يتكرر مشهد التصدعات ومع كل مرة تزداد اتساعاً.. ألسنة من اللهب تخرج وتختفي.. الدخان يحجب الرؤية لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن ترتبط حياتي بمرتفع صخري يشبه التل.. به بعض النتوءات.. لا تبدو عليه مظاهر لحياة إلا من شجيرة.. نبتت عليه مؤخراً.. فرحت بها.. رعيتها.. تمنيت أن ينبت غيرها.. تمسكت بها.. خفت عليه من تقلبات الجو وعوامل التعرية.. توحدت بيننا العلاقة إلي أن أصبحت أدمنه.. أقضي معظم أوقاتي معه.. افترشته.. أناجيه.. أبثه همومي.. استمع لأناته.. ليت الحال استمر.. أتي اليوم الذي كنت أتوجس منه خيفة. تغيرت ملامحه.. اللون الصافي اختفي.. ألوان أضحت باهتة بدون روح أو معني.. في نوبة سرحان وأنا متكئ عليه.. وسادتي ذراعي.. رائحة دخان تنبعث منه.. تلفت حولي أبحث عن مصدرها.. حرارة تتسرب إليّ.. انتفضت.. أدور بجسدي.. بعيني أجوب المكان.. هالني ما رأيت.. ارتعدت.. الدخان يتصاعد منه يصنع خيوطاً رفيعة ما تفتأ أن تتبخر في الهواء.. فقدت توازني للحظات.. تنميلات ترسم خرائط علي الأرض.. تماسكت.. نظرت إلي الشجيرة.. أسرعت بيداي وأرجلي ألملم التنميلات.. انهكني التعب.. العرق يتصبب من جبيني.. يداي تنزف فان. جلست أرقبه.. الدخان يتلاشي.. الأرض تعود لسابق عهدها.. أنا لم أعد لسابق عهدي.. تفكيري منحصر فيما حدث.. تأخرت الشمس عني كثيراً.. تركته لأيام.. عاودني الحنين.. أسرعت أرتمي فوقه.. أداعب الشجيرة.. أمسح عنها ما علق بها من أتربة.. نسيت ما حدث.. نمت علي ظهري أقلب بصري في صفحة السماء.. أبي التل أن يترك دقات قلبي تنتظم.. أبي أن يتركني لأحلامي.. استكثر عليّ النسمة التي بدأت تداعب جفوني. التنميلات أصبحت تصدعات.. تسير بسرعة وتتشعب.. دخان يخرج متدافعاً.. ترتجف الشجيرة.. بحثت عن فأس.. كلت يداي.. أنفاسي تخرج متلاحقة.. الهواء الساخن يلفح وجهي.. الحزن يعتصرني.. مضي وقت ليس بالقليل.. الدخان يتلاشي.. تلتئم التصدعات.. تعود لوجهي الابتسامة وتترقرق عيوني بالدموع.. تشاركني الشجيرة.. حرصي عليه يملأني.. انفض عنه القليل الذي كان يرتاده.. لهفتي تشدني إليه.. أصبح لي.. أملي أن تكسوه الأشجار.. أن يكون جنة غنّاء. يتكرر مشهد التصدعات ومع كل مرة تزداد اتساعاً.. ألسنة من اللهب تخرج وتختفي.. الدخان يحجب الرؤية.. ازداد إصراراً علي الرديء.. تخور قواي.. يشفق عليّ المارة.. منهم من كان متفائلاً حاول مساعدتي وأن ما يحدث ما هو إلا عارضا. ومنهم من يحفزني من بعيد علي بذل المزيد وأن هذه مشكلتي، وآخرون قرأوا آخر السطور يحثونني علي تركه نائياً بنفسي إلا أنهم في النهاية تركوني وحدي معه. .. يزحف الظلام.. عدت أدراجي.. كوابيس تنتابني.. تخيلته ينفجر محدثاً دوياً هائلاً.. خفت عليه.. فراشي سجني.. مع بزوغ الفجر أسرعت إليه.. عاتبته.. رجوته أن يعود كما كان.. استلقيت احتضنه.. اتقلب عليه.. شكل الأرض جميل لا أثر للتصدعات.. يداعب ظهري نتوء.. أبعد عنه.. آخر يكمل المداعبة.. الشجيرة تتمايل علي نغمات ادندن بها.. السماء تكسوها الغيوم تحجب ميلاد الشمس.. المنظر ساحر.. غبت عن الواقع.. لم أعرف كم من الوقت مضي.. الشمس تبدد الغيوم.. يسري الدفء في المكان.. أغمضت عيني.. غفوت.. أيقظتني رجفات عنيفة.. الضباب يغلف المكان.. بصعوبة تفحصت.. انتبهت.. الأرض تهتز حولي.. هزات يعجز العقل عن تداركها.. دموعي تحجزت.. تدمي قلبي أنات الشجيرة.. ببطء تركت المكان.. ما تبقي من عمري يحول بيني وبين النظر خلفي. .. ليست المرة الأولي التي يزورني.. نتقابل كلما سنحت الفرصة.. الحياة أخذتنا.. كنا لا نتفارق.. كيف تطرق بنا الحديث بهذا الشكل؟ عندما نجتر الماضي.. حديث به نشوي.. كم رسمنا لحياتنا.. تشعبت بنا الآمال.. من بدأ الحديث لا يهم.. ازددنا لهفة للقاء التالي.. أخرجت ما كتمته من سنين.. ليس بأقل مني شوقاً. .. القضية وإن اختلفت فروعها واحدة.. بعد كل لقاء أعود حزيناً.. عمري.. أحلامي.. الصورة الجميلة التي رسمتها.. شرعت أكتب ما أعانيه.. سيل من الكلمات تتزاحم أمام قلمي.. تتوقف يدي. .. ضحكت بسخرية.