول العلاج؟.. 9 أسباب وراء تلك المشكلة    «ادهشيهم في الساحل الشرير».. حضري «الكشري» في حلة واحدة لغذاء مميز (المكونات والطريقة)    "المطورين العقاريين" تطالب بحوار عاجل بشأن قرار إلغاء تخصيص الأراضي    الأهلي يترقب انتعاش خزينته ب 5.5 مليون دولار خلال ساعات    على شاطئ البحر.. أحدث ظهور للفنانة بشرى والجمهور يعلق    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر والأصل أن تعود للخاطب عند فسخ الخطبة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم نتمنى ان نكون مثلكم ?!    أسرة مريم الخامس أدبي تستقبل نتيجتها بالزغاريد في دمياط    ضبط 3695 قضية سرقة كهرباء خلال 24 ساعة    ضبط 30 متهما في قضايا سرقات بالقاهرة    فيريرا يركز على الجوانب الفنية في مران الزمالك الصباحي    وفاة شخصين متأثرين بإصابتهما في حادث تصادم سيارتين بقنا    بالفيديو.. الأرصاد: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد حتى منتصف الأسبوع المقبل    الرئيس السيسي: هذا الوطن قادر بأبنائه على تجاوز التحديات والصعاب    رئيس الوزراء يتفقد موقع إنشاء المحطة النووية بالضبعة    البنك الزراعي المصري يبحث تعزيز التعاون مع اتحاد نقابات جنوب إفريقيا    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    خلال فترة التدريب.. مندوب نقل أموال ينهب ماكينات ATM بشبرا الخيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في هذه الحياةُ الصغيرةُ: رحلة البحث عن الخلود
نشر في أخبار الأدب يوم 10 - 11 - 2012


سالم أبو شبانه
يتمركز ديوان ( الحياة الصغيرة ) للشاعر
(سالم أبو شبانه) حول عدد لا نهائي من الهموم الوجودية التي ليس لها حلول ثقافية: همّ الوجود، همّ الوقت، همّ الخلود، همّ الذات وغيرها من الهموم التي ترسم لوحة سيريالية للعربة أمام الحصان؛ حيث يقف الانسان ككائن جدلي في مواجهة العالم؛ حيث يسيطر الوعي الذاتي بقوة. وقلما تجد رائحة لوعي جماعي؛ وإن وجدت رائحة للوعي الجماعي تجدها رائحة كريهة، وذلك لأن الشاعر يؤمن بمقولة سارتر »الجحيم هو الآخرون« الآخرون الذين يقفون حجر عثرة في طريقه نحو إقامة علاقات إنسانية سليمة: »أشهق ما تبقي من هواء الاخرين الشحيح«. حتي مع محبوبته لا توجد علامات واضحة لعلاقة سليمة، إنه فقط يدّعي محبتها لينجو »من سطوة الأساطير وحصار الآخرين« ولذا تجده يعترف لها قائلا: »أمشي بصورتك الموحشة في قلبي«. الوعي الذاتي هذا هو ما جعله يصدّر الديوان بسطور لويليام سارويان تقول: »تعيش وتموت وفقا لما يجري داخلك، ذلك الذي لا يستطيع أحد سواك أن يعرفه«. هذه السطور التي تتناص تماما مع قول الشاعر في إحدي قصائد الديوان: »الطريق لا يفضي لشيء سواي وسواي لا شيء«.
غياب اليقين
همّ المصير والقضاء والقدر والصدفة وكل هذه المفردات الوجودية هي ما جعلته يصف العالم بالعماء: »العالم عماء«، هذا العالم المليء بالمفردات الغامضة التي تولد ما يسميه " الضجيج الغامض »الذي لا يتيح للانسان أي فرصة كي« يحمل يقينه علي كفه«. غياب اليقين وسيطرة الشك بمراحله المختلفة هما ما أجبراه أن يعترف لأمه بما يدور في داخله قائلاً: »الضجيج والغبار أعماني يا أمي«.
