نجيب محفوظ نعم.. هي مأساة في حق القوة المصرية الناعمة. لقد ترك الكاتب الراحل نجيب محفوظ ل »شلة الحرافيش« مسئولية ضخمة في الحفاظ علي روائعه ومأثوراته الروائية، التي ازداد احتفاء العالم بها بعد حصوله علي نوبل 1988. تجلي الأمل الكبير في إنشاء متحف مصري عالمي يضم كل شيء عن محفوظ.. لكن الأمل تصلبت شرايينه في إطار اللامبالاة من المؤسسة الثقافية.. كيف.. ولماذا؟ د.فتحي هاشم الصديق الحميم للكاتب الكبير ومعه كل الحرافيش.. غاضبون من هذا الإهمال في حق محفوظ.. غضب موضوعي نبيل.. إزاء عدم خروج المتحف الذي يحمل اسم أديبنا الراحل إلي حيز الوجود.. علامات استفهام ثقيلة يشعلونها هنا ويحملون »أخبار الأدب« مسئولية المتابعة.. وبدورنا نطرحها علي أصل الاختصاص وعلي الرأي العام. يقول د.فتحي هاشم: لازمت نجيب محفوظ مع باقي شلة الحرافيش طوال حياته وحتي رحيله وكان معي بليغ بطرس ومحمد الشربيني ولطفي بولس وأيمن رشدي ومازلنا نجتمع أسبوعياً حاملين معاً هم نسيان الدولة لنجيب محفوظ وقد أتخذنا أحد الأندية علي النيل مكاناً لاجتماعنا لأنه يواجه الشقة التي كان يسكنها نجيب محفوظ، ومن طقوسنا التي نحرص عليها حتي الآن النظر إلي شقته بالعجوزة قبل أن نبدأ حديثنا وكأننا علي موعد معه أو ننتظر قدومه للجلوس معنا وهذا الشيء البسيط هو الذي نملكه وفاءً للصحبة الجميلة التي كنا نحياها مع أديب نوبل. بيت القاضي متحفاً ويسترجع د.فتحي هاشم خطوات محاولات تخليد نبوغ نجيب محفوظ التي أغلق ملفها عمداً مجهولون ويقول: أختارت وزارة الثقافة »بيت القاضي« ليكون متحفاً لنجيب محفوظ باعتباره المكان الذي نشأ فيه وكان ذلك إبان تولي فاروق حسني وزارة الثقافة واختير الأديب توفيق صالح ليكون مديراً لهذا المتحف وتم تكليفه بإجراء دراسة جدوي لإنشاء المتحف وقد فرحنا بذلك جميعاً، ويكمل: بالفعل اجتهد توفيق صالح وقام بالدراسة المطلوبة وحدد المحاور الرئيسية لإقامة المتحف، وتواصلنا جميعاً معه وكنا علي أتم استعداد لإمداد المتحف بالتراث الكبير والمقتنيات التي لدينا نحتفظ بها لأديب نوبل العربي كذلك كل الأشياء الشخصية التي لدينا، بصراحة اتجهت آمالنا لإنشاء متحف عالمي يضم كل تراث نجيب محفوظ ويكون مزاراً عالمياً لهواة الأدب في الشرق والغرب وفاتحة خير كبير علي مصر تخليداً واحتفاءً بالأديب الذي رفع رأس مصر عالياً في مجال الأدب. دهاليز الوزارة ويتحسر د.فتحي هاشم حين يتذكر أن الفكرة تاهت في دهاليز وزارة الثقافة ولم تظهر للنور حتي الآن ولا يعرف أحد مصيرها وأسباب توقفها حتي يومنا هذا.. ثم عاد الأمل الكبير يملأ صدورنا حين عرفنا أن الملف قد فتح مرة أخري وأعيد إلي دائرة الضوء مع بدء المفاوضات حينما تولي د.عماد غازي وزارة الثقافة واتخذ إجراءات مهمة وبذل جهوداً كبيرة لإحياء هذا الموضوع وسعي أن يري المتحف النور، إلا أن الفكرة ماتت قبل أن تولد.. وأيضاً لم نعرف الأسباب التي أدت إلي وأدها. محاولة اغتياله ويعود بنا د.فتحي إلي اليوم الذي تم الاعتداء فيه علي نجيب محفوظ ويقول: أنا حزين لتجاهل الدولة لتخليد نبوغ أديب عالمي عرض حياته للخطر في سبيل التنوير وإيمانه بما يكتب وتمسكه بضرورة الإبداع من أجل رقي المجتمع وتحريره، وقد كنت يوم الاعتداء عليه انتظره بالسيارة الخاصة بي أمام منزله في الصباح الباكر كعادتي اليومية تنفيذاً لاقتراحي بأن أصحبه متطوعاً كل يوم وكعادته خرج الأديب الكبير من شقته بالدور الأرضي وركب السيارة في المقعد الخلفي وكان دائماً يفتح زجاج السيارة حتي يري مصر من خلال نظره لما يحيط بنا. وفجأة وأنا متجه لركوب السيارة سمعت صرخة عالية من نجيب محفوظ فنظرت إليه سريعاً ورأيت شاباً يجري فأسرعت إلي الأديب العالمي ملتاعاً لأخرج سن السكين من رقبته وهو يصرخ ! ولم يعرف حينها من الذي اعتدي عليه وأسرعت به إلي مستشفي الشرطة وتم إسعافه بعدها وبدأت الاجراءات السريعة التي ساعدت علي الحفاظ علي حياة أديبنا العظيم الذي لولا عناية الله ولطفه لكانت عواقب هذه الحادثة وخيمة علينا جميعاً حيث كانت ستودي بحياته. ويكشف د.