استرداد مصر لمخطوطة نادرة، عمرها نحو 600 عام، يأتي في إطار الجهود المبذولة لإعادة الموروثات والمقتنيات الثقافية التي سرقت وهربت خارج مصر، لأن ضياع أي قطعة هو ضياع للتاريخ، والسؤال كيف خرجت هذه المخطوطات خارج مصر؟ فالطريق من رملة بولاق، الحي التاريخي بقلب القاهرة النابض، وصولاً إلي العاصمة البريطانية لندن، وعر وشاق وبالغ الطول علي الأرجح أمام مخطوطة ثارت حول اختفائها ضجة كبيرة، ومَنْ نفَّذ وسهَّل وهرَّب وسوَّق وثمَّن ومن باع ومن اشتري؟! تفاصيل سرقة وعودة مخطوطة "المختصر في علم التاريخ" للمؤلف محيي الدين الكافيجي التي هي من مقتنيات الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية والتي فقدت في سبعينيات القرن الماضي حتي عودتها إلي دار الوثائق القومية بالفسطاط، بعد سرقتها، بعد أن حُفظت في دار الكتب تحت رقم 528 قبل ملاحظة اختفائها في جرد 1976م وظلت مختفية لمدة 42 عاما قبل ظهورها في أحد مزادات لندن يجعلنا نفتح ملف اختفاء المخطوطات من دار الكتب والوثائق القومية. في 25 أبريل الماضي ظهرت المخطوطة معروضة للبيع بأحد مزادات لندن ووقتها ناشد الاتحاد العام للأثريين العرب الجهات المعنية بالدولة التدخل لوقف بيع جزء من إحدي المخطوطات التاريخية الهامة ذات القيمة الثقافية والتراثية وكان المخطوط معروضاً للبيع في مزاد علني بصالة "بونهامز" بالعاصمة البريطانية، قبل أن تنجح سفارة مصر بلندن في استرداده، ودعا الأمين العام للاتحاد العام للأثريين العرب الدكتور محمد الكحلاوي إلي سرعة التدخل لوقف بيع مخطوط "المختصر في علم التاريخ"، وتم وقف البيع لحين استكمال إجراءات إثبات الملكية لمصر، التي استغرقت 5 أشهر. وقام كل من د.محمد الكحلاوي، د.أحمد عبدالباسط (معهد المخطوطات العربية)، بالاتصال بدار الكتب لبيان تفاصيل هذا المخطوط والإسراع في وقف البيع، وهو ما تم بالفعل وقامت دار الكتب بتشكيل لجنة بإشراف د.نادر عبدالدايم رئيس الإدارة المركزية لدار الكتب السابق، وبدأ البحث عن حقيقة هذا المخطوط، وتم التوصل إلي نسخة كان قد تم تحقيقها من قبل، وبمضاهاة أوراق النسخة المحققة بأور اق النسخة المنشورة علي شبكة الإنترنت، فضلاً عن إرسال المحقق لنسخة "بي دي إف" لدار الكتب فتم التوصل إلي المخطوط، الذي اكتشف د.نادر عبدالدايم أنه ضمن مجموعة المخطوطات بالدار. بقي أن نعرف أن مصر بها 58701 عنوان لمخطوطة كاملة خلافاً للمخطوطات المهداة، والمخطوط الواحد قد يتكون من أجزاء، والمقصود بعنوان لمخطوطة كاملة أننا نمتلك ما يزيد علي هذا الرقم من المخطوطات المُجزأة في القرن الرابع عشر الميلادي، دخلت المخطوطات مصر بكميات هائلة، لسقوط الخلافة العباسية، فكان في مصر المأمن لهذه المخطوطات، قبل أن تخرج هذه المخطوطات علي يد التجار والقناصل إلي دول أوروبا في القرن الخامس عشر، استقرت هناك في إسطنبول وبرلين وباريس ولندن وغيرها من العواصم. المفقود من المخطوطات كثير والمفهرس وحده يمثل نحو 20٪ فقط من المخطوطات المنتشرة حول العالم، سرقت عبر القرون المختلفة، ومن قبل كانت هناك مطالبة من جانب رؤساء دار الكتب السابقين ومن بعدهم وزراء الثقافة المتعاقبين بضرورة جرد محتويات دار الكتب من المخطوطات والكتب النادرة، خاصةً بعد حادثة سرقة مخطوطة »الشافعي» وفي تاريخ دار الكتب تم إجراء 4 جرود فقط، أعوام 1976 و1985 و1998 و2002 ومنذ تاريخ الجرد الأخير كان يجري من وقت لآخر بعض الإحصاءات علي الكشوف الحديثة، والتي لا ترقي إلي مستوي الجرد. وعندما اختفت مخطوطة الإمام الشافعي المعروفة ب"الرسالة" عام 2002، كان الدكتور صلاح فضل هو القائم علي دار الكتب، وظلت هذه المخطوطة محفوظة لنحو 1200 سنة في مصر قبل أن تسرق منذ 20 سنة تقريباً خلال احتفالية حضرها وفد سوري، في يوم الوثيقة العربية، وقد حقق في الأمر كثيراً، وتم استجواب المسؤولين في مجلس الشعب آنذاك، وصرح الدكتور فضل، بأنه سيتم فرض حراسة مشددة حول دار الكتب، كما سيتم عمل تشفير للمخطوطات والكتب النادرة من محتويات الدار. الخوف من تبعات ظهور مزيد من المخطوطات المفقودة، ظل هاجساً لدي كثير من رؤساء دار الكتب، وربما خافوا أن يتحملوا مسؤولية أن يكشف الجرد عن غياب العديد من المخطوطات فيحاسبوا، كان ينبغي أن يجري هذا الجرد، وأن يعلن علي الرأي العام، لكن لم يحدث. وظل جرد المخطوطات "فريضة غائبة" لسنوات لدرجة أن وزراء الثقافة السابقين في السنوات الأخيرة من حلمي النمنم ومحمد صابر عرب، وعبدالواحد النبوي، لم يستجيبوا لطلبات الجرد من موظفين بالهيئة. لكن عموما ثمة قواسم مشتركة بين اختفاء "الرسالة" و"المختصر في التاريخ"، فالمخطوطتان من نفائس المخطوطات العربية، وكلتاهما سُرقت من دار الكتب وإن اختلف تاريخ سرقتهما. الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة عقدت مؤتمرا صحفيا ومعها الدكتور هشام عزمي، رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية، للإعلان عن تفاصيل عودة المخطوط، لكن هل تعلن الوزيرة عن عملية جرد كبري لمخطوطات دار الكتب والوثائق حتي نطمئن علي تاريخنا.