يتضح العداء بينه وبين العالم في قصيدة بعنوان »العالم يتربص بي« يقول فيها: »العالم لا يقف علي عتبة البدوي« ولكنه يتواري كلص »ليسطوَ علي الحلم البسيط في عجالة« فهناك تزامن أخرس بين العالم وأحلام الشاعر. فظاعة العالم وعبثية الوجود هما ما جعلا الشاعر يلجأ أحياناً إلي حلم مفقود كذلك: »لا يعنيني من العالم / الهادر/ غير ركن صغير/ في مكان ما/ وحالة صحراوية / أتوهم فيها فردوساً مفقوداً «. ولذلك تجد مفردة »الفراغ « مبعثرة بين طيات الديوان، إنه »التحديق في الفراغ«، التحديق في اللاشيء واللا شكل معاً، بالإضافة الي »الترحال بأفكار سوداء ومشاعر ملتبسة«، الأفكار السوداء التي أدت إلي نتيجة عبثية تتمثل في السطور التالية: »أنا المجهول من لدن ذاته.. وبي من الأضداد ما يجعلني: / ريحاً علي جدار..
متاهة وجودية
إن التحديق في الفراغ هو ما تسبب في حالة الاغتراب الذي عنون لها الشاعر قصيدة يقول فيها: »الصقر المتعب/ من التحديق في الفراغ«، الصقر المسافر بلا قرار رغبةً في الانفكاك من »فوضي الأفكار وجحيم الاسئلة«. تلك المتاهة الوجودية بفظاعتها ووجومها وعبثيتها هي ما جعلته يصرخ:« تعالي أقول لك شيئاً/ أيتها الحياة: أنتي كلبة« . هنا يتضح التمركز الصوتي الذي تحدث عنه جاك دريدا. الصراخ بصوت مسموع من جراء عدم القدرة علي تحمل مطاردة الحياة له بأنيابها ومخالبها وكأنها كما سماها هو: »تطارديني بأنيابك/ ومخالبك يا حياة« ثم يأتي التساؤل الأكثر بشاعة : " إلي أين يا حياة؟ " تلك التساؤلات التي لا يجد لها إجابات قاطعة تمثل قطعاً ناقصاً يجعله ينهي الديوان بقطع ناقص يعبر عن نقصان لا حدود له :»هذا أنا، لا غير / رجل بعرق قديم/ كعواء ذئب/ وحاضر يصنع أمثولة لا تكتمل«.
ثم إن الشاعر لم يفلت كذلك من التفكير في مسألة الموت: »أخفي نجمة في جيبي/ علّي أفهم معضلة الغيب/ والرحيل المباغت«. هذا الرحيل المباغت الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما »ينفرط من جراب الآلهة« ولهذا يعترف في موضع آخر من الديوان قائلاً: »ولست حراً«. هذا التعبير يتنافي تماما مع ما أكد عليه سارتر في كتاب »الوجود والعدم« حيث قال: »الانسان هو الحرية«. وهنا تأتي الرغبات الملحة في الوصول إلي الله : »باحثاً عن الله / في حقول شاسعة/ وأكوام الورق المتسخ/ بالحبر الأسود« ، أكوام الورق المتسخ هي المعادل الموضوعي لمعادلات غير متكافئة من الناحية الوجودية ، وكأنها مأساة الحلاج الذي أعلنها صراحةً: »الإنسان شقي في مملكة الله«.
الشقاء الذي يشعر به الشاعر من جراء التلامس الواضح بين الأنا الحسية (الروح) والوجود. فثمة هموم لا حصر لها تهدد استقرار الروح، ولذلك تراه يسميها تارة بالروح »الغائمة« وتارة أخري بالروح الوحيدة حيث يشبه نفسه بالولد الذي " كم بكي صامتاً/ كلما رأي صحراء/ وحيدة كروحه!" الغيوم والوحدة هما السبب وراء »العواء الخافت« الذي تحدث عنه الشاعر. يأتي بعد ذلك هم الوقت. مثل فلاديمير واستراجون في مسرحية »في انتظار جودو« للكاتب العبثي صموئيل بيكيت، فإن الشاعر يعاني من انعدام مفهوم الوقت: »أركل الحصي / في وجه الأوقات«. ثم يأتي التساؤل الوجودي الخالد: »ماذا عليه أن يفعل/ في الفراغ المسمي يوماً؟«. هذا التساؤل العبثي تقف وراءه الأيام التي »تسقط بشراهة« دون أدني إحساس داخلي بتحقيق الذات. ثم بسبب الفراغ اليومي تراه يستيقظ »كدراً في الليل«، وعندما يستيقظ »ليألف نجمة في الليل« أو بالأحري كي يألف كل ما هو سماويّ، يتضح له أن الليل هو الآخر مشوّه: »لا أحتاج إلا صمتك في الليل الذي يشبه ليلاً أعرج«. إنه يطلق عليه كذلك »الليل الأخرس«. ولذا يأتي رد الفعل المدهش في قوله: »أركل الليل بقدمي الخشنة«، ومن ثم يصور المعركة بينه وبين الوقت في قصيدة »أنام محتقناً بي« حيث يقول:« والأيام تركل ظهري/ أكابد النهار» حيث »الهواء الراكد« و » الحيواتالميتة « و »الفاكهة العطنة«. حين يري كل ما حوله هكذا، ما عليه إلا أن »يتكيء علي ضلع روحه/ وهو يمشي بكفين فارغتين« غير قادرين علي الإمساك بشيء. (الكفين الفارغتين) يحملان تناصاً واضحاً مع قصيدة »أمثولة الراعي« التي يقول فيها: »لا أقول أدركت شيئاً، ولم يعلق بيميني من متاعها شيء« كل هذه المعضلات تخلق جواً من عدم الألفة بينه وبين الطبيعة، فهو لم يعد قادرا علي الإدراك أو الفهم الصحيح أو التأويل: »الحجر مطويّ/ أكلت الريح حوافه!/ ويستعصي علي التأويل«.
حالة انكار
تلك المرحلة من استنكار كل ما هو أرضي والتعلق بكل ما هو سماويّ هي مرحلة يشعر فيها الإنسان بأنه ضحية في هذا الوجود. حتي الغزالة التي توحد معها علي الأرض لم تتوحد مع أبيه وكانت سبباً في تساؤلات فوضاوية: »أبي لا يريدني، والغزالة لا تريده.. أنا والغزالة وأبي .. هذا الفضاء حقل الأسئلة«. الحالة المأساوية هذه تخلق كذلك نوعاً من الإنكار بينه وبين وجهه حيث يقول: »ولا أقف أمام مرآتي المضببة« وكأن الهوية هي »فساد المرآة التي يجب أن نكسرها كلما أعجبتنا الصورة« علي حد قول محمود درويش.
وهنا يأتي التناص مع رواية »الخلود« لميلان كونديرا. يقول كونديرا: »الرقم في النسخ البشرية هو الوجه، ذلك التجميع لسمات عرضية وفريدة، في هذا التجميع، لا تكشف الطباع ولا الروح ولا ما يسمي بالأنا . الوجه عملية ترقيم للنسخة لا أكثر... وجهك ليس أنت«.
هذا الشاعر الذي يعاني من ثقل لا مرئي يعترف بأنه »فاشل في الحب« لأنه »فاشل في إقامة جسور للآخرين «، ولذا يقول: » أسير/ حذاء نفسي،/ لا أملك منها/ إلا وهماً / لا تعرفني إلا وقت الشهوة«، والشهوة هي الخلاص المؤقت للجسد، ولأنه لا يؤمن بآلة الجسد بل يؤمن بآلة الروح، يتضح أن نفسه التي لا تعرفه إلا وقت الشهوة تمثل هي الأخري حملاً وجودياً ثقيلاً: »وعرجت معراج الحب / وعدت خائباً«. إنها خيبة الإحساس بالجسد بعيداً عن الروح ليس أكثر.
تلك هي الهموم الوجودية التي يعاني منها »البدويّ الأرعن« الذي أحب كزانتزاكيس الذي علمه كيف يرقص مثل زوربا، البدوي الذي يحاول السير علي درب جلجامش في رحلة »البحث عن الخلود« عن طريق العبور« » متاهة الحياة «.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.