كثرت أسئلة القراء عن سلوكيات التعنت والقهر التى لا يتخلص منها بعض الصائمين والتعسف فى استعمال الحق بما يضر الناس أكثر مما ينفع صاحب الحق، وعن الذين يغالون ويبالغون فى الضغط على الآخرين لأسباب تافهة. ويقول الشيخ جمال قطب، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا: إن طبيعة الحق تعطى لصاحبه سلطة التمكن من هذا الحق والإحاطة به والاستحواذ عليه والتصرف فيه، والسلطة أى سلطة سواء سلطة الوالدين على القصر من الأبناء، وسلطة الأستاذ على تلميذه والحكومات على رعيتها.. إلخ. هذه السلطة فى حقيقتها سلطة إدارة وتنسيق، وليست أبدا سلطة بغى وإعنات، فمن مارس سلطته المتاحة له للتنسيق وحسن الإدارة يكون قد صام عن الجور والظلم والعنف ويتيح الحقوق لأصحابها كما يتيح الله الرزق للمؤمن والكافر والقريب والبعيد، ويوجه كرمه للصائم، قائلا: يا أيها الصائم صم عن الظلم والجور وصم عن المحسوبية وصم عن شهوات سلطانك. وإذا كان الصيام يفرض على السلطان صاحب السلطة أن يصوم عن التسلط فماذا يفرض الصيام على الرعية؟ الصائم حقا هو من يصوم عن حاجته إلى السلطة والاهتمام بها أو الاستعانة بها فقد قال الصالحون: السلطان من لا يحتاج إلى سلطان.. أى أن السلطان الحقيقى هو من يتسامح مع المقصرين فى حقه فلا يشكوهم إلى السلطان، والسلطان الحقيقى من يتعلم مهنة أو حرفة تغنيه عن انتظار عطاء السلطان. فهل نعود أنفسنا ونربى أبناءنا فى الصيام عن التعسف فى استعمال الحق والإصرار عليه حتى لا نشغل السلطان بتوافه الأمور؟! وإذا صام الناس حقا فلم يشك بعضهم بعضا بسبب أمور صغيرة يمكن التنازل عنها والجود بها فإن القضاء سيتفرع لكبرى القضايا والمهام. فإذا كان رمضان وترك الجميع طعامهم وشرابهم الحلال واستغنوا عنه، فإن الأولى والأحب إلى الله أن يصوم ذوو السلطان عن التعسف، وأن يصوم أصحاب الحقوق عن بعض حقوقهم ويتسامحوا فيها وأن يصوم الأفراد عن التحرش ببعضهم وشكوى بعضهم البعض لأتفه الأسباب. فما أعظم أن يصوم الملوك والكبراء عن الظلم وإهمال الرعية وما أحب أن تصوم الرعية عن الإهمال والتراخى وتجاوز الحدود.