يقول تعالي: «والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) (الحشر: 9). تفسير الآية: ذكر الإمام السيوطي في سبب نزول هذه الآية: أخرج ابن المنذر عن زيد الأصم أن الأنصار قالوا: يا رسول الله، اقسم بيننا وبين اخواننا المهاجرين الأرض نصفين قال: «لا، ولكن تكفونهم المؤونة وتقاسمونهم الثمرة، والأرض أرضكم» قالوا: رضينا، فأنزل الله (والذين تبوءوا الدار) «الآية». ويضيف الإمام السيوطي: وأخرج الواحدي من طريق محارب بن دثار عن ابن عمر قال: أهدي لرجل من أصحاب رسول الله - صلي الله عليه وسلم - رأس شاة فقال: إن أخي فلانا وعياله أحوج إلي هذا منا، فبعث به إليه فلم يزل يبعث به واحد إلي آخر، حتي تداولها أهل سبعة بيوت، حتي رجعت إلي أولئك، فنزلت: (ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة). وهذه صورة وضيئة صادقة تبرز أهم الملامح المميزة للأنصار، وقد سجل ربنا جل وعلا هذا الموقف الجليل كرامة للأنصار، وليكون نموذجا علي ما يصنعه الإسلام بالنفوس، وليبين للبشرية جيلا بعد جيل وللأمة الإسلامية بالذات سر انتصاراتها في التاريخ وسبيلها إلي ذلك. وأن الرعيل الأول من المسلمين إنما قاد العالم يومئذ بهذه الروح الإيمانية السامية. والإيثار علي النفس مع الحاجة قمة عليا، وشح النفس هو المعوق عن كل خير؛ لأن الخير بذل في صورة من الصور؛ بذل في المال وبذل في العاطفة وبذل في الحياة عند الاقتضاء.