حين تتوجه إرادة شريرة نحو هدم كيان عملاق متماسك، فأيسر السبل إلي ذلك هو نشر البغضاء بين مكوناته، وزرع الشقاق وسط عناصره، وعندما تريد القوي المغرضة أن تقيض أركان وطن عريق عظيم، فما عليها سوي ضرب مؤسساته بعضها ببعض، عن طريق أدواتها العديدة التي تبث حمي التنافس الشرس بين هذه المؤسسات في أجواء لا تقيم وزنا للقيم، فيبدو المشهد عبثيا، حيث تتضارب العناصر والمكونات بعنف، ومع غياب الحد الأدني من ضوابط السلوك يتحول التنافس إلي صراع محموم، ثم إلي تطاحن مجنون، يطيح بمكونات الكيان كلها، وتلك هي التقنية الماكرة التي يستخدمونها، تذكرت هذا، وأنا ألمس ذلك التعاون الوثيق، والتنسيق الرائع بين مكتبه الإسكندرية، ووزارة الثقافة ممثلة في هيئة الكتاب، أثناء افتتاح معرض الاسكندرية للكتاب الذي شهده ثغر مصر البسام منذ أيام، فقد كتبت مرارا منددا بغياب التنسيق بين أكبر كيانين قوميين لرعاية الثقافة، ورأيت في ذلك الغياب جريمة شنعاء، تتحول إلي كارثة في مثل هذه الظروف الدقيقة التي تحاول فيها بعض القوي، استلاب الأذهان، وتوجيه الطاقات نحو الهدم والتدمير، وعلي هذه الصفحة الأدبية المتخصصة في جريدتنا العريقة "الأخبار" كتبت منذ سنوات منتقدا أن تنظم مكتبة الإسكندرية معرضا في وقت متقارب مع آخر تنظمه هيئة الكتاب دون تنسيق، وفي نفس الوقت تفتقد سائر أقاليم مصر مثل هذا النشاط المؤثر قي محيطه بلا شك، وخاصة أنه يطلق تأثيره في بيئات محرومة من أية خدمات ثقافية حقيقية، بعد أن أغلق الكثير من بيوت وقصور الثقافة أبوابه، والحقيقة أن الاستجابة لمطلبي ولدعوة عدد من المخلصين بضرورة التنسيق بين أكبر كيانين ثقافيين، تحققت ولم تكن هذه النسخة الجديدة من المعرض هي الأولي التي تتحد فيها الإرادتان، فقد فطن القائمون علي المؤسستين المرموقين: إلي أن التنسيق بينهما في تنظيم هذا الحدث أمر حيوي، وأعتقد أن المفكر الكبير د.مصطفي الفقي مدير المكتبة من أكثر الضمائر الوطنية التي تعي مدي أهمية التكاتف والترابط في مواجهة جحافل التشكيك، وأعاصير التشتيت، لذا أتوقع بعد نجاح فعاليات معرض الإسكندرية للكتاب، أن يقترح برنامجا للتعاون مع مؤسسات وزارة الثقافة في إقامة فعاليات كبري وأنشطة مؤثرة تحدث التوازن والتآزر، في أجواء حياتنا التي أراد لها الموتورون والمخططون أن تتشح بقتامة الكآبة، وسواد التخبط والإخفاق!