عبلة الروينى لم يحدث أن احتفل شاعر في حياته ببلوغ المائة عام، وسط أصدقائه ومحبيه، لكنّ سعيد عقل ظاهرة استثنائية (قيل إنّ الفرزدق بلغ المائة عام، وإنّ ميخائيل نعيمة، والجواهري اقتربا منها).. سعيد عقل شاعر استثنائي ليس ببلوغ المائة، ولكن بقوّة القصيدة، وحجم الجدل الذي أثاره علي امتداد مشوارة الشعري.. قبل أسابيع أقامت جامعة (سيدة اللويزة) بقصر (الأونيسكو) ببيروت، احتفالية بمئوية سعيد عقل، لم يستطع حضورها، مكتفياً بمتابعتها من منزله، الذي شهد احتفالاً آخر وسط أصدقائه ومحبيه، حضره الشاعر فاروق شوشة، والذي شارك أيضاً في احتفال الجامعة، بقصيدة ننشرها في هذا العدد.. في كلمته القصيرة، شكر فاروق شوشة الاحتفالية، وشكر لبنان، التي أتاحت لمصر فرصة التواجد في احتفالية سعيد عقل(!!) بالغ فاروق شوشة في الحفاوة، وأسرف في العاطفة، مع أن المشاركة المصرية، هي ما يمنح الاحتفالية (أي احتفالية) معنيً مضافاً.. الشعراء اللبنانيون لم تعجبْهم الاحتفالية (كلاسيكية، محافظة، ورسمية) غلب عليها حضور السفراء والوزراء والرسميين، وغياب الشعراء، خاصة الشعراء الجدد. سعيد عقل كلاسيكي، لكنه في ضمير الشعراء رمز للحداثة الشعرية، وهو الذي منح القصيدة اللبنانية طزاجتها وجدَّتها، وتلك مُفارقة، فالشاعر الذي منح القصيدة اللبنانية حداثتها، هو نفسه الذي أوقعها وأوقع قصيدته في الأُحادية، والشيفونية والأوهام والمبالغات التي تقترب من الأكاذيب، فوُصف (بالشاعر العنصري) و(الشاعر الفينيقي). خَلق سعيد عقل ( أسطورة الأرز) اللبنانية، المنتصرة بصورة فارقة علي العقل العربي، والغريبة والمنفصلة عنه أيضاً.. ساهم في خلق أسطورة (الأغنية الرحبانية) وقيل بل قصيدته هي التي طُبعت بالروح الرحبانية.. أفكار سعيد عقل أوقعته في شعبوية، وضيق أفق سياسي، دفع البعض إلي تقييم فكره بالخرافة، واختلاق أسطورة خيالية عن لبنان، تبدو مضحكة أحياناً، وتبدو خطرة في أحيان كثيرة، بفرضها علي المناهج الدراسية.. كثيرون أيضاً من فرط ضحالة تلك الأفكار لم يلتفتوا إليها، أو ربما من فرط قوة القصيدة، وبهاء اللغة، فالموقف الجمالي هو ما يعنينا، لا شيء سواه.. حين سُئل نزار قباني عن أمارة الشعر قال(سعيد عقل وحده) بينما اعتبره أدونيس (أبو الحداثة الشعرية) وحاول أحمد عبد المعطي حجازي كثيراً من أجل منح سعيد عقل جائزة مؤتمر الشعر الدولي بالقاهرة، ولم يَرُقْ ذلك لكثيرين لأسباب سياسية! سعيد عقل الشاعر الظاهرة، علي امتداد مشواره الشعري ثلاثة أناشيد صادمة.. كتب نشيد (الحزب القومي السوري) فلم يعجب أنطوان سعادة (مؤسس الحزب) بسبب عبارة (سوريا فوق الجميع) وقيل طرده من الحزب!!.. وكتب نشيد القومية العربية، إعجاباً بجمعية (العروة الوثقي) القومية، وصداقته لقسطنطين زريق، أو ربما إعجاباً بفتاة تنتمي للعروة الوثقي!!.. وكتب دائماً نشيد الزمن الفينيقي.. وفي حالة من فقدان الاتزان والحكمة دعا إلي دخول الجيش الإسرائيلي إلي لبنان عام 1982..!! ورغم أن مجده الشعري مكتوب بالعربية، فقد كان صاحب دعوة الكتابة بالحروف اللاتينية، لأن اللغة العربية في رأيه ( لغة ميّتة) فعل ذلك في ديوانه (يارا) ) لكنه لم يكرر التجربة، ظلت إحدي خرافاته وشطحاته.