ماذا لو ان أسرة مكونة من عشرة أفراد، تقطن شقة تضم خمس حجرات، ولكن جميع افراد تلك الأسرة مصرون علي ان يعيشوا في حجرة واحدة من الخمس، ويتركون سائر الحجرات، ويخصون تلك الحجرة بكل أنشطتهم الحياتية، ومعظم حركتهم اليومية، ويقصرون عليها أحداث دنياهم، وفعاليات أيامهم المتعاقبة، ففي الحجرة المحبوبة تلك يأكلون ويشربون، ويعملون، ويتحركون، ويذهبون ويجيئون، ويحتفلون، ويستقبلون ضيوفهم، وينامون، ويطهون ويطالعون الصحف، ويشاهدون البرامج، ولا يمكث أفراد تلك الأسرة الغريبة بسائر الحجرات إلا لماما، ولا يمرون بها إلا كراما، فماذا يقول أي عاقل وكل ذي لب عن أفراد الأسرة العجيبة؟، إنه موقف مضحك أو »كوميدي« بلاشك، يفجر »القهقهات«، ويثير السخرية حتما، شقة طويلة عريضة، والأسرة إياها مصرة علي ان تقبع في حجرة واحدة تخصها بكل الأنشطة والفعاليات، وسائر الحجرات تعاني الهجران، والوحدة والوحشة، وللأسف هذا المثل العجيب متكرر في الحياة المصرية بإفراط، وأحدث تكراراته، ظهر في ثغر مصر الجميل..الاسكندرية، تلك المدينة العريقة العزيزة علي قلب كل مصري ومصرية، والمناسبة جليلة رائعة، ونتمني ان تتكرر يوميا، في شتي المدن المصرية، وهي حدث إقامة معرض للكتاب، فهذا ما يسعدنا دائما، ويسعد كل محب للثقافة، وكل عاشق للقراءة، ولكن المشكلة ان المدينة العريقة شهدت منذ اسابيع معدودات فعاليات معرض الاسكندرية الدولي للكتاب، وهو النسخة الثغرية من معرض القاهرة الدولي للكتاب، وعقب ختام معرض الاسكندرية هذا الذي أقامته وزارة الثقافة، ونظمته الهيئة المصرية العامة للكتاب، بالتعاون مع اتحاد الناشرين المصريين، وقد أسدل علي أحداثه الستار في الأول من مارس، افتتحت وقائع دورة جديدة من معرض مكتبة الاسكندرية يوم الأحد الماضي، أي في نفس الشهر، وفي فترة متقاربة تشهد الاسكندرية ختام معرض وانطلاق آخر، والمشكلة ان المعرض الجديد سيضطر حتما إلي التكرار، فنفس الناشرين المشاركين سيعرضون ذات العناوين، والكتب التي ظهرت في معرض هيئة الكتاب، حيث ان الفاصل الزمني لايسمح إطلاقا بصدور عدد كبير من العناوين الجديدة، وهذا أمر »بديهي« ومنطقي، وخاصة في ظل حالة الركود التي تشهدها صناعة النشر، ويعني الأمر غياب التنسيق بين المؤسسات الثقافية المصرية، فالكيانان الكبيران: وزارة الثقافة، ومكتبة الإسكندرية، من المفترض انهما متكاملان، وعضوان ناشطان في جسم وطن عظيم عملاق، والهدف هو تثقيف المواطن المصري، المنتشر في شتي الربوع، من أقصي الجنوب الي ذروة الشمال، ومن أبعد نقطة في الشرق الي أكثر المواقع توغلا في اتجاه الغرب، ألم يكن من الأجدر ان يجلس المسئولون سويا- كما رأينا صورا لهم في الصحف منذ فترة وجيزة، وليتفقوا علي موعدين مناسبين لأقامة معرضين متكاملين للكتاب، يراعيان الفارق الزمني المعقول الذي يسمح بظهور إصدارات جديدة عديدة، ويغطي أحد المعرضين نصف العام الأول، والآخر شطره الثاني مثلا، أليس ذلك هو التفكير المنطقي؟، ثم لماذا الإصرار علي التركيز مثل هذه الفعاليات المهمة المؤثرة في شتاء الاسكندرية المطير الكثير الأنواء؟ ام ان البعض معجب بأغنية: »آليس كريم في ديسمبر..آيس كريم في جليم!« أرجو ان يجتمع المسئولون في الوزارة والمكتبة، ويتفقا علي خطة للتنسيق فيما بينهما بشأن الفعاليات وحتي لا نكون مثل تلك الأسرة »الكوميدية« التي تركت جل حجرات منزلها الفسيح، وأصرت علي الحياة في حجرة واحدة .