كالصدأ تماماً يعتلي الآلات، والأدوات فيشوهها، ويعرقل أداءها، ويعطلها عن الإجادة وإتمام مهام أدوارها، فهو آفة تجب إزالتها، حتي تستقيم أمور هذه الأدوات والآلات، فتؤدي مهامها بكفاءة ونشاط وحماسة ومضاء، ومثل الصدأ يصيب المعادن كمثل ذباب الثقافة الذي يشوه المسيرة، ويعرقل الأداء، ويجذب الخطوات إلي الوراء بأنانية مفرطة، وذاتية جشعة، لا يهمها سوي تحقيق مكاسبها الشخصية علي حساب مجتمع بأكمله، وخصماً من رصيد وطن في أوقات حرجة، تتكالب عليها فيها ضباع الجهالة وجوارح الطمع، وثعالب الدهاء المتآمرة، في معركة تعد الأشرس علي امتداد تاريخه الموغل في القدم، والسابح في محيطات العراقة والأصالة، وتتوقف المصائر والنتائج علي أشياء عديدة، من أهمها قدرة أمتنا علي الصمود، وبقاء مجتمعنا متماسكاً متحداً، لا تؤثر فيه الشائعات وحيل الوقيعة، ودسائس السقوط، التي تنهمر كأنها السيل، فوق الرؤوس، تحاول أن تغرق ساحتنا تحت وابلها المهلك، حيث ينتشر الوحل فتزل الخطوات، وتنزلق الأقدام، ويتعطل المسير، هكذا يريدون، وللأسف وجود هذه الثلة المنتفعة القابضة علي مصالحها الشخصية، يصب تماماً في مجري السيل المغرض، تأييداً ورصيداً ودعماً له، فهم يعرقلون وصول الخدمات الثقافية إلي الأذهان والوجدان في شتي المناطق والربوع، بالتهامهم جزءاً كبيراً من كعكة الثقافة، واستنزافهم لمواردها التي توصف بالضآلة دوماً، وذلك في صورة مكافآت عن أعمال الاستغناء عنها لا يضر، بل هو واجب أحياناً، ومنح عجيبة لا معني لها ولا هدف، سوي تدليل مرتزقة الثقافة من ذوي الوجوه الوقحة، وذباب الكعكة الذي دائماً ما يجتمع فوق السبوبة التي تتنوع تجلياتها: سواء في صورة مهرجان، أو مؤتمر، أو ملتقي، أو عضوية لجان ومجالس لبعض الذين لا يستحقون لانعدام كفاءتهم، وتواضع مستواهم العلمي والثقافي، ولكنهم للأسف يفرضون أنفسهم ، ببلطجة وقدرة علي الابتزاز - جاء أوان مواجهتها، لأنه وكما ذكرت في مقال سابق لا وقت لدينا للعبث، والثقافة هي أحد أهم أسلحتنا في مواجهة السيل والطوفان، ومكانها في الصفوف الأولي من المعركة، تذود عن عقول الصاعدين الغضة ضربات التطرف البغيض، وتصد عن الوجدان طعنات التشويه المتلاحقة، ولكن جحافل المنتفعين من ذباب الثقافة، للأسف تعوق ذلك كله بانتهازيتها وأنانيتها، وخستها التي لم يعد الظرف التاريخي يحتملها.