أطلق خبراء القانون والعمارة والمسئولون في الأحياء والمدن تحذيراتهم وعبروا عن مخاوفهم بعد صدور حكم القضاء الإداري بمجلس الدولة أخيرا الذي أعطي الحق لمالكي العقارات في إجراء تعديلات علي الوحدات السكنية في عقاراتهم لتحويلها إلي نشاط تجاري أو إداري أو أي غرض آخر بالرغم من أنها بنيت أساسا لغرض السكني. الخبراء وصفوا الحكم بأنه يفتح الباب علي مصراعيه للملاك لتحويل الشقق السكنية إلي أنشطة تجارية أو إدارية مما يؤدي إلي تداخل الانشطة في عقار واحد مما يهدد سلامة السكان ويشعل الخصومات بينهم وبين الملاك من ناحية وبين شاغلي الوحدات التي سيتم تعديلها وقالوا إن الحكم يلغي أسس التخطيط العمراني وقرارات المحافظين بعدم تغيير النشاط وأكد الخبراء أن الحكم سيؤدي إلي تكريس الأنشطة التجارية والادارية في العاصمة ويزيد من أزمة الاسكان بالرغم من جهود الدولة للخروج من القاهرة إلي المنطق والمدن الجديدة، تحذيرات الخبراء يرصدها "الاسبوعي" في هذا التحقيق. ينبه الدكتور أحمد سعد أستاذ ورئيس قسم القانون المدني بكلية حقوق القاهرة والمحامي بمحكمة النقض إلي أن هذا الحكم وإن كان له وجه ايجابي فإنه سيصطدم بنصوص قانونية أخري مثال ذلك المادة الخامسة من القانون المدني التي تنص علي عدم جواز التعسف في استعمال الحق وهذا معناه أن المالك يمكن أن يغير نشاط العقار الذي يملكه حتي ولو أدي ذلك إلي التعسف في استعمال الحق والاضرار بالجار مثال ذلك إذا كانت هناك وحدة سكنية أو عقار يخصص للسكني فإن الحكم يعطي المالك الحق في تغييره إلي نشاط تجاري أو غلقه للراحة فضلا عن أن هذا الحكم سيتعارض مع المادة (708) من القانون المدني التي نصت علي الزام المالك بتعويض الجار المضار وهذا الحكم وإن كان قد أرسي مبدأ جديدا وهو اطلاق حرية الملك في مباشرة سلطاته فإنه نسي أن نظرية الملكية الآن في ظل النظم الاجتماعية يرد عليها القيود القانونية والاتفاقية والقضائية واننا سنجد أن بعض الملاك سيضربون عرض الحائط بالقيود القانونية التي وردت بالقانون العام الذي ينظم أحكام المباني وهو القانون رقم 106 لسنة (76) وتعديلاته. ويري د.سعد أنه يجب أن تدور حرية المالك في مباشرة حق الملكية مع النظرية القانونية الواردة علي قيود الملكية أي يسير بالتوازي يحقق مصلحة المالك مع مصلحة المجتمع حتي لا يضر بالسكان المجاورين بيئيا وصحيا واجتماعيا ونفسيا فلا يترك للمالك العنان لأن حق الملكية وإن كان حقا مقدسا لصاحبه فإن هناك حقا للمجتمع فأرجو ألا يضحي هذا الحكم بحق المجتمع لمصلحة الملاك. حرية بلا أضرار ويؤكد المهندس الاستشاري الدكتور علي رفعت رئيس قسم العمارة بهندسة القاهرة سابقا أننا نطبق عند العقارات قاعدة أن الحرية يجب أن تقف عند حدود الضرر بالآخرين فمزج الأنشطة المختلفة في عقار واحد أمر غير صحيح من وجهة نظر معمارية حيث تتداخل الاستعمالات في هذا العقار فالاستعمال المختلط له مصاعب ومشكلات كبيرة فيما يختص بتوزيع الخدمات ومصاريفها فاستعمال السكن يختلف عن الاستعمال الإداري أو التجاري سواء في استخدام المصاعد والذي يهدد الأمن والأمان حيث يمكن أن يتظاهر شخص بأنه متوجه إلي مكتب إداري أو محل تجاري وإذا به يقتحم وحدة سكنية أو من حيث الخصوصية والتي يتم انتهاكها بهذا الخلط من خلال مزج فئات مختلفة من الناس لا يمكن التحري عن شخصياتهم وجنسياتهم وأنماطهم، كما ستحدث مشكلات عن توزيع المياه والكهرباء واستهلاك جميع الخدمات الاساسية بطريقة غير منتظمة وغير متوقعة ولا يمكن حسابها كما يؤدي ذلك إلي مزج في انتظار السيارات واستخدام المداخل نفسها. ويشير رفعت إلي أنه في جميع دول العالم لا يتم هذا المزج إلا في مرحلة التصميم الاساسي للمبني الذي يتم فيه تحديد الأنشطة السكنية أو التجارية من الادارية وتخصيص مدخل خاص لكل منها أيضا حتي لا يحدث هذا الخلط ويطالب بألا تتم أي تعديلات هندسية في الوحدات السكنية إلا تحت إشراف ومراقبة جهاز التنظيم وبعد الحصول علي موافقة مهندس استشاري وأيضا موافقة الحي. ويضيف محرم أنه يجب وضع بعض الضوابط في هذا الحكم ومراعاة بعض النقاط عند تطبيقه مثل طبيعة المنطقة فإذا كانت منطقة هادئة مثل المعادي التي لها ظروف بنائية خاصة فإن هذا الحكم سيغير من طبيعتها لتتحول إلي منطقة صاخبة ومزعجة كما يجب مراعاة عرض الشارع إن كان يتحمل مترددين عليه من سيارات ومواطنين ومدي ملاءمة ذلك مع الكثافة السكانية للمنطقة فللسكان الحق الأول في المنطقة وأيضا يجب مراعاة ما إذا كانت هذه المنطقة في حاجة لأنشطة تجارية أو إدارية فضلا عن أنه إذا كانت منطقة مكدسة ومزدحمة فهي لا تحتمل المزيد بل علي العكس، وهذا يعني أن مثل هذا الحكم لا يمكن تطبيقه علي جميع المناطق والأحياء لأن لكل حي ظروفه وطبيعته.