فتحي أسراراً جديدة فيقول: علمنا بعد ذلك أن الشخص الذي اعتدي علي نجيب محفوظ كان ينتظره من دعاة الظلام كان من المقرر حضورهم ومعهم ديناميت عبوة ناسفة كانوا ينوون وضعها أسفل السيارة وبمجرد تحركها تنفجر العبوة وتنسف من فيها.. ولكن عناية الله جعلتنا نبدأ الحركة قبل موعد تحركنا اليومي المعتاد فوجد الجاني أن شركاءه لم يحضروا وأنه أصبح وحيداً فأخرج سكيناً صغيرة من جيبه ونفذ الاعتداء بنفسه دون انتظارهم. متحف أمريكي لأديبنا ويتواصل حديث ذكريات د.هاشم عن خالد الذكر نجيب محفوظ فيقول أن وفداً أمريكياً جاء ليرصد تاريخ وحياة وعادات أديبنا العظيم وقابل أفراد الشلة واحداً تلو الآخر ليجمع ما معهم من مقتنيات وأدب نجيب محفوظ وكذلك إجراء أحاديث صحفية وحوارات مطولة لنشرها في الصحافة الغربية بغرض التعريف بالأديب العالمي وأيضاً أبلغونا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تسعي لإقامة متحف كبير تخليداً له عوضاً عن غفلة مصر عن ذلك. ونظراً لعقبات كبري واجهت الوفد باءت جهوده بالفشل وبالرغم من استمرار الاتصال بيننا وبينهم من فترة لأخري إلا إنهم دائماً يعانون غلق الأبواب أمامهم ومازال التراث لدي شلة الحرافيش يؤرقنا ويبحث معنا عن حل! ويحكي فتحي هاشم عن علاقة الأديب نجيب محفوظ بالشيخ سيد قطب عضو جماعة الاخوان المسلمين فيقول: بعد الظلم الذي تعرض له سيد قطب وهو ما أدي إلي سجنه مدة طويلة سانده نجيب محفوظ كثيراً وكتب مقالات عديدة يناصره فيها بالرغم من التحذيرات الكثيرة التي تلقاها من السلطات المسئولة أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلا أنه لم يلق انتباهاً لذلك ولم يعط آذاناً لها وزاره مرتين في سجنه علانية تحت سمع وبصر المسئولين وكان مسانداً كبيرا وداعماً لسيد قطب. ويستلهم فتحي هاشم روح نجيب محفوظ حين يقول: كل من لازم الأديب الكبير تعلم منه خصالاً كثيرة فأنا تعلمت منه احترام الوقت وعدم التأخر عن الموعد المحدد سلفاً مهما كانت الظروف حتي لو كانت مريضاً فالوقت عند نجيب محفوظ كان غالياً والساعة التي تمر من عمره دون أن يقرأ أو يكتب يعدها إهداراً للوقت وكنا نجتمع في السابعة بعد المغرب يوم الجمعة من كل أسبوع ولا نتأخر عن الموعد أبداً مهما كانت الظروف وكان دائماً يسأل عن الجميع ويسأل عن الغائب وكان يلقبنا جميعاً بألقاب من عنده وكان دائماً يقول لي في كل حديث فتحي باشا إيه أخبارك؟! وأشار فتحي هاشم إلي الإهمال الشديد الذي يتعرض له المكان الذي شهد مولد ونشأة نجيب محفوظ بجوار الحسين بمنطقة الدراسة فيقول: إنني أزورها دائماً لأسترجع واستلهم روح الأديب نجيب محفوظ ولكن للأسف يؤلمني وينكد علي حياتي ما رأيته أسفل المكان الذي شهد المولد والنشأة حيث أقيم مقهي يقدم الشاي والشيشة وبجواره شونة لبيع الغلال.. فهل هذا هو مصير الأديب العالمي في بلده؟ وهل هذا هو التقدير المناسب لنجيب محفوظ؟.. هناك في الخارج يجعلون من هذه الأماكن مزارات للسياح من كل بلاد العالم تحفز علي الابداع والنبوغ. مسئولية "أخبار الأدب" في ختام حديثه طلب د.فتحي هاشم من »أخبار الأدب« تبني مطالبة الدولة بإقامة متحف لنجيب محفوظ باعتبارها هي المنبر الأدبي الكبير في مصر والبلاد العربية ومسئوليتها مؤكدة نحو المطالبة بسرعة اقامة متحف يضم أعمال ومقتنيات وآثار أديبنا العالمي حتي لا تضيع أو تهلك ويندثر معها تاريخ نفتخر به، موضحاً أن أفراد الشلة لديهم الكثير والكثير من أدب وأعمال ومقتنيات وعادات وذكريات نجيب محفوظ ولديهم ما لا يعرفه أحد حتي الآن، ويمثل أسراراً لم يكشف عنها وتكشف مفاجآت خاصة بنجيب محفوظ وهم مستعدون للبوح بها جميعاً والتنازل عن كل ما لم يعرفه الناس وخص بها نجيب محفوظ أفراد الشلة.