يعرف الحق بأنه سلطة وقدرة إرادية يعترف بها القانون للشخص فى نطاق معلوم، واختلف الناس فى ذلك، فظهر من يقول إن الحق مصلحة يحميها القانون، وبين هذين الاتجاهين ظهر مصطلح «التعسف» فى استعمال الحق، طارحا سؤال: هل يستقيم الحديث عن «التعسف» فى استعمال الحق؟، وكيف يكون الحق مع التعسف؟، وإذا استعملنا التعسف فى الحصول على حقنا فهل سيصبح هذا الذى حصلنا عليه حقا أم باطلا؟، وهل هناك فرق بين الخطأ والتعسف؟، ولماذا التعسف فى استعمال الحق «فكرة غامضة» فى القانون؟، ولماذا يصبح التعسف فى استعمال الحق معوقا للحق بل ومانعا له؟ الاجابة يقولها المستشار الدكتور شوقى السيد فى كتابه «التعسف فى استعمال الحق.. طبيعته ومعياره فى الفقه والتشريع والقضاء»، الذى صدرت الطبعة الثانية له عن دار الشروق، بقوله «الغلو فى العدل غلو فى الظلم»، وهى قاعدة رومانية قديمة، فالحق إذا بغى أصبح مثل الباطل، واستعمال الحق إلى أقصى حدوده يؤدى إلى ظلم فاحش. فى الفصل الأول حول طبيعة التعسف وأساسه يوضح الدكتور شوقى السيد فكرته حول استعمال الحق والمسئولية فيقول: «تردد الفقهاء طويلا حول مدى جواز اعتبار استعمال الحق موجبا للمسئولية، ومصدر التردد أن الحقوق فى نظرهم لا تعدو أن تكون امتيازات قانوينة تمنح حرية التصرف فى العمل، ومن ثم فلا يعقل، أو يتصور القبول بعدم مشروعية فعل قرره القانون، فاستعمال الحق فى نظرهم دائما مشروع ولو أدى إلى الإضرار بالغير، لكن إذا كان استعمال الحق فى حدوده الموضوعية لحقه عيب فى غايته أو الغرض منه فتكون مسئولية صاحب الحق الذى لحق غايته عيب من الأمور المسلمة، وهذا هو المجال الحقيقى للتعسف فى استعمال الحق، إذ يقيم المسئولية عن استعمال الحق لمخالفته غايته. ولهذا صارت كلمة تعسف مبررا كافيا فى المجال القانونى لقيام المسئولية فمن استعمل حقه استعمالا تعسفيا لا يتمتع بالحماية القانونية، إذ غدت المشروعية فى استعمال الحق ضرورة لازمة، وتحدد فكرة التعسف مدى هذا الاستعمال المشروع وحدوده». يقدم الكتاب دراسة منهجية فى الفقه الفرنسى، والفقه الألمانى، والفقه الأمريكى، والفقه الإسلامى، ليؤكد لنا الغاية التى تتقيد بها الحقوق جميعا، هى المصلحة الجادة والمشروعة، ففى كل حالة غابت عنها المصلحة، أو كانت تافهة، أو كانت غير مشروعة، فإن صاحب الحق يعد متعسفا فى استعمال حقه، وحقت مساءلته عن الضرر، وجاز منعه من التعسف قبل وقوعه. وحاول الدكتور شوقى السيد صياغة فكرة التعسف منقبا عنها، كنظرية عامة، مستقلة عن فكرة الخطأ، لأنه إذا كانت فكرة الخطأ كافية، فلماذا وجدت فكرة التعسف؟! واتجه المؤلف بحثا عن صياغة النظرية فى التشريع والقضاء، فالمشرع المصرى قد استقى أحكامها من الشريعة الإسلامية، وأقام منها نظرية عامة احتلت الباب التمهيدى، وهو اتجاه أشارت إليه وأشادت به لجنة مراجعة القانون المدنى الفرنسى عام 1951 وطالبت المشرع بأن يحذو حذو التشريعات الأجنبية ومنها التشريع المصرى. أما عن اتجاه القضاء فلقد أشار المؤلف إلى أحكام القضاء المصرى والفرنسى حتى نهاية عام 2007 ليقدم لنا أحكاما حديثة تكشف عن اتساع دائرة تطبيقها موجها الدعوة إلى محكمة النقض لتوحد مبادئها حتى لا تختلط مع نظرية الخطأ، أو تتناقض مع بعضها البعض. وعلى هذا النحو فإن المؤلف يبشر باستقلال نظرية التعسف عن الخطأ واعتبارها دستورا اجتماعيا فى استعمال الحقوق جميعا شأنها شأن الحريات والسلطات. والكتاب يقدم حلولا للقضاء يحقق بها العدل والإنصاف فى مواجهة الغلو فى زمن يغلب عليه الأنانية والجموح. وربما الفوضى التى لن تكون إلا مدمرة وليست خلاقة، مفرقا بين الخطأ فى استعمال الحق والتعسف. الخطأ تقصير لكن التعسف فعل متعمد.