الصحافة حياة.. والثقافة روحها الاثنين - ليلا: إذا كانت الصحافة "لا شريك لها" ولا ينبغي، فإن الصحافة الثقافية غاية في "الأنانية"، خاصة إذا كانت لديك المقدرة علي "فك شفراتها« ساعتها تنضبط الموجات، ويتم التقاط الذبذبات، فتحتويك حين تحتويها، لتستدعي منك "حالة" من "التوحد" معها، و"هالة" من "التورط" فيها.. وفي هذا التورط "عذاب وعذوبة" معا، كمعادل موضوعي، وثنائية غير متضادة. من أجل ذلك.. ومن أجل احتوائه، لا أطيق البقاء طويلا في المكتب، ولا أحتمل الجلوس كثيرا علي الكرسي - والكراسي زائلة - ولا أبقي كثيرا في المكان المغلق - رغم حميمية بعض الأماكن المغلقة - فمكتب الصحفي في رأسه، وقلمه - بالمعني الأعظم للقلم وليس الأداة - يغمسه في قلب المشهد، ومن ثم تتجلي الحياة والحيوية، وتتدفق الدورة الدموية ذات النسق الصافي، بعيدا عن التصلب والجمود والركود والجحود. الصحافة حياة.. والثقافة روح هذه الحياة، وسرها في الفعل الخلاق.. وقد مارستني هذه المشاعر والخواطر والأحاسيس وأنا أتنقل في يوم واحد في ضياء ثلاثة مصابيح متوهجة: شعر وشعراء.. وفكر وفلسفة.. وكتاب يبحثون عن اتحادهم. في ضحي يوم الاثنين شحنت القلب من نفسي الأمارة بالشعر القاهرة وهي متفتحة لاحتواء شعراء العالم في الملتقي الدولي الثالث للشعر العربي بالمجلس الأعلي للثقافة.. وبعد ساعتين سارعت مشاركا في "سيمنار" بجامعة القاهرة حول فلسفة الثقافة والنقد الثقافي، وفي المساء كنت أتابع هموم المرشحين في انتخابات اتحاد كتاب مصر.. وفي الليل كانت ثرثرة الفضائيات السياسية، تلك التي لا تغني ولا تسمن ولن..! وبعد انتصاف الليل تتهادي الروح الأكاديمية بأجنحة الهدوء.. وإسدال الستار بعد اقتطاف العسل ولو كان مرا.. المصباح الأول.. شعري الإثنين - ضحي: يحلق طائر الشعر في الأجواء الملبدة بالسياسة وأوجاعها.. يصدح الشعراء بقصائدهم وفرائدهم.. ويعمق النقاد أصواتهم بالتحليل والتدقيق والتحقيق.. ويحدق الجمهور المحب للجمال في هذه التغريدة - الحقيقية- ذات النسق الصافي التي تنساب في مجري الشعر والشعور.. تتدفق بالابداع، والابداع ثورة لا تنطفيء ولا ينبغي.. صاحبت عدسة "أخبار الأدب" هذه الاحتفالية بالشعر، والشعر حياة.. أوسعت عيونها لاحتواء جوهر "ملتقي القاهرة الدولي الثالث للشعر العربي" الذي تألق بثنائية متداخلة في العنوان "ربيع الشعر.. ربيع الثورة".. تناغمت أطياف الشعرار من مصر.. ودولة شقيقة.. دول صديقة من أرجاء العالم.. تلاقوا وتشابكت أصواتهم.. وغنوا وتغنوا بحب الحياة.. جاءوا محملين بعبق الابداع الشعري.. عطروا الأجواء والأرجاء..سكبوا ابداعاتهم متجاورين متحاورين مبشرين ومنذرين.. أرق وقلق..