الانسان البدائى الجاهل تراه أنانيا لا يهمه الا نفسه ، ولا يعمل الا لمصلحته الشخصية ، ويدل على ذلك استفحال الأنانية والأثرة فى المجتمعات الجاهلة التى يخيم عليها ظلام الأمية والجهالة وازدهار التضحية والايثار وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة فى المجتمعات الواعية الراقية . تعنى الأثرة والأنانية أن يحب المرء نفسه حبا مفرطا ويختصها بأحسن الشىء دون غيره . والانسان أنانى بطبعه وطبيعته ، ويدل على ذلك الطفل فهو أنانى لا يقصر فى أن يستأثر بالنفع وحده دون غيره من اخوته وأصحابه . وكلما كبر الطفل وتقدمت سنه وازداد وعيا ونضجا خفت حدة الاثرة والأنانية فيه وضعف صوتها فى نفسه حتى اذا ما نضج تفكيره واتسع أفقه وبعد نظره وسمت نفسه ، خلع عنه رداء الأثرة والأنانية وارتدى لباس التضحية والايثار ونكران الذات . والبخيل الشحيح تطغى عليه الأثرة والأنانية ، كذلك الحيوان أنانى بالطبيعة والغريزة . اذاً تطغى الاثرة والأنانية على الطفل والجاهل الأعمى والبخيل بالتربية الدينية السماوية وبالتحلى بالثقافة البناءة والأخلاق الحميدة الحسنة ، يتحرر المرء من عقدة الأثرة والأنانية ويسلك طريق التضحية والايثار .والمتأمل المتفكر يدرك أنه يتولد عن الاثرة والأنانية مساوىء ضارة ورذائل وبيلة تسوق صاحبها الى شرور وجرائم كثيرة . وتلد الاثرة والأنانية الطمع والجشع والحسد والغيرة والشح والغدر والخيانة والاختلاس والانتحال ووضع المصلحة الخاصة فوق المصلحة العامة فالطماع الجشع لا يقنع بما فى يده وجيبه من مال بل يطمع فيما فى يد غيره وجيبه . يدفعه الى ذلك حرصه على أن يضع يده وحدها على الخير والفائدة دون غيره . والحسود الغيور يتمنى أن ينتقل اليه وحده ما يراه عند غيره من نعمة وخير ، فهو يحب لغيره ما لا يحب لنفسه وعلة ذلك الأثرة والأنانية . وكم جر الطمع الى معارك ومهالك ، وتحل العداوة والبغضاء والتفرقة حيث يحل الحسد والجشع والطمع . وما أكثر ضحايا الطمع والحسد والغدر والخيانة . وما اكثر الأسر والجماعات والدول التى دب فى كيانها الحسد والطمع فأصابها الانحلال وتقطيع الأوصال وانفراط العقد وانهيار البنيان . كذلك الغادر الخائن يغدر ويخون فى سبيل منفعته الذاتية التى يضعها فوق أية منفعة أخرى . والمنتحل المدعى يسرق ما يملك غيره من مجد وفضل وينسبه الى شخصه بدافع من حبه لنفسه وخصها وحدها دون غيرها بالفضل والفلاح . ومن ثمار الأثرة والأنانية الوصولية والانتهازية والاستغلال والاحتكار والاستعباد والظلم . فالتاجر الجشع الذى يحتكر ويستغل إنما يفعل ذلك بدافع من الأثرة والأنانية . لذلك كانت الأثرة والأنانية رذيلة الرذائل وأم القبائح وهى مرض أخلاقى مهلك وداء اجتماعى وبيل . والمرء الأنانى يعزل نفسه بأنانيته وأثرته عن الناس ويخسر النفع الذى يريد الاستئثار به على غيره ، فهو يأخذ ولا يعطى ويقبض ولا يدفع ويشد ولا يرخى ، ومن يأخذ ويعطى ويقبض ويدفع ويشد ويرخى يربح ويكسب ، ومن يأخذ ولا يعطى ويقبض ولا يدفع ، ينحبس عنه الغيث والثمر فيحرم ويخسر . وكلما تخلى المرء عن الأثرة والأنانية وأثر المصلحة العامة على مصلحته الخاصة وضحى فى سبيل الله والأمة والوطن ، وأنكر ذاته ، عظم نفسه ورفع شأنه ونال خيرا كثيرا ولا يمكن اقامة صرح التعاون والاتحاد ولا رفع علم النهضة والفلاح فى مجتمع تسوده الأثرة والأنانية والنزعة الفردية ، وتباع فيه المصلحة العامة بالمصلحة الخاصة ، فسلامة الفرد من سلامة المجتمع .