المعني المباشر الذي يصلك من رواية »الميراث« الصادرة مؤخرا لأمل صديق عفيفي هو عودة يوسف من أمريكا إلي وطنه مصر بعد أعوام طويلة من »الغربة«، باحثًا عن حل لمشكلاته، فيجد في واقعه الجديد ما هو أعقد ويدخل في رحلة للبحث عن ميراثه، ذلك هو الهيكل الفني البسيط والقريب لفكرة الرواية، لكن الفكرة الاساسية تنطلق من الميراث -كمعني مادي- إلي قيمة أعمق، تتعلق بمفهوم الهوية معنويًّا وإنسانيًّا وتمزقاتها بين المحلي والعولمي . هذه الفكرة، تم التعبير عنها فنيًّا بعوالم روائية تفيض بالتفاصيل والأحداث، وزخم الشخصيات وتناقضاتها، وكل شخصيات الرواية تتوزع فيهم فكرة الاغتراب والرغبة في الرحيل مكانيًّا وزمانيًّا، جسديًّا وروحيًّا، فمنهم من يريد مغادرة المكان بجسده، ومنهم من يريد العودة بالزمن إلي الوراء، فبطلا العمل (رجل وامرأة) الأول اغترب جسديًا، ثم عاد ليدخل في الاغتراب أي الانفصال النفسي والروحي عن الواقع الضاغط بمشكلاته، فيدخل إلي الاغتراب بمعناه الفلسفي الواسع، لكنه يتدارك نفسه ويحاول الاندماج في واقعه، محاولًا تغييره، كذلك فإن العديدين من أبطال العمل مصابون بهذا الاغتراب، ومنفصلون عن الواقع لكنهم لا يحاولون تغييره، ويرون أن حل مشكلاته يكمن في فكرة استخراج كنز (مادي)، يعوضهم عن فقرهم الواقعي روحيًّا وماديًّا، لكن البطل وقد عادت إليه شخصيته المصرية، يرفض استكمال هذا المخطط ويقرر البقاء في وطنه، محاولًا تغييره إلي الأفضل، مع مراعاة حق الأجيال المقبلة في اكتشاف كنوز أجدادهم التي تتمثل في تراث مادي وفكري وروحي : »كان منصور« لا يزال يحاول إقناع يوسف بالعدول عن رأيه مشككا في أنه اتخذ القرار الصحيح، محاولًا حثه علي الإقدام علي الحفر بعد الاستعانة بشيخ جديد، خصوصًا أنهم تأكدوا من وجود مقبرة، ولكن يوسف أصر علي الرفض، قائلًا : أنا مش عايز الفلوس الملعونة دي .. ثم أضاف مبتسمًا : بكرة هييجي ناس ثانية، وأيام ثانية، وهتبقي الدنيا غير الدنيا .. وواحد من أولاد أولادي هيدخل التاريخ لأنه عمل كشف عظيم". وهكذا يرفض البطل فكرة كون الميراث هو معني مادي وفقط تحل عبره مشكلات آنية، إلي معني أعمق يشكل هوية المواطنين، ومناط وجودهم؛ والقارئ يقع في فخ بساطة الحكي الذي انتهجته الروائية كاستراتيجية فنية لها، ليتسرب إليه هذا المعني الأعمق لفكرتها، وتصوراتها من الوجود . وكعادتها؛ فإن أمل صديق عفيفي، تحيط عملها بأجواء واقعية، تشي للقارئ بأن ما يجري أمامه في سطور الرواية هو شيء يقع فعلًا أمامه، وذلك أنها تذكر الكثير من الشخصيات الواقعية التي شاركتها فكرة العمل، وشكلوا عالمها الروائي، وتذكرهم بأسمائهم الحقيقية وتثمن أدوارهم، فالرواية عالم من أشخاص حقيقيين وإلي قراء حقيقيين، لتكتمل فكرة الدائرية في الرواية شكلًا وموضوعًا، واقعًا وخيالًا، كما أنها تهدي روايتها إلي الأديب والمفكر علاء الأسواني الذي أعاد جيلًا بأكمله إلي الكتاب . جدير بالذكر أن الرواية كتبت أساسًا كسيناريو لفيلم لكن كما تقول الروائية أمل صديق عفيفي : »ما عادت الجمل الحوارية علي لسان الأبطال تكفيني، ولذا قررت أن أحوّل الفيلم إلي رواية . والروائية أمل صديق عفيفي حاصلة علي درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة آستون بانجلترا، ولها العديد من المؤلفات منها روايات : »يوم من الأيام«، »ونقطة ومن أول السطر« و»أنفلونزا الحمير« و»أيام في حياة محمد علي« بالإضافة إلي سلسلتي كتب للأطفال »رحلة الزمان« و»حكايتنا كلنا«، وقد شاركت في كتابة السيناريو للعديد من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، كما شاركت في العديد من معارض الفن التشكيلي الجماعية، وأقامت أخري فردية . "الميراث" روايتها الجديدة صدرت حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية، تقع الرواية في 320 صفحة من القطع المتوسط، وبغلاف يكتنز الكثير من المعاني التي تدور حولها الرواية، فصورة الهرم في الغلاف تذهب بمعني الميراث إلي آفاق بعيدة عن فكرة الأموال والعقارات التي قد يرثها المرء من أهله، كاستفادة وقتية .