اتسعت ظاهرة الكتابة علي الانترنت في العالم العربي، وبدأ جيل جديد من الشباب في نشر كتاباتهم بحرية أكبر، وبدأ البعض يتحدث راضيا عن محاسن المدونات باعتبارها تتيح الفرصة أمام الجميع للإفصاح عن الرأي من دون الحاجة إلي تأهيل أو شهادة أو واسطة لصعود السلم الإعلامي، لكن بزيادة عدد المدونين وخوضهم في مناطق ابعد عن حدود التسجيل اليومي للأحداث الشخصية، تعرض عدد منهم للتحقيقات متهمين بالتجاوز في ما ينشرونه، سواء تجاه بعض السياسات أو في طريقة الكتابة وما فيها من أخطاء تاريخية ولغوية وإملائية، وشكا كثير من المدونين من مضايقات أمنية وحاز بعضهم لقبا كبطل من أبطال حرية التعبير، بل وتم الحكم علي بعضهم بالسجن. لذلك كله رأي د.هشام عطية عبد المقصود أن حالة حضور المدونات في الفضاء الاليكتروني تعبر عن حالة جديرة بالرصد والتحليل والفهم، فكتب في كتابة الصادر مؤخرا عن "العربي للنشر والتوزيع" بعنوان "دراسة لخطاب المدونات العربية..التعبيرات السياسية والاجتماعية لشبكة الانترنت" أنها _المدونات- أصبحت تتيح مساحات للتعبير عن حيز متسع من القضايا والأحداث المتعلقة بمختلف الشئون العامة، ليتأكد عبر متابعة أدوارها أن عددا منها يتجاوز نطاق كونه تعبيرا ذاتيا عن رؤي ومواقف شخصية للعمل كساحة يتم من خلالها عرض وإدارة نقاش عام وبلورة توجهات بشأن قضايا ذات أولويات جماهيرية، ذلك أن ما يمنح المدونات أهميتها كوسيلة إعلامية جديدة هو تيسيرها لكل الوظائف الإعلامية المتعارف عليها فضلا عن تطوير سبل تأديتها وزيادة التفاعلية وتواجد صفة الفورية في عملها وتعدد مراكز الاتصال والمشاركة في مناقشة الشأن العام وبصورة غير مسبوقة. يوضح د.هشام أن مصطلح "مجال المدونات" يستخدم للإشارة عادة إلي المدونات السياسية وقد صكه William quick عام 2001 للإشارة إلي "المطارحات السياسية" التي يشارك فيها القراء، أما المجال فيقصد به الشبكة التي تنشأ علي الانترنت من مجموعة المدونات السياسية في مجتمع ما، ويتم عبرها حوار جماهيري بشأن القضايا، وبذلك تمثل المدونات مجالات عامة يتم فيها التعبير عن الآراء ومناقشتها وتحليل الأحداث كما يمكن داخلها مراقبة أساليب عمل السياسيين بل ومراقبة أداء وسائل الإعلام ذاتها. يطبق د.هشام دراسته علي مدونتي "الوعي المصري" و"نورا يونس" وخلص إلي أن كلاهما خرجا عن حدود سرد اليوميات والتعليقات الشخصية عن الشئون العامة، وخرجا عن حدود التعبير عن انشغالات ذاتية وقضايا فردية لتعبرا بحق عن تشكيل مجال عام حقيقي يقوم بعدد من المهام تدخل ضمن حدود ما تعارفت عليه الأدبيات البحثية أنه مجال عام تشكله المدونات باعتبارها وسائط إعلامية جديدة، حيث تناولا قضايا ذات أولوية جماهيرية، ونوعا النقاش بشأنها، وعملا علي تطوير الحوار حول عناصرها، وتلقي مشاركات متنوعة من الجمهور، فضلا عن السعي لبلورة توجه عام بشأن هذه القضايا، ومحاولة الحث علي القيام بإجراءات وسلوكيات في بعض الحالات، وظهر ذلك في قضايا العنف البدني الموجه للمعتقلين والمحتجزين في بعض أقسام الشرطة، وظواهر استغلال النفوذ والبلطجة في الشارع المصري، وقضايا مطالب العمال المتظاهرين من أجل تحسين شروط العمل وأوضاعهم الاقتصادية. وتميز أداء المدونتين كما رصدت الدراسة بسرعة تغطية الأحداث ومنافسة مؤسسات إعلامية كبيرة في إمكانياتها عبر سرعة الرصد وتنوع وفرادة تقديم وقائع لا تنشرها ولا تبثها وسائل الإعلام السائدة.