وهج وشجن.. دمع وابتسامة.. وشوق إلي لحظة هي ثورة بطبيعتها.. وشعرية بثوريتها.. "عنوان" المؤتمر "ربيع الشعر.. ربيع الثورة" ظل يفكر للمؤتمر.. يصاحبه إبداعا ونقدا.. ورؤية وأداة.. وتشكيلا ودلالة.. نعم.. "أنتم الناس أيها الشعراء" كما جاء في توصيف أحمد شوقي.. ثلاثة أيام.. كان الشعر هو "السيد" وهو "الومضة" وهو الجامع لكل هذه الأصوات المصرية والعربية والأجنبية.. لغة انسانية رقيقة وأنيقة.. مضفرة بالمشاعر والخواطر والرؤي تحدث بها وهمس بمفرداتها نجوم الشعر وكواكبه.. أشواق وعذابات.. ونظرات تخترق الغيب.. ونظريات تتفاعل وتتخلق في ضياء الابداع. محاورات.. ومجادلات.. واستدعاءات.. وحضور واستشراف.. جلسات بحثية.. وأمسيات شعرية.. ونقد ونقاد.. وأساتذة ومبدعون.. والقاهرة يخفق قلبها بالحب والعذوبة رغم أوجاع اللحظة الراهنة.. تفتح نوافذها للثقافة في أعظم معانيها.. نقتطف بعضا من حصاد هذا الملتقي الدولي، والجريدة تمثل للطبع - الأربعاء - والمؤتمر يتوهج بالعطاء.. ولحظة التنوير تتألق يوم الخميس.. بعض من الحصاد بين أيدي القرار.. وكثير منه في العدد القادم، بملف شامل مفصل لهذا الحدث الثقافي النابض بالحب، والناهض بالشعر، والراكض نحو الغد..ما أعظمك وأجملك يا مصر.. يا ذات القوة الناعمة والمسلحة بالنور والجمال.. مصر الشعر والفن والحاضر والحضارة.. والنور والاستنارة.. واذا أردنا نشر دعوة أو تأكيد فكرة أو تثبيت معتقد فلن نجد مثل الآداب والفنون وسيلة خلاقة.. والشعر هو العنوان الأكبر.. هو الحياة.. المصباح الثاني.. فلسفي الاثنين - عصرا: ثلاث ساعات قضيتها في رحاب جامعة القاهرة وبالتحديد في قسم الفلسفة بكلية الآداب، استجابة لدعوة فكرية ذات طابع فلسفي، حول حوارية اتخذت من "فلسفة الثقافة والنقد الثقافي" مادتها التي صاغها في 190 صفحة المفكر د. مصطفي النشار رئيس قسم الفلسفة، وشاركت في الجدال حولها مع الأساتذة الكبار: د. ماهر شفيق فريد، ود.يمني الخولي، بحضور الفيلسوف د. حسن حنفي الذي آثر أن يشرق في الجلسة مستمعا علي كرسيه المتحرك، ضاربا المثل والمثال علي عبير الأستاذية وتواضع العلماء والفلاسفة، فكإن تجليه في القاعة كان مفاجأة لي وللجميع. لاسيما تلامذته المباشرين د. مصطفي النشار ود.أحمد عبدالحليم وهدي الخولي وغيرهم ممن يحملون راية الفكر الفلسفي دراسة وتدريسا، وفكرا وتفكيرا، وكلنا نستقطر فكره وفلسفته، وسنظل... وما كانت تلك الجلسة إلا نورا كاشفا لأوجاع كثيرة وأوضاع مثيرة في العلاقة بين الفلسفة وبسطاء الناس.. والمسافة التي كانت في الماضي "ضوئية" صارت اليوم غاية في الكثافة والاختزال، بخروج الفكر الفلسفي إلي الشارع والناس، ولم يعد الحرم الجامعي سورا وحاجزا، بل ثمة التحام وتناغم وتداخل وتفاعل بين التصورات والتصديقات.. وتكسر المعني الغامض بأن الفيلسوف هو كمن يبحث عن "قطة سوداء.. في غرفة ظلماء".. وإن كان المفهوم الكامن في أعماق (مصباح ديوجين) في عز الظهيرة، لا يزال، لقد خرج المفكر الفلسفي أو الفيلسوف الآن إلي الناس خاصة البسطاء مع المتخصصين، ليطرح منظومة القيم الكبري التي يجمع عليها قادة الفكر الانساني: "الخير والنور والجمال" بتشكيلات جديدة وجريئة وجديرة بالطرح والإصغاء والتحقق. أما ماذا جري في تلك الجلسة.. فسنعرضها في العدد القادم بالتفاصيل التي لا تكمن فيها الشياطين، لاسيما في الجدل الإيحابي. والدهشة الفلسفية البكر، وثقافة الأسئلة غير البريئة. المصباح الثالث.. انتخابي الاثنين - مساء: هكذا يهدأ القلب.. لينتفض الفكر ثانية.. لحظة أن تتحرك العين ساردة ما يحمله المبدعون من عذابات وأشواق لاتحاد الكتاب.. لعلهم يتحدون فيه، ويتحد هو فيهم، منذ أن كان "مجرد يافطة".. وهذا التعبير "مجرد يافطة" كان عنوان معركة فكرية أثرناها عام 1979 في صفحة "أخبار الأدب" بجريدة الأخبار وكانت تصدر كل يوم أربعاء بإشراف الكاتبة الصحفية الكبيرة الراحلة "حُسن شاه" وكنت فارسها الأول في إثارة المعارك الكبيرة، والقضايا الساخنة في المشهد الثقافي - آنذاك - وهي الصفحة التي ظلت تكبر من نواة حية حتي صارت جريدة. "اتحاد الكتاب.. مجرد يافطة" كانت صرخة من أشهر أدباء الأقاليم في صعيد مصر. في المنيا "محمد الخضري عبدالحميد" لتشتعل المناقشات بين توفيق الحكيم وثروت أباظة وعبدالقادر القط ويوسف ادريس. أتذكر ذلك.. وأنا أتابع عملية انتخابات اتحاد الكتاب.. وقد نشرنا العدد الماضي لطائفة من المرشحين ال (69) وننشر في هذا العدد طائفة أخري، وكلهم محملون بطموحات وتطلعات شتي سعيا إلي إتحاد للجميع، قوي، له استقلاليته، وله استراتيجيته، وله كلمته وصوته وسمته.. وله دوره الفعال والخلاق لإنارة القرار السياسي، أو ينبغي ذلك.. وسنفتح هذا الملف الشائك، بما له وما عليه، خاصة أن أسباب البراءة توازي أسباب الإدانة. وهنا لا بد أن يميل الميزان. نفسي الأمارة بالشعر: (كلما) (1) كلما ألقي إلي الماء شباكي يطمس النهر عيونه يلعق الريح مساره يغلق البحر قراره يهرب المجري ويجري خاطفا مني شباكي قاذفا نار التشاكي ومحارات التباكي (2) كلما أزحف للممكن عمرا من صبا العمرالجميل يوئد الزحفَ فحيحُ المستحيل ! وإذا (الموؤود) لا يَسأل عن وإذا (الوائد) لم يُسأل ولن (3) كلما أغرس نبتا كلما أنتج حرثا كلما أحصد زرعا كلما أسمن ضرعا تزأر السبع العجاف !! تسمن السبع العجاف !! (4) كلما أشرع للحب نوافذ كلما أفتح للحق منافذ كلما أوسع للنور مواقع كلما أرفع للشمس مطالع تطفيء الريح مصابيحي ، وتغتال صباحي ، والضحي والليل حتي مطلع الفجر الذي يمسي نذيرا وجمودا ووعيدا ورعودا (5) كلماأنزع من ناب الدنا سم الرباط تدخل (الأفيال) في سم الخياط كلما أوصل في القلب النياط تسبح (الحيتان) في سم الخياط كلما أُظهر سور الاحتياط تعبر (الثيران ) من سم الخياط (6) كلما أنسج ثوبا للجمال كلما أركض وثبا للجلال كلما أنسخ سفرا للتحلي كلما أعرض سطرا للتخلي يُسفك الروح وميثاق التجلي (7) كلما أثقب (عينا) في جدار الصمت ، ترتد حسيرة ! كلما أسكب (عينا) في صحاري الموت ، تنشق كسيرة كلما أسلك في العتمة نورا يفقد الليل نهاره كلما أفسح للبدر مسارا يكسر النور مداره (8) كلما نوديت من شجرة نور شف وجدي للتلقي شب روعي للترقي وانتشي قلبي صفاء واصطفاء وانجلي سمعي جلاء واجتلاء والجوارح : من أثير والفواتح : من عبير إنه (الصوت )بشير واصل فإذا (السوط ) نذير قاطع