السخرية هي الوجه الأكثر فاعلية في نقد الظلم والقهر والقمع في شتي صوره، وإبراز وجه المفارقة والتناقض فيما يجب أن يكون وما هو سائد فعلا علي مستوي الواقع. وقد حققت الرواية العربية بهذا البعد الإنساني والروحي للفكاهة في كثير من الأعمال التي استلهمت الروح العربية الأصيلة في التعبير عن تأزمات الواقع وتناقضاته ومفارقات الحياة في شتي صورها، نجدها في أعمال توفيق الحكيم، والمازني، وزكريا تامر، وإميل حبيبي، وغيرهم. كما احتفي بهذه النزعة الإنسانية كثير من كتاب الرواية في العالم، نذكر منهم علي سبيل المثال، مارك توين، وبرنارد شو، وتوماس هاردي، ولويجي بيرانديللو، وماركيز، وغيرهم كثيرون. هذا ما أكد عليه حضور الندوة التي عقدها مقتدي الرواد الكبار - برئاسة هيفاء البشير - وشارك فيها نخبة من النقاد العرب من الأردن، السعودية، سوريا، العراق، السودان، ومن مصر الشاعرة عزة رشاد، د. نادية الجندي، سهير شكري وشوقي بدر يوسف، وأدارها د. يوسف بكار (الأردن) وكان محور المناقشة حول "السخرية في الرواية" وخاصة في أعمال الكاتب صبحي فحماوي. حيث أكد الحضور علي أن ابداعات فحماوي الروائية تطال - جميعها - نزعة المفارقة الساخرة، وتجسيد روح المنافقة في بعدها الكاشف عن نزعة نقد الواقع المأزوم. ففي رواية "الحب في زمن العولمة" نجد تيارا سرديا ساخرا يغلف الرواية منذ الاستهلال الأول، يؤجج فيها روح التناقض من خلال هذه التيمات السردية المتلاحقة، حينما يسرد الراوي كيف سيطرت عليه هواجس الجان حين قال له: "أنت تكتب ما أمليه عليك، ولا علاقة لك بالموضوع، وما علي الرسول إلا البلاغ، فأجبته كما تعودت أن أجيب زوجتي بلا مناقشة: حاضرا وهكذا بدأ يأمرني وأنا أطبع وأكتب". وفي رواية "حرمتان ومحرم" قدم فحماوي شخصيات إنسانية في بعدها الساخر من التجربة في مفارقة مدهشة.. وفي رواية "عذبة" تبدو روح السخرية متجذرة داخل نسيج هذا النص منذ بدايته وحتي النهاية. نجد ذلك أيضا في رواية "الأرملة السوداء" من خلال العلاقة بين الرجل والمرأة في صراعهما الأبدي نحو التسلط والهيمنة. كما يستخدم الكاتب الجنس في بعده الساخر لإبراز المفارقة الحسية بجانب المفارقة الفكرية الداعمة لرؤيته في روافد جوانب النص المختلفة. فالجنس في رواية "الأرملة السوداء" هو تيمة من التيمات الرئيسية التي وظفها فحماوي لإبراز صلب العلاقة الجدلية وإشكالياتها الأساسية بين الرجل والمرأة في صور عدة، إذ نقرأ في خبر عن مؤخرة شاكيرا، التي جعلت غارسيا ماركيز يقول إنها أجمل ما أخرجته كولومبيا في تاريخها.. وعلقت إحدي القارئات العربيات علي الخبر قائلة: "شفتي المؤخرات علاش قادرين". وفي رواية (الإسكندرية 2050) يسرد الراوي بسخرية لاذعة مضحكة عن ركوبه القطار وما رأه من مفارقات يواجهها الصعايدة وأهل طنطا المتحلقين حول السيد البدوي.