مع وجود رئيس إخواني لن تكون الثقافة وحدها في خطر، يجب علي المثقفين أن يكون عندهم نظرة أكثر عمقا من مصير الكتابة والفن بل الأكثر أهمية مصير الهوية والحريات نفسها، فطرح الإخوان عن الثقافة والكتابة معروف، فهم يرون أن الفن ذو طابع أخلاقي، ولكني في الحقيقة علي المستوي الشخصي لست مشغولة بالكتابة والنشر الآن، لأن الكاتب المصري يستطيع أن ينشر إبداعه في أي مكان، ولن يستطيع شخص أو تيار أن يأخذ منه تراثه من الحرية في الكتابة، ولكن المشكلة الأساسية هي أن الوطن يواجه نفس المشكلة مع فكرة المدنية.. فلا أعتقد أن الرئيس الحالي لديه تصور عن هوية المدنية والحريات وليس فقط بالنسبة للكتلة المثقفة بل لكل الكتل الوطنية. سيترتب علي الوضع الحالي أن يكون هناك شد وجذب بين كتلتين، كتلة مدنية خائفة علي حريتها والهوية المصرية وكتلة إسلامية بروافدها من إسلام سلفي وإخواني. الثقافة جزء من الكل وطرف من المعركة، ولكن المخاوف الأكبر علي المواطنة فأكثر من نصف المجتمع المصري يعيش حالة من القلق علي تنوعه .. فالرئيس المنتخب يقول: دولة مدنية وحرة؟ ونحن لا نفهم ما يريده، فالمفاهيم الأساسية التي تربينا عليها ستتم إعادة صياغتها في المرحلة القادمة. كما أننا لن نستطيع أن نحمي الثقافة بدون حراك ثقافي كبير، يقف فيه المثقف، ليس فقط مع مصالحه، ولكن مع حقيقة ما يؤمن به.. هذا الوضع المتأزم سيخلق كوادر تنويرية حقيقية .. أطمع في ذلك لأننا في حاجة قوية له، أن نكون أكثر شراسة وأكثر قدرة علي التنوير السياسي، فالثقافة هي القادرة علي تكوين نخبة تنويرية بحق وليست تنويرية بمعني عهد مبارك وليست تنويرية بالمعني الاخواني، نحن في حاجة إلي نخبة صلبة ونخبة أمينة علي المواطنة، تكون طول الوقت ضميراً للمثقف بدون أطماع، نخبة مثل: الأفغاني، طه حسين، نجيب محفوظ. في تصوري لن يحدث توقف عن الإبداع بل سيكون هناك تحد أكبر للمبدع.. ماذا يكتب وكيف سيكتب؟ وهذا حدث في التجربة الإيرانية بعد تحولها للاتجاه الديني بل إن الثقافة في إيران أصبحت أكثر مقاومة، وليست هناك قوة أكثر معارضة للنظام الإيراني مثل القوة المثقفة. أتمني أن تغير التحديات السياسية صورة المثقف السلبي والمسالم، في أدوار ينبغي أن يقوم بها المثقف الآن أكثر من أي وقت مضي .. وعلينا ألا ننظر لمصالحنا الشخصية فقط مثل الكتابة والنشر ولكن جوهر المشكلة أننا أمام تحول في هوية الوطن. ليس معني أن الإسلاميين وصلوا للحكم أنها النهاية ولكن ربما تكون فرصة لنا لبداية التغيير الحقيقي وديمقراطية حقيقة. لا داعي للانفعال. فقط علينا أن نكون علي قدر من الرؤية والصلابة والرغبة في التغيير.. فربما يكون القلق حالياً مبالغا فيه وربما يكون للأسف واقعا نعيشه. ولكن في الفترة الأولي أعتقد أننا لن نشهد مواجهات علي أي من هذه الأصعدة،فالإخوان أمامهم أجندة ممتلئة بمعاركهم في النقابات والمحليات، وآخرها تجيء الثقافة والمرأة والحريات.