يسأل أحد القراء هل الصيام هو مجرد ترك شهوتى الطعام والجنس ساعات النهار فقط؟ وكيف تتفاوت مراتب الصائمين، وما فوائد الصيام الأخرى؟ يقول الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى سابقا إن حياة الناس لا تقوم إلا بمشاركة عامة فى الإنتاج والعطاء والنماء والإنسان كما ينتج فهو يستهلك، وتبدو قيمة الصيام وتأثيره فى الصائم إذا استطاع أن ينتج أكثر بكثير مما يستهلك أى إذا استطاع أن يأخذ لذاته أكثر مما يعطى فكل نفس منتجة بجوارها أعداد مستهلكة دون إنتاج رغما عنهم فالأطفال والمرضى وذوو الاحتياجات الخاصة والمسنون كل هؤلاء لهم حق الاستهلاك وليس عليهم واجب الإنتاج فكيف إذا لم يصم المنتجون عن غالبية ما ينتجون وعن كثير مما يستحقون فالصائم خريج مدرسة الصوم يتنازل عن بعض حقوقه ليصلح بها غيره. فليتذكر الصائم أنه لابد أن يترك ما له من حق كما ترك الطعام والشراب، فصم عن حقك ولا تشح به أى لا تتمسك بما تستطيع أن تستغنى عنه، فطلب القرآن أن نصوم عن الشح ونصوم عن بعض حقوقنا ونقبل البعض ونتجاوز عن البعض فهذا صوم كبير وقربة إلى الله فقوله: «وإنِ امرأةٌ خافتْ من بعلِها نُشُوزًا أو إعراضًا فلا جُناحَ عليهما أن يُصلِحا بينهُما صُلحًا والصُلحُ خَيرٌ وأُحضرتْ الأنفُسُ الشُّحَّ وإن تُحسنُوا وتَتَّقُوا فإنَّ اللهَ كان بما تعْملُون خبيرًا» (النساء.128) دعوة للمسارعة إلى التصالح والتنازل عن بعض الحقوق فلا تتحكم فيك النفس الشحيحة والمتمسكة بمالها عند الناس وخصوصا ما بين الزوجين فلا تهدم البيوت ولا تقطع الصلات بسبب كلمة أو موقف أو ما يتصوره الإنسان إهانة أو يعتبره حقا لا يتنازل عنه كما جاء قوله تعالى «والَّذِينَ تَبَوَّءوا الْدَّارَ والإيمانَ مِنْ قبلِهم يُحبُون من هَاجَر إليهم ولا يَجدُون فِى صدورِهم حاجةً مما أُوتُوا ويُؤثِرُون على أنفسِهُم ولو كان بهم خصاصةٌ ومن يُوقَ شُحَّ نَفسهِ فأُولئِك هُمُ المُفلِحُون». (الحشر 9) والصوم دعوة لإيتاء ذى القربى واليتامى والمساكين من أموالنا التى وهبها الله لنا كذلك صلة الفقراء والمهاجرين والمحتاجين إلى الأمن والأمان والسكن ويصف الله عباده من المهاجرين والأنصار فيذكر صومهم عن شح النفس فالأنصار يقدمون ويعطون والمهاجرون لا يطمعون ولا يحبون لأنفسهم أخذا يسيرا سهلا فلابد من العمل والكدح وعدم انتظار ما فى أيدى الناس. ويحذرنا الله من فتنة الأموال فنشح بها على المحتاجين ونعتبرها حقا خالصا لنا ليس لهم فيه إلا الزكاة فمن عرف معنى الصيام صام عن حب ماله وأخرج منه للناس ما يزيل شح نفسه وما يفك كرباتهم. والتخلص من الشح والتقارب مع الناس والسماحة معهم ثمرة كبرى لمن يعرف كيف يصوم عن حقوقه التى يمكن أن يستغنى عنها بغير ضرر لنفع غيره نفعا عظيما، وإذا تذكرت وصف أم المؤمنين عائشة لرسول الله (ص) أنه فى جوده وإكرامه للناس كان كالريح المرسلة.. فهل تترك الريح أحدا دون أن تمر عليه؟ وهل تستثنى الريح بعيدا أوغريبا ؟ إنها تمر على الجميع.