كثيرا ما نفكر ونحن في طريقنا إلي منازلنا، بعد انتهاء يوم آخر شاق في أعمالنا ومدارسنا وجامعاتنا، يدور في عقولنا أشياء كثيرة أثناء الزحام المروري القاتل والشديد في ذروته ونفكر ونزيد التفكير، فنلقي بنظرة طويلة حولنا، نجد حولنا في نفس الشارع سيارتين احداهما لموظف عمومي يظهر انه يشغل منصب رفيع، فسيارته فاخرة وأنيقة، وراءه ببضعة سنتيمترات سيارة أخري عاطلة تبدو بسيطة وعادية يركبها شخص يبدو أنه موظف بسيط باحد المصالح الحكومية ويحاول جاهدا ان يشغلها مرة أخري، والغريب أن الاول ذو السيارة الفخيمة لا يسكن بعيدا عن الاخر ذي السيارة البسيطة، فهذا في المهندسين والآخر في بولاق الدكرور، لكن هيهات هيهات بين هاتين الطبقتين ، أصبحنا هكذا اليوم، وأصبحت الطبقات الاجتماعية هكذا، لا نميزها إلا عن طريق وسائل الرفاهية المختلفة، هذا هو المعيار، بل الأغرب هو شبه اختفاء ما كان يسمي بالطبقة »الوسطي« تلك الطبقة التي كانت تمثل الأغلبية العظمي من الشعب المصري، ففي وقتنا الحاضر نجد شخصا فاحش الثراء، أو موظفا يسعي ويحاول جاهدا ان يدبر أمور منزله لنهاية الشهر فقط، فتعود عقولنا تتساءل لماذا هذه الفجوة الطبقية الغريبة؟ النظام السابق والرأس مالية لها دور في ذلك؟ أم ان الامر وصل إلي حد أن يصبح ثقافة مجتمع بأكلمه؟ لكن السؤال الأخطر، ما دور نخبة المجتمع في إزالة هذه الفجوة العميقة بين الطبقات في مصرنا العزيزة؟ إنني أعلم علم اليقين أنه واثناء كتابتي لهذه المقالة هناك الكثيرون من أصحاب العقول والضمائر من المثقفين والمتخصصين يسعون لايجاد حلول جذرية لهذه المشكلة التي أراها هائلة وتحتاج لحل في أسرع ما يمكن، ولكني أحاول أن أشاركهم وإياكم في ايجاد حل لهذه الأزمة التي تفشت للأسف في مجتمعنا المصري، وإن كنت اظن أن ما طرح من وضع حد أقصي وحد أدني للأجور وضبط أسعار السلع سيكون بمثابة البداية الصحيحة لتصحيح المسار، فليس من المعقول أن يأخذ احد المستشارين لأحد الوزراء عشرات الآلاف من الجنيهات في الشهر الواحد بينما يبحث موظف في مصلحة حكومية معينة عن عمل آخر لأن راتبه لا يكفيه وأسرته وليس من المعقول أيضا أن تصبح الطماطم أغلي من المانجو. إن الفجوة الاجتماعية التي صار يعاني منها مجتمعنا المصري صارت تمثل ناقوس خطر يقرع ابوابنا وينبهنا إلي مرحلة لا أظن انها ستكون مرحلة جيدة، ان ازدياد الفروق بين الطبقات واختفاء الطبقة الوسطي التي كانت تعبر عن الأغلبية الكاسحة من الشعب المصري ما هو إلا بداية فقط، لذلك علي الجميع ان يدركوا حجم الخطر الذي يعاني منه المجتمع الآن، فاختفاء بعض القيم والمبادئ التي تربي عليها المجتمع المصري ما هي الا نتيجة واضحة لهذه الفجوة المجتمعية التي طالت حتي مدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا التربوية التي منها يخرج الجيل الجديد الذي سيحمل راية الفكر والمستقبل بين كتفيه. ولذا أتمني من نخبة المجتمع والمتخصصين في هذا المجال.. بل اتمني من كل شخص حريص علي مصلحة هذه الامة سرعة سد هذه الفوة الكبيرة التي تكاد تصبح إعصارا هائلا يبتلع كل قيم المجتمع التي سعي الكثيرون لابقائها موجودة مدي الحياة، ولكني أعاود التساؤل هل سيحدث هذا حقا؟!