أحب الدول الأوروبية أكثر مما أحب أمريكا وكندا. وأفضل دول أمريكا اللاتينية علي دول أمريكا الشمالية. وأحب الهند واليونان والصين أكثر مما أحب سواها من الدول الأوروبية والآسيوية، وأفضل اليمن والعراق وسورية أكثر مما أحب سواها من الدول العربية الأخري، وأعشق وأحترم واجل العظيمة مصر، أكثر مما أفعل مع كل دول العالم، قاطبة، بل أكثر شيء في هذه الحياة. . السبب وراء هذه "العنصرية" الدولية التي أتمتع بها، ليست وحسب "الشوفينية" التي لا أنكرها، بل لأنني أميل للدول ذات الحضارات العريقة الضاربة جذورها في عمق التاريخ. فأول ما أطلب زيارته في أي بلد، هو "المدينة القديمة" بها. أبحث في أمريكا عن مدينة قديمة فلا أجد إلا مدنا "طفلة" عمرها لا يتجاوز ثلاثة قرون! تندهش حين تقرأ في تورنتو مثلا، يافطة تقول: "مبني أثري، عمره 80 سنة"! أنظر إلي من جواري وأقول: "أنا أكبر من مبناكم هذا!" فيبتسم للنكتة، وأبتسم أنا لمفهومهم عن القدم، أنا ابنة حضارة الخمسين قرنا. لكن احتفالات رأس السنة في الغرب لها مذاق مختلف. مثلما رمضان في مصر، لا يشبهه رمضان آخر في أية دولة أخري. أحب مشاهدة بابا نويل، (سانتا) كما يسمونه بأمريكا، وهو يتجول فوق عربة محملة بالهدايا تجرها الأيائل ليعلق هداياه في شجرات الكريسماس، بعدما ينزل من مدفات البيوت. أتذكر جدتي الجميلة حين كانت تجلب لنا شجرة كريسماس وتزينها بالنجوم والأنوار وقطع الحلوي، ثم تعلق بها الهدايا كي نفرح مع أصدقائنا المسيحيين في عيدهم، مثلما يفرحون معنا بالمولد النبوي ويشترون "العروسة الحلاوة"، ويزيّنون معنا الشوارع في رمضان بالأوراق الملونة والفوانيس. هناك الكثير من الروايات حول علاقة شجرة الصنوبر برأس السنة وميلاد السيد المسيح، عليه السلام. منها أن قبيلة وثنية ألمانية كانت تعبد "إله الغابات" واسمه "ثور" في القرون الوسطي. وكانوا يعلّقون قربانا بشريا علي شجرة بلوط ثم يذبحونه! في عام 727 مر بهم أحد رجال الدين المسيحي ورآهم يعلقون طفلا كقربان! نهرهم وأنقذ الضحية وعلّمهم أن السيد المسيح جاء للخلاص، لا للقتل. ومن يومها صارت الشجرة دائمة الإخضرار رمزًا للحياة. وكان مارتن لوثر، أبو البروتستانية، أول من أضاء الشجرة بالشموع في القرن السابع عشر، التي تحولت فيما بعد إلي مصابيحَ كهربائيةٍ صغيرة، تتلالا في الظلام. وفي موسوعة بريتينيكا رواية أخري تقول إن المصريين القدامي أول من اعتبروا الشجرة الدائمة الخضرة رمزا للخلود. وفي روايات أخري، حسب الأساطير القروسطية، كانوا يعتبرون يوم 24 ديسمبر يوم آدم وحواء. والشجرة الخضراء هي رمز لشجرة الفردوس. لهذا كانوا يزينونها بالتفاح الأحمر (رمزا للخطيئة الأولي)، وبقطع الحلوي (رمزا للغفران والخلاص). وفي رواية أخري، كما يشير علماء الفلك، فإن 25 ديسمبر هو يوم الانقلاب الشتوي حين تصل الشمس إلي أقصي مداها ويبلغ النهار أقصره، يليه يوم صعود الشمس وميلادها، فيحتفل الرومان بتزيين الشجرة تمجيدا لرب الشمس. ولما جاءت المسيحية تحول إلي احتفال بميلاد السيد المسيح. وتشير رواية أخري إلي زيارة العائلة المقدسة أرض مصر هربًا من السفاح هيرودس. كاد جنود هيرودس أن يقبضوا علي السيدة العذراء وطفلها والقديس يوسف النجار، فلجأوا إلي إحدي الشجرات. فما كان من الشجرة إلا أن مدّت أغصانها لتخبئ الأسرة الطاهرة البارة؛ فكافأها الله بأن جعلها دائمة الخضرة، فأضحت رمزا للخلاص والخلود. وايا ما كانت الرواية وراء شجرة الكريسماس، إلا أنها تظل رمزا للفرح. فمتي يأخذأطفال مصر الفقراء هداياهم من الرجل الكريم الطيب؟ الرجل الطيب الذي ننتظره هو حاكم يعرف كيف يحب مصر وأبناءها. أما الهدايا التي نرجوها لهم، فبسيطةومشروعة وفي متناول كل أطفال العالم المتحضر. تعليم، صحة، رعاية، وكثير كثير، كثير من الحب.