الشعر الحلمنتيشي خبا شعاعه بعد رحيل عميده احسين شفيق المصريب دون أن يترك وليّ عهد، يقوم علي إمارة هذا النوع من الشعر، علماً بأن احسين شفيق المصريب لم يكن وحده الكوكب الساطع في هذا الأفق- علي حد قول د. محمد رجب البيومي- فقد كان يزاحمه بيرم التونسي ومحمد الههياوي مزاحمة النظراء، كما كان- أيضاً- لهؤلاء الكبار تلاميذ ممتازون، منهم: محمد مصطفي حمام، وطه حراز، وعبدالسلام شهاب.. ولا أحد ينكر أن الشعر الحلمنتيشي كان أقرب إلي أهواء العامة من شعر أمثال شكري ومطران والعقاد.. واختُلِف في نشأة البذور الأولي لهذا الشعر، فقيل إنها نبتت في العصرين الملوكي والعثماني- كما يقول المؤ رخ كمال النجمي- ومنهم من يرجعونها إلي العصر العباسي- أيام أبي نواس- والمعقول والأقرب إلي الصواب أن التطعيم يبدأ مع اختلاط الألسنة وجريان العربية علي ألسنة الأعاجم (من فُْرْ س وديْلم وهنود)، وقد جرت العربية مختلطة بغيرها في العصر العباسي الأول- عصر الجاحظ، الذي تشهد كتبه علي ذلك- وقد استمر التهجين، متنقلاً فيما تلا هذا العصر.. ومن الظواهر التي لا يمكن إغفالها، توجّه الشاعر المشهور «البهاء زهيب في محاولة جعل الفصحي من الطواعية واليسر بحيث تجذب كل قارئ إليها، في مثل قوله علي تفعيلة »مفاعيلن«: من اليوم ِ تعارفْنا ونطوي ما جري منّا ولا كانَ ولا صارَ ولا قُلتم ولا قُلنا وإنْ كان ولا بدّ من العتْب فبالحُسَني فقد قيل َ لنا عنكم كما قيل َ لكم عنّا كفي ما كان من هجرٍ فقد ذُ قْْتم وقد ذُ قْنا وما أحسن أن نرجع َ للودّ كما كنّا والبهاء زهير استأنس العامية، فجرت علي لسانه في مثل قوله »ولا كانَ ولا صار«، والعامية- هنا- أي التي تجري علي الألسنة الأمية، أي ألسنة العامة، مع أنها »عربي فصيح« .. ومما يُذ كر أن الشاعر ابن سودون :كان- أيضاً- يتعمد استخدام العامية في شعره.. أيضاً هناك واحد من الشعراء الكبار الذين احتفلوا بالشعر المطعّم، وأفرط فيه إفراطاً لفت إليه الأنظار، هوالشاعر »عامر الأبنوطي«، فقد انفرد بين شعراء جيله بهذا اللون الأدبي، وهناك من يقول إن الشاعر :»حسين شفيق المصري «وأضرابه من رواد الشعر الهجين- في ذلك العصر- قد تأثروا بعامر الأبنوطي حين قرأوا تاريخ »الجبرتي« :فالأبنوطي من شعراء العهد العثماني الأخير، وقد مات قبل الحملة الفرنسية بثلث قرن، ونذكر أن »الأبنوطي« قد حاكي قصائد مشهورة في عصره، ومنها القصيدة اللامية للطغرائي، والتي حازت شهرة مدويّة، والتي يقول مطلعها: أصالة ُ الرأي صانتْني عن الخَطَلِ وحلْية ُ الفضل زانتْني لدَي العطَلِ و قد قال الأبنوطي علي غرارها: أناجرٌ الضأن ترْياقٌ من العِلَلِ وأصحُنُ الرزّ فيها مُنْتهَي أمَلي