لا تموت شجرة اللوز إلاّ لتعود وتزهر في فصل الربيع، ولا تسقط حبّة القمح إلاّ لتولد من جديد داخل رحم الأرض، ولا تخمد البراكين إلاّ لتعود إلي الانفجار مرّة أخري، ولا يهدأ البحر إلاّ ليكوّن عواصفه، ولا تغيب الشمس إلاّ لتشرق في صباح الفجر التالي.. إن الحياة لا توجد في الأجساد إلاّ لترحل عنها ذات يوم، ولا ترحل إلاّ لتأكّدها من عودتها مرة أخري إلي الوعاء الذي رحلت عنه وفارقته. إنها دولاب يدور حول نفسه، لا يتوقّف إلاّ إذا انكسر، ولا ينكسر إلاّ ليعود إلي دورانه من جديد .. وإذا كانت الحياة وردة، كان الموت أشواكها التي تحيط بها من كل جانب.. إن الحياة رفيقة الموت، فأينما وُجدتْ وُجِدَ إلي جانبها، كما توجد الأوراق فوق الغصن، وكما تجري المياه مع المجري، ومثلما يرافق الظلّ الشجر والنبات، وكما يداعب الموج وجه البحر، ومثلما يرافق النور الشمس النّهار. دوَّامة هي الحياة، مستمرّة، ولا تتوقّف عن النبض والحركة، قانونها الأساسي التّجدد، وقاعدتها الذهبية التي لا تتغيّر أبداً، إنها في تغيّر دائم، لا تمنح نفسها للأجساد إلي الأبد، بل إلي حين، إنها الأقوي من كل ما يحيط بها من قضبان وجلادين وطواغيت، والأبقي من كل دمار وخراب، فمهما حاولنا حبسها أو تقديم كل ما يساعدها علي البقاء في الجسد، لا يمكن أن ترضي أو تستكين، ستترك جسدها الذي سكنته لفترة، لشهر أو لمئة سنة، سوف تتركه إلي غير رجعة، وربما غير نادمة أو خاسرة. وكم من حياة حلّت في أجساد لا تستحقّها، وكم من حياة نُزِعت من أجساد كريمة كانت أهلاً لها. تصبح الحياة ممتعة إذا فعلنا لها ما هو جميل، وتصبح أجمل إن منحنا حبّنا للذين يعيشون من حولنا. « والعبرة في حياتنا بما نسعي إليه، لا بما ندوس عليه « ، وما أقصر عمر الورود، وما أسرع زوال البروق، إنما من يعرف كيف يصبر سيحصل علي العطر من حياة الورود القصيرة، ومن النار من حياة البروق السريعة، إنما لا يكفي الصبر فقط للحصول علي ما نريد من الحياة، بل يجب أن يُدعم ويُسند الصبر بالمعرفة والقوة، كما يسند مجري النهر المياه، وكما تحمل الجذوع القصيرة الأغصان الطويلة، ومثلما يحمل الجبل أثقالاً قد تكون أثقل من ترابه وحجارته. حين توجد الحياة في أجساد لا تستحقّها تذبل وتذوي وتتلاشي قبل أن تبدأ بالنّمو، وحين توجد في أبدان تستحقّها تزهر وتنمو وتثمر فتعطي الخير لكل مَن حولها.. « إن الحياة بلا فائدة موتٌ مُسبقٌ، إنها قصيرة، وما يجعلها طويلة ومملة المصائب التي تقع لها وعليها، فبورك مَن ملأ حياته بعمل الخير، لأنه أدرك أنها أقصر من أن يُضيّعها بعمل الشّر...» . وتبقي كل حياة بلا معني إذا لم تجد شيئاً كريماً وشريفاً تناضل من أجله ..