يمتدح الله رب العالمين أولئك الذين يؤثرون غيرهم علي أنفسهم ولو كانوا هم أنفسهم في حاجة لما يقدمونه للآخرين.. فهذه خصلة من أرفع الخصال التي يمكن أن يتصف بها إنسان ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة( الحشر9) ولو كان بهم خصاصة أي لو كانوا هم محتاجين لما قدموه لغيرهم وآثروهم به علي أنفسهم. الإيثار صفة نبيلة, والأثرة أي تفضيل النفس علي من عداها صفة من أقبح الصفات التي يتصف بها إنسان.. الإيثار صفة عليا والأثرة صفة دنيا.. من اتصف بها فقد ارتضي لنفسه الدنيا, فلا شيء يشين إنسانا ويحط من قدره في أعين الناس أكثر من كونه أنانيا لا يعنيه إلا نفسه ولا يفكر إلا في نفسه.. ولو كان من يؤثر نفسه عليهم من أهله أو هم أهله.. والإنسان الأناني هو الخاسر في النهاية ولو ظن أنه الرابح, لأن الذين من حوله سيتعاملون معه من منطلق أنانيته, فلا يعطونه ما كانوا سيعطونه إياه لو عرفوا عنه الإيثار, وأنه يهتم بهم مثلما يهتمون به. حسابات الشخص الأناني خاطئة تماما, وهي قصيرة النظر, ولا تري إلا ما هو قريب منها, وليس أبعد من ذلك.. لا أحد يستريح للشخص الأناني ولا يقيم له اعتبارا, لأن الشخص الأناني يعني بنفسه فقط, ويفضل نفسه علي كل من حوله, وبالتالي فليس هناك أي داع لمساعدته, فهو متكفل بنفسه دون مساعدة من أحد, وهو في هذا خاسر لأنه بمفرده لن يستطيع أن يبلغ كل ما يريد, فهناك من الأمور ما لا يتم إلا بالتعاون من جانب أكثر من شخص, وهذا لن يجد أحدا يعاونه ممن يعرفون عنه الأنانية وإيثار نفسه علي الناس جميعا, وهو ليس مؤمنا بحق ليس منا من لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه( حديث شريف) وهو لا يحب للآخرين ما يحب لنفسه, فهو يستأثر لنفسه بكل ما يمكن أن يستأثر به وحده, ولو أدي ذلك إلي حرمان الآخرين مما هو حق لهم, أو ما كان سيؤول إليهم لولا أنه استأثر به دونهم. الشخص الأناني مكروه في أهله ومكروه في دائرة معارفه, وقد تصل الأمور إلي درجة أن يصبح منبوذا منهم جميعا.. ولو احتاج إليهم في مرض ألم به أو ورطة وقع فيها لما سارعوا إليه بل تباطأوا عنه, ومعهم حق.. فالدنيا أخذ وعطاء.. وليست أخذا فقط ولا عطاء فقط, فالذي يعطي يأخذ, والذي يأخذ لابد أن يعطي, وإلا انفض الناس من حوله. الشخص الأناني قد يتقدم به السن ويصبح في حاجة لتعاطف الآخرين معه وتقديم المساعدة له, ولكنه حرم نفسه من هذا وذاك بسلوكياته الأنانية, وعدم اهتمامه بالآخرين الذين كانوا في حاجة إلي اهتمامه بهم, ولكنه أعرض عنهم وتهرب منهم. الإنسان الأناني شحيح بطبعه, والله تعالي يقول: ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون( الحشر9) فالإنسان الشحيح ليس من المفلحين.فهل يصلح الإنسان الأناني من شأنه حتي يكون من المفلحين في الدنيا والآخرة؟ أم يظل علي ما هو عليه لكي يخسرهما جميعا